مشروع المحطة الحرارية: هل سنخطئ في توقع الخسارات؟

فإصرار المكتب الوطني للماء والكهرباء على المشروع، ومعه استمرار موافقة الحكومة الحالية على بناء المحطة رغم تعرضات المواطنين والمجالس المنتخبة والهيئات المدينة، هو بمثابة تحدي لمدينة برمتها وتحقير لإرادة المواطن، واستفزاز سيكون له ما بعده من تداعيات خطيرة، لأن جل بؤر التوثر الاجتماعي ببلادنا تسببت فيها اختيارات لاديمقراطية ولا اجتماعية أججت غضب الشارع. محطة تشتغل بالفيول مرفوضة، ولا أرضية نقاش أو حوار أو تنازلات أو أنصاف حلول، هي مرفوضة بالمعايير الإيكولوجية لأنها تهديد للحق في الحياة والعيش في بيئة سليمة من الأخطار والكوارث. وهي مرفوضة أيضاً بمعايير المواطنة والديمقراطية التشاركية، لأن تعبير المجتمع المدني عن رفضه للمحطة وكذا المنتخبون دليل قاطع على كون بناء المحطة يضرب في الصميم الديمقراطية التشاركية كما هي متعارف عليها كونيا، لا كما تلوكها النخب السياسية  ومعها بيروقراطية الإدارات العمومية.
بدون مبالغة المشروع سيكون كارثة بكل المقاييس على البيئة والإنسان وكل والد وما ولد، فمنطق التسليع والاختيارات النيوليبرالية للدولة لايكثرت لانعكاسات المشروع على البيئة، وببساطة قاتلة نحن سنؤدي الضريبة من أجل إمداد اسبانيا بالطاقة، وهذا مربط الفرس أو بالأحرى مربط المشنقة لإعدام جماعي للمدينة، وهذا جزء بسيط من الخطاب المسكوت عنه في هذا الملف الذي تتستر عليه الطبقة السياسية والإدارة. وهنا تكمن خطورة تحويل النقاش حول المحطة إلى نقاش تقني بربطات عنق أنيقة مع خبراء المكتب الوطني للكهرباء، ومع مكاتب دراسات أجنبية مأجورة لم تعد دوليا تقنع الحكومات التي تحترم إرادة شعوبها بكونها مكاتب خبرة موضوعية ونزيهة وجديرة بالاحترام وفي منأى عن لوبيات المال والفساد. إن المشكل في عمقه سياسي، فالمسألة البيئية لا يمكن فصلها عن الانتقال الديمقراطي وتعبيراتها في حق المواطن في المشاركة السياسية، وفي صنع القرار ورسم السياسات العمومية والاختيارات الكبرى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في علاقتها بالبيئة، وبالتالي فحوارنا كفاعلين مدنيين لايمكن أن يتم إلا مع الحكومة ووزير الطاقة، وهنا نستحضر الدور الكبير الذي يمكن أن يضطلع به أصدقاؤنا  في العدالة والتمنية في تيزنيت، فتواجدهم في جبهة الدفاع عن البيئة لا يسقط عنهم فريضة  الترافع داخل حزبهم وفتح نقاش مباشر مع رئيس الحكومة المنتمي لحزبهم الحاكم والتأثير في مجريات هذا الملف بما يخدم المدينة ومستقبلها. أما المكتب الوطني للكهرباء فنقاشنا معه سيأتي في تفاصيل أخرى لا تقل أهمية،  وتدل في نفس الوقت على أن هذا المكتب يحكمه منطق تسليع الخدمات العمومية،  وفي غياب المساءلة والمحاسبة، فمثلا يجب فتح النقاش الآن حول تطهير السائل (الواد الحار) والملايير التي يستخلصها منذ سنوات المكتب الوطني للماء والكهرباء في فاتورة الماء بتيزنيت دون أن ينفذ هذا المكتب التزاماته في شأن صيانة شبكة الصرف الصحي بالمدينة، ولتترقب البلدية والعمالة الكارثة المقبلة على المدينة بأكملها وفي قصبة امزيلن كمثال (ممر العيساوي) ومنازله المهددة بالانهيار جراء تقاعس المكتب الوطني للماء والكهرباء عن إصلاح قنوات الصرف الصحي، وهنا يتحمل المجلس البلدي المسؤولية الكاملة في صفقة التفويض أولا، ثم في عدم متابعته المكتب الوطني للماء والكهرباء من اجل تنفيذ دفتر التحملات. فكيف يعقل أن نؤدي رسوما على خدمة لايقوم بها المكتب الوطني للماء والكهرباء؟ وهذا مثال بسيط على أن هذا المكتب يحكمه هاجس الربح ولاشئ غير استنزاف جيوب المواطنين.
ومن جهة أخرى فكثير من العارفين بتفاصيل الملف يعتبرون مشروع المحطة الحرارية يمكن أن يكشف عن معطيات جديدة لو تم فتح تحقيق حول هذا المشروع من بدايته وتحديد مسؤوليات المكتب الوطني للماء والكهرباء، وخاصة في صفقة اقتناء التجهيزات والمعدات وكل العمليات التي مر منها المشروع داخل هذا المكتب ، وهذا تحدي للحكومة والبرلمان أن يملكوا جرأة لإنشاء لجنة تقصي الحقائق حول هذا المشروع، واستدعاء مدير المكتب الوطني للماء والكهرباء إلى البرلمان.
إذن من هنا نعتبر أن مشكل المحطة الحرارية في عمقه يتعلق باختيارات سياسية وليس تفاصيل تقنية يمكن حسمها مع المكتب الوطني للماء والكهرباء، لان لا لغة مشتركة بين هذا المكتب وبين المواطن، وعلى امتداد خريطة بؤسنا !
وانطلاقا من هذه الرهانات النوعية والكبيرة التي تنتظرنا كمواطنين وجمعيات ونقابات وأحزاب، من الضروري العمل على تصليب جبهة الدفاع عن البيئة بتيزنيت، كدينامية ترافعية واحتجاجية، عبر تدشين مرحلة جديدة تستدعي استيعاب كون أي خطأ لا تحتمله اللحظة، وأنه من العادي والطبيعي جداً أن تعترض أي تشبيك أو جبهة أعطاب تنظيمية ، وذلك بسبب غياب تراكمات و تقاليد في العمل المشترك بين حساسيات متباينة المرجعية والقناعات، وهناك أطراف كثيرة يزعجها أشكال الاشتغال التشبيكي الجبهوي المدني في قضايا اجتماعية، لأن نجاحنا في رهان إسقاط مشروع المحطة الحرارية ستكون له امتدادات قوية وناجعة في ملفات اجتماعية أخرى.. وهنا يكمن اختبار ذكاؤنا الجماعي ومدى قدرتنا على استثمار هذا الذكاء نحو اجتهاد مدني ديمقراطي واعي بسؤال “لماذا نحن هنا في الجبهة؟”.. الجواب بكل بساطة أنه لامكان لهذا المشروع في تيزنيت، وبيئتنا ليست سلعة، و”تيزنيت ماشي للبيع”! لهذا على كل مكونات الجبهة أن تنكب على تحيين وتحديد وإعلان مكوناتها للرأي العام، وت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق