الوجه الخبيث ل«مافيا» تهريب الأدوية الفاسدة

وقال ضابط الأمن، الذي قاد عملية التتبع لفك خيوط الشبكة، ل«المساء» إن عيّنات من الأدوية والمواد المحجوزة جرى إرسالها إلى المختبر العلمي للشرطة للتعرف على مكوناتها وآثارها على الصحة، في انتظار تقرير مفصل عن كل دواء ومكوناته، إضافة إلى مشروبات تروج إشهاراتِها كثيرُ من الفضائيات على أساس أنها تزيد من جرعات «الفحولة».. ويوجد ضمن الأدوية المحجوزة دواء عبارة عن شراب مستخلص من الأعشاب كتب عليه أنه «أنتج في برشيد»، دون تحديد عنوان المختبر أو تحديد مكان صناعته، الأمر الذي أثار فضولنا وجعلنا نعرّج نحو عاصمة «ولادْ حْريز»، حيث قادنا صديق إلى أكثر من 10 محلات زارتها «المساء»، وقد حوّلها أصحابها إلى «صيدليات» قائمة بذاتها.. ففي محل تجاري واحد في حي السلام، تباع «ساشية» دواء رينوميسين للمصابين بالزكام ب3 دراهم، إضافة إلى الأسبيرين، الباراسيتامول، كلارادول، سيكرام، أموكسلين، أوراسلين، دوليبران، أسبيجيك، أنالفا، والحقن والمراهم الخاصة بالعيون وأدوية أخرى ومستلزمات طبية كثيرة..
بعيدا عن المحلات التجارية، التي اعتاد سكان برشيد شراء الأدوية منها، نظرا إلى ارتفاع أثمنة الأدوية في الصيدليات، كانت الوجهة إلى أطراف مدينة برشيد، وحي كربلاء الجديد، تفيد المعلومات التي حصلت عليها «المساء» أن مختبرات سرية لصناعة الأدوية في برشيد يقف وراءها مسؤول سبق طرده من مختبر أدوية معروف في الدار البيضاء، كان إلى وقت قصير مسؤولا عن توزيع الأدوية على المصحات الخاصة والصيادلة في مدن مختلفة في المملكة، وبعد طرده اقتنى شقتين ضمن مشروع سكنيّ جديد ليحوّل أحدَهما إلى مخزن للأدوية المُهرَّبة أو الصالحة التي يحصل عليها «بطريقته الخاصة» من مختبرات ربط مع مسؤوليها علاقات كبيرة، إضافة إلى شقة أخرى أصبح يصنع فيها «سيرُو» معروف بفتحه للشهية ويلقى إقبالا غير مسبوق في كل من الدار البيضاء وبرشيد.
وحتى تكتمل تفاصيل الصورة وكشف النقاب عن المد الذي يقوده مجهولون لإغراق أماكن معينة بأدوية مُهرَّبة، غيّرْنا الوجهة نحو سوق «الجميعة» في الدار البيضاء، الذي أصبح قبلة لزبناء من نوع خاص لا يطلبون «قاعْقلّة وبْسيبيسة».. بل أصبحوا مُدمني وصفات خاصة، منها دواء «ماكسمان»، المهرَّب من إسبانيا، والذي يُستعمَل كمحلول ينضاف إلى «البابونج» بعد غليه في الماء، لتنضاف إليه «حبة العزيز» ليعطيّ وصفة خاصة بالرجال «الأشدّاء»..
يلهث بعض «العشابة» وراء مهرّبي أدوية مبتدئين، ما أتاح لصحافيّ «لمساء» فرصة انتحال صفة مهرّب مختص في العقاقير الجنسية.. وبعد حوار «مشوّق»، اطمئنّ أحد «العشابة» الذي استقر طلبه على دواء «ماكسمان» بسعر 40 درهما عن كل علبة مهرّبة، إضافة إلى دواء «fortecortin»، الذي تبقى أهم آثاره الجانبية الزيادة في الوزن، والذي يُخلَط، بدوره، مع عدة أعشاب ب«الجميعة»، أهمها «الكثيرة».
وبعيدا عن «العشابة» ودكاكين برشيد، التي تحولت إلى «صيدليات» تبيّنَ أن كل الخيوط التي تتبعتها «المساء» تشير إلى أن ترويج الأدوية والمعدّات الطبية المغشوشة والمزيفة مصدره المنطقة الشمالية عبر سبتة ومليلية المحتلتين، إضافة إلى منطقة الزويرات في موريتانيا. وحسب مسؤول سابق في أحد مختبرات صناعة الأدوية، فحتى مادة الأوكسجين، التي تستعمل لأغراض طبية في وحدات الإنعاش والعناية الفائقة وأثناء العمليات الجراحية وأمراض الجهاز التنفسي، على وجه الخصوص، أصبحت بعض المصحات الخاصة تُقبل عليها، دون اكتراث للمعايير والمواصفات الطبية والعلمية والجودة المطلوبة لضمان أمن وصحة المرضى.
وقال رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة ل«المساء» إن ظاهرة المُعدّات الطبية المزيفة والمغشوشة هي من الأشياء المسكوت عنها، والتي تعرف رواجا واسعا على المستوى الوطني، إما عبر صناعة محلية مزيفة أو عبر استيرادها من الخارج، ويتم استعمالها داخل المستشفيات والمراكز الصحية والمصحات الخاصة لكونها تظل بعيدة عن المراقبة والترصد. كما أن الأغلبية الساحقة من المهنيين لا يعيرون أي اهتمام لجودة وسلامة هذه المعدات واللوازم الطبية، رغم أنها شكلت، في أكثر من حالة، سببا رئيسيا في ارتكاب أخطاء مهنية أثناء العمليات الجراحية أو انتقال العدوى والتعفنات داخل المستشفيات والمصحات الخاصة.
مختبرات سرية لإنتاج أدوية وتزوير أخرى، ومخازن لأدوية منتهية الصلاحية، وشبكات دولية لإغراق المغرب بأدوية مهرّبة، ومبحوث عنهم حُررت في حقهم مذكرات وطنية ودولية، ورجال أمن ما زالوا ينتظرون انتدابا من شركة اتصالات، وتقرير من مختبر الشرطة العلمية لفك خيوط لغز اعتقال ملتحٍ وامرأة حُجزت لديهما أدوية صنعت في برشيد، و«عشابة» توصلوا إلى آخر وصفات «التساخينة» بإضافة دواء «ماكسمان» المهرّب من إسبانيا إلى أعشاب غريبة، ودكاين تحوّلت إلى صيدليات تبيع عشرات الأدوية بوصفات كتبت باللغة الصينية أو الإسبانية دون مراقبة.. كيف أصبحت لوبيات التهريب تتفنن في بيع أدوية ومستحضرات تجميل فاسدة قادمة من خارج الوطن؟ وكيف تحولت شقق في برشيد إلى مختبرات سرية؟ وكيف تخلى «عشابة» سوق «الجميعة» في الدار البيضاء عن «بسيبيسة و«قاعقلة» لتحل محلها وصفات بأدوية صيدلية مخلوطة بالأعشاب لعلاج العجز الجنسيّ وأمراض أخرى؟

«المساء» تتعقب خيوط تهريب الأدوية وتستمع إلى رواية الأمن

ظهرت خيوط الكشف عن شبكة وطنية لتهريب الأدوية والعقاقير الجنسية في إطار عملية التتبع والمراقبة التي باشرت
ها عناصر الفرقة المتنقلة للأبحاث والتدخلات، التابعة للمصلحة الولائية للشرطة القضائية، حين قادتهم التحقيقات إلى سوق «كراج علال»، الشهير في الدار البيضاء، حيث ضبطت امرأة لم تتجاوز عقدها الرابع وفي حوزتها أدوية مختلفة تحمل جلها كتابات باللغة الصينية٬ كما كتبت البيانات الداخلية لبعضها باللغة الإسبانية.
حُجزت لدى المرأة -التي صرحت أمام عناصر الأمن بأنها لا تعرف القراءة أو الكتابة، واكتفت بالبصم على محضرها القانونيّ- 50 علبة تضمّ أدوية عبارة عن أقراص ومواد أخرى تقدّم على أنها من الطب التقليدي أو لمعالجة أمراض الكليّ وتعرَض في عدد من أسواق الدار البيضاء.
حسب ما عاينت «المساء» حين لقائها ضابط الأمن الذي قاد عملية التتبع لفكّ خيوط الشبكة، يوجد ضمن الأدوية المحجوزة دواء عبارة عن شراب مُستخلَص من الأعشاب كتب عليه أنه أنتج في برشيد، دون تحديد عنوان المختبر أو تحديد مكان صناعته.
وقال ضابط أمن ل»المساء» إن عيّنات من الأدوية والمواد المحجوزة جرى إرسالها إلى المختبر العلمي للشرطة للتعرف على مكوناتها وآثارها على الصحة، في انتظار تقرير مفصل عن كل دواء ومكوناته، إضافة إلى مشروبات تروّج إشهاراتِها الكثيرُ من الفضائيات، على أساس أنها تزيد من جرعات «الفحولة»..
الأدوية التي تنتظر دورها في مختبر الشرطة التقنية والعلمية معروفة في سوق التهريب، كما عاينت ذلك «المساء»، ومنها «fortecortin»، الذي تبقى أهم آثاره الجانبية الزيادة في الوزن، ما يجعل عددا من «العشابة» يخلطونه مع عشبة معروفة باسم «الكثيرة»، وتقبل عليه فتيات مهووسات بالجسد المكتنز وأشياء أخرى..
وحسب تقرير سابق للشرطة العلمية التي تسلمت المحجوز، فإن «فورتاكورتين» هو دواء للحقن، وهو مستحضر كورتيكوستيرويدي، «فعال وقويّ التأثير ومفعوله متعدد الجوانب، وجرعته المناسبة يجب أن تحدد بواسطة الطبيب المعالج»، كما أشار التقرير إلى أن الدواء الذي يروج بثمن بخس في الأسواق ليس نفسه الموجود في الصيدليات، بل إنه مُهرَّب من إسبانيا عبر مليلية المحتلة، وخلص التقرير إلى أن الدواء المحجوز قد انتهت صلاحيته منذ سنة!..
وكشف التقرير نفسه أن الدواء يشكل خطرا كبيرا أثناء الحمل أو بالنسبة إلى السيدات المحتمل تعرّضهن للحمل، إذ يحتاج إلى موازنة بين المنافع المتوقعة للدواء مقابل أي أضرار قد تحدث للأم أو الجنين في المرحلة المبكرة أو للجنين في المرحلة المتأخرة. كما سيتعرّض مواليد الأمهات اللاتي تلقين جرعات كبيرة من «الكورتيكوستيرويدات» أثناء الحمل لنقص نشاط بعض الغدد.
وقال ضابط أمن في الشرطة الولائية لأمن أنفا الدار البيضاء ل«المساء» إن ضحايا الأدوية المهربة لا يمكنهم التبليغ عن إصابتهم بأضرار جانبية أو تعرّضهم لتسممات جراء اقتناء أعشاب مخلوطة بأدوية مهرّبة، أو تعاطي أدوية مزورة، مشيرا إلى أن المتهمة «ف. و»، والتي كانت تعيش من تهريب المواد الغذائية الاسبانية، التقت امرأة أخرى في تطوان كانت تسلمها أكياسا صرحت بأنها لم تعرف ما في داخلها، وكانت بدورها تسلمها إلى مجموعة من «العشابة» في سوق «الجميعة» في الدار البيضاء.
ومن بين الأدوية المحجوزة، التي أصبحت تُتداوَل أيضا بشكل ملفت للنظر دواء «max man»، الذي كُتب على وصفته باللغة الإسبانية، إنه مجموعة من الأعشاب التي اختيرت بعناية بعد سنوات من البحث والدراسة «لتقوية وتعزيز القدرة والرغبة الجنسية وتأخير القذف»، إضافة إلى أنه «يساعد على زيادة ضخّ الدم في أنسجة العضو الذكريّ، مما يؤدي إلى أقوى درجات الانتصاب، حيث إن هناك نسبة 20 إلى 30 % من الرجال لا يحصلون على الانتصاب الكامل الطبيعي فيفقدون جزءا من هذا الحجم أثناء العملية الجنسية.
وجدت «المساء» أن دواء «ماكسمان» يخلط ببعض الأعشاب، حسب تقرير أمنيّ سابق، ليباع بأزيدَ من 600 درهم للكيس الواحد. وحسب «عشاب» معروف في سوق «الجميعة» فإن الدواء يشترى من المزودين ب150 درهما للعلبة الواحدة، ويمكن أن يخلط مع أعشاب ليعطيّ 20 كيسا يدّعي أصحابها أنها عشبة هندية تمنح القدرة على الانتصاب في أي وقت يشاء متناولها خلال ال168 ساعة، كما تعطي الشعور بالقوة والثقة في النفس، وتطول فترة الجماع دون الحاجة إلى استخدام أي شيء، ما جعل اللاهثين وراء هذه العشبة، التي أطلق عليها «العشابة» اسم «القاصْحة»، بالمئات رغم ندرتها في السوق أو بيعها سرا للزبناء «المخلصين» فقط.
وتبقى الحلقة المفقودة لدى رجال الأمن الذين التقتهم «المساء» لكشف لغز المزود الرئيسي لعدد من المدن بالأدوية والعقاقير الجنسية، امرأة لم يَجر كشف هويتها، رغم توفر أمن الدار البيضاء على رقم هاتفها المحمول، حيث ينتظر الكل انتدابا من شركة اتصالات هاتفية، قصد التصنت على هاتفها ورصد مكانها وعلاقاتها ومصدر الأدوية التي «أغرقت» بها أسواق شعبية في الدار البيضاء ومدن أخرى.
لم يستطع رجال الأمن انتزاع أقوال يمكن أن تكشف الوجه الآخر للمتاجرين في الأدوية المهرّبة من شمال المملكة وشرقها إلى الدار البيضاء، فحتى الاستماع إلى «ع. ن.»، الملتحي الذي لم تتجاوز دراسته الشهادة الابتدائية، والذي ضبطت في حوزته عقاقير مهيّجة أهمها دواء يسمى «ملك النمور»، وهو مهيّج تروّج له أكثر من فضائية، إذ يتجاوز ثمنه 500 درهم، غير أن الملتحيَّ استطاع أن يحصل على نسخ مقلدة له يبيعها بأقلّ من 50 درهما ل«عشابة» يضيفون «لمستهم» الخاصة على الدواء بعد خلطه بأعشاب خاصة.
أطباء سوق «الجْميعة»
في سوق «الجْميعة»، المت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق