من سيكون ضحية شد الحبل بين وزارة التربية الوطنية والإدارة التربوية؟

المديرين في السلكين الابتدائي والثانوي قد أعلنتا، عبر بيان مشترك، ما سمي قرارات نضالية، من بينها مقاطعة الوزارة من خلال مقاطعة كل اللجن التي ستوفدها هذه لمعاينة مدى تطبيق سياستها. وبكل حياد، وبعيدا عن كل ما من شأنه أن يُعتبَر ميلا أو انحيازا إلى هذا الطرف أو ذاك أو انتصارا أو خذلانا له، يفرض الواجب التربويّ التفكير في الطرف الضحية في عملية شد الحبل بين الوزارة والإدارة التربوية للمؤسسات التعليمية. فالطرف الضحية هو المتعلم، الذي لولاه لم يكن معنى لهذه الوزارة ولكل من وما له علاقة بها.
وقد تكون الوزارة مجحفة في حق الإدارة التربوية وهاضمة لحقوقها، بشكل أو بآخر، وقد تكون الإدارة التربوية محقة كل الحق في مطالبها أو عكس ذلك، ولكنْ ما ذنب الطرف الضحية بين الوزارة والإدارة التربية، مهْمَا كانت الجهة المجحفة؟ ومن المعلوم أن المتعلم لا يمكنه أن ينال حقه من التعلم إلا إذا كانت كل الأطراف المسؤولة عنه تؤدي واجبها على الوجه المطلوب ولا تضيع من حقه شيئا. وكل تعليق أو تأخير لمهام هذه الأطراف يعني، في النهاية، دفع المتعلم الثمن باهظا، مع أنه لا يتحمل مسؤولية إجحاف الوزارة في حق الإدارة التربوية ولا تمرد هذه الأخيرة عليها، ولا ناقة له ولا جمل في الصراع المحتدم بينهما..
واليوم، اجتمع المفتش العام التربوي -عبر شاشات الأكاديميات- مع هيئة التفتيش، ممثلة في المفتشين المكلفين بالتنسيق الإقليمي، ودعاهم إلى عقد لقاءات على مستوى النيابات من أجل تكوين لجن متابعة عملية الدخول المدرسي وسير الدراسة. وقد تكون الوزارة بهذا القرار قد أرادت الإيقاع بين جهاز المراقبة التربوية وبين الإدارة التربوية، خصوصا بعدما أعلنت هذه الأخير اعتزامها مقاطعة كل لجن أطر المراقبة. فمقابل تحدي الإدارة التربوية للوزارة عمدت هذه الأخيرة إلى تحدٍّ مماثل. والأمر الذي لا يعرفه الطرفان معا، سواء الإدارة التربوية أو الوزارة الوصية، هو أن جهاز المراقبة هو جهاز لحماية المنظومة التربوية ولحماية المتعلم، وهو جهاز كان وما يزال يجعل على رأس مطالبه المشروعة مطلب الاستقلالية، على غرار استقلالية القضاء، حيث لا يمكن لجهة من الجهات أن تحلم -مجرّدَ الحلم- بركوبه أو تسخيره بشكل من الأشكال.
ويصدر جهاز المراقبة التربوية في قراراته عن إرادة مستقلة، قوامها قناعته بأنه مسؤول عن حراسة المنظومة التربوية ولا يعنيه -من بعيد ولا من قريب- ما قد ينشب من خلاف بين الوزارة ومختلف موظفيها، على اختلاف فئاتهم. ولا يسمح جهاز المراقبة لجهة من الجهات، مَهْما كانت، أن توظفه لصالحها. فجهاز المراقبة سيقوم بواجبه بما يمليه الضمير المهنيّ والمسؤولية من أجل المتعلم، الذي هو في حكم المقدس بالنسبة إلى جهاز المراقبة. وأداء جهاز المراقبة مهامَّه، المضبوطة بنصوص تشريعية وتنظيمية، لا يمكن أن تفسره جهة من الجهات على أنه لصالحها أو ضدها، فهو ليس مع أحد ولا ضد أحد، بل هو مع المتعلم، يحرص على مصلحته ويجعلها فوق كل اعتبار.
ومهْما كان قرار الوزارة مع الإدارة التربوية التي ستنفذ قرارها بمقاطعة لجن المراقبة، المكونة من أطر المراقبة التربوية، فإن ذلك لا يعني هيئة المراقبة التربوية من بعيد ولا من قريب، كما أنه لا يعنيها في شيء، لأنها ستؤدي واجبها ليس من أجل إخبار الوزارة إن الإدارة التربوية تقاطعها أو لا تقاطعها، تنفذ قرارتها أو لا تنفذها، بل لتراقب هل المتعلم ينال قسطه من التعلم في ظروف مناسبة، وما هي العراقيل التي تحول دون حصوله على حقه المشروع، بغضّ النظر عن الجهة التي تقف وراء هذه العراقيل، سواء كانت الوزارة الوصية نفسها أو شركاؤها. ويقف جهاز المراقبة على مسافة واحدة بين الوزارة والإدارة التربوية، وهي مسافة تتحكم فيها مصلحة المتعلمين بالدرجة الأولى.
ويُكنّ جهاز المراقبة كل احترام وتقدير للوزارة وللإدارة التربوية، على حد سواء، ولكل من تربطه علاقة بالمنظومة التربوية، مهْما كان دوره في خدمتها، وتقييمها للأطراف الساهرة على المنظومة التربوية إنما يرتكز على مدى ثبوت الحرص على صيانة مصلحة المتعلمين. وكل من سيسيء فهم موقف المراقبة التربوية سيتحمل مسؤولية سوء فهمه، لأنها عبارة عن جهاز مستقل كما هي قناعتها الراسخة، رغم من أن الوزارة ما زالت تتلكأ في الإقرار باستقلاليتها. وستتأكد الوزارة، مع مرور الزمن، كما تأكدت من قبل، أن مطلب الاستقلالية الذي تتشبث به الهيئة ليس مجردَ نزوة أو امتياز، بل هو ضرورة مُلحّة من أجل أن يؤدي جهاز المراقبة دوره على الوجه المطلوب وبحيادية وموضوعية وتجرد لا يراعي فيها سوى أمر واحد هو مصلحة المتعلمين. كما أن الهيئة ستظل كما -كانت دائما- بعيدة كل البعد عن كل أشكال المساومة والابتزاز، مَهما كان مصدرها، وهي لا تخاف في القيام بواجبها سوى الله عز وجل وضميرَها المهني ولا تخاف، بعد ذلك، لومة لائم .
مفتش ممتاز لمادة اللغة العربية في التعليم الثانوي -نيابة جرادة -أكاديمية الجهة الشرقية

نشر في المساء يوم 28 – 11 – 2012

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق