الموجات الإذاعية.. سقوط مفهوم السيادة الإعلامية

كلما هبّ النسيم أو الريح.. في هذا التحقيق سنكشف بعضا من الأسرار التي تخفيها ملايين الموجات الصوتية التي نتحرّك وسطها دون أن نشعر أنها تحمل ملاين المعلومات عبارة عن أصوات وصور، وأسرار دولة أحيانا أخرى.. كما أنّ تشويش على الإذاعات الوطنية أو عدم التقاطها يعتبر طعنا في السيادة الإعلامية للبلد على ترابه.

سوق التردّدات
لا شك أن كثيرا من الناس لا يعرفون أنّ هناك سوقا عالمية تباع فيها الذبذبات الصوتية أو ما يدعى علميا طالترددات»، ويتم تقنين هذا السوق من طرف الاتحاد الدولي للاتصالات، الذي يشرف على تنظيم الترددات التي تمتد خارج الحدود الجغرافية، حيث يتم الأخذ بعين الاعتبار البيئة الدولة، التي تنظَّم بموجب نظام الاتصالات الراديوية للاتحاد هذا النظام، الذي يعتبر بمثابة ميثاق دولي سبق أن انضمّ إليه المغرب، حيث يقوم هذا النظام على توزيع النطاقات الترددية بين مختلف خدمات الاتصالات الراديوية. وتتولى المؤتمرات الدولية للاتصالات الراديوية مراجعة هذا النظام كل ثلاث أو أربع سنوات..
وفي المغرب تتولى الوكال الوطنية لتقنين الاتصالات تنظيم وتقنين قطاع المواصلات، بما في ذلك التردّدات الإذاعية. وتعتبر الوكالة مؤسسة عمومية تم إحداثها بموجب القانون رقم 96 -24 المتعلق بالبريد والمواصلات. وقد أوكل القانون المذكور مهاما ذات طابع قانوني واقتصادي وتقني من أجل ضمان قواعد المنافسة داخل أسواق المواصلات من خلال تدبير الموارد النادرة التابعة للمِلك العام للدولة. ففي سنة 2010، وفي إطار عمليات التنسيق الدولي للترددات، قامت الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات بدراسة ومعالجة ما يفوق 1800 طلب صادرة عن الاتحاد الدولي للاتصلات، يشمل نظم الخدمات الأرضية والفضائية.

طيف التردّدات
يقول خبراء المجال إن طيف الترددات يسمح بتوفير جميع خدمات الاتصال الهرتزية، بما في ذلك البث الإذاعي والبث الإذاعي المتنقل والتردد المرتفع وجميع الخدمات عبر القمر الصناعي، وكذا خدمات السلامة العمومية.. ويتزايد حجم استعمالات طيف الترددات كلما تزايدت التكنولوجيات الجديدة واستعمالاتها، ويتمثل أحد التحديات الرئيسية التي يجب على المقننين رفعها، حسب الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات، هو إيجاد طيف الترددات للجيل المقبل من خدمات البث الإذاعي والخدمات الهرتزية.
السيادة الإعلامية
كثيرا ما يثار مفهوم السيادة الإعلامية، وهو مصطلح يراد من خلاله تأكيد أن البلد موضوع الحديث يملك سيادة إعلامية على مجموع ترابه من خلال ضمان بث قوي وصافٍ لجميع وسائل الإعلام الوطنية، الإذاعية منها والتلفزيونية، بما فيها المناطق الحدودية التي كثيرا ما تعرف خللا كبيرا في هذا الصدد، حيث يعرف المغرب ما يمكن اعتباره انتهاكا لسيادته الإعلامية في المناطق الجنوبية الشرقية بدخول مجموعة من الإذاعات التابعة لجبهة البوليساريو على خط الموجات المحلية، التي غالبا ما تعاني من ضعف قوة الدفع، خاصة الموجات القصية والمتوسطة، في حين تعتمد هذه الإذاعات التي تحظى بدعم لوجستيكيّ جزائري بالبث على الموجات الطويلة.. كما تعاني المناطق الشمالية من هذا المشكل، حيث يتم التقاط الإذاعات الإسبانية. ويتكرر السيناريو نفسه في الجنوب الغربي بسبب وجود محطات إذاعية تبث على مستوى جزيرة لاس بالماس، وهو ما يؤثر في بعض الأحيان على الإذاعات المحلية.
نهاية السيادة الإعلامية
يبدو أنه مفهوم السيادة الإعلامية لم يعد له، حسب العديد من الباحثين، اعتبارٌ في ظل التطور التكنولوجيّ الحديث، إذ غزت القنوات الفضائية كل البيوت، إضافة إلى الشبكة العنكبوتية، التي تحوّلت إلى «طرق سيارة» عملاقة، تتدفق منها المفاهيم والمعلومات والأخبار وأصبحت السيادة الإعلامية على الرقعة الجغرافية للبلد القطري تنحصر بشكل كبير، خاصة أمام «الهجرة» الكبيرة للمُشاهد نحو قنوات أخرى، وهو ما آثر -حسب العديد من المتبعين- على مستوى الإقبال على الإنتاج الإعلامي الوطني، فضلا على تجاوز الأمر إلى القضايا الدينية، خاصة الفتاوى العابرة للقارات، ما أصبح يهدد وحدة المذهب وغيرها من المفاهيم الدينية الأخرى.

المعركة القادمة
يتوقع مجموعة من الفاعلين والعارفين بالإشكالات التقنية للذبذبات الإذاعية أن تكون هناك منافسة شديدة على سوق الموجات الإذاعية عندما سيتم إطلاق الجيل الثالث من الإذاعات الخاصة، ما سيخلق ازدحاما على مستوى «أحواض الاستماع»، التي تعرف أصلا تزاحما، مما سيفرض على الوكالة الوطنية لتقنين الاتصال تحدّيا كبيرا من أجل الحفاظ على الفروق التقنية التي يجب توفرها بين كل موجة وأخرى. كما أنّ هذا الطلب المتزايد قد يؤدي إلى تراجع في جودة الاستماع إلى بعض المحطات الإذاعية، كما سيفرض عليها اعتماد تجهيزات متطورة من أجل توفير أجهزة الدفع الأرضية التي تمكنها من تقديم خدمة استماع جيدة لزبنائها من المُستمعين.
الخدمة الرقمية
لجأت بعض المحطات الإذاعية الخاصة، منذ انطلاق بثها، إلى استعمال البث عبر «الساتل»، أي القمر الصناعي، وهذه الخدمة تكلف -حسب بعض المعطيات التي حصلت عليها «المساء»- مبلغ 18 ألف درهم للشهر الواحد.. وهو ما يضمن لهذه المحطات الإذاعية حوض استماع أوسع قد يمتدّ إلى خارج الوطن، كما يضمن نقاءَ الصوت وجودة البث، مَهْما كانت الظروف المناخية وكيفما كان موقع جهاز الاستقبال، وهي إذاعات لا يتجاوز عددها ثلاث إذاعات، فيما لا تزال بقية المحطات تعتمد على أجهزة الدفع التي ي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق