” با دريس ” قيدوم فناني تيزنيت : مسار فني رائع ممزوج بمرارة و حزن كبيرين

الشخصية التي سأتناولها في هذا المقال/البورتريه،تنتمي الى عالم الفن، فن الموسيقى تحديدا،من أوائل العازفين – إن لم يكن أولهم- على آلة الكمان في تيزنيت،في وقت لم يكن فيه فنانو المدينة يعزفون إلا على آلتي الرباب او لوتار،او الآلات الإيقاعية،،الشخصية تدعى ادريس عارف ، المشهور في تيزنيت ب “المعلم ادريس”.

ولد الفنان ادريس عارف بمراكش سنة 1938من أب ينحدر من سوس،ماسة تحديدا،هناك قضى طفولته،بعد تسع سنوات قضاها في مسقط رأسه مراكش، انتقلت الاسرة الى تيزنيت،التحق بمدرسة للامريم بساحة المشور،لكنه لم يتم تعليمه لظروف اجتماعية،بعدها اقامت الاسرة في ماسة ثم اگادير،هناك التحق بالمعهد الموسيقي التابع للشبيبة و الرياضة بتالبورجت،هناك أخذ المبادئ والدروس الأولى في الموسيقى على يد أساتذة أجانب(فرنسيين)،تواجده في المعهد لم يدم طويلا،و سرعان ما عاد الى تيزنيت،حيث عمل في محل لإصلاح الدراجات في محل بسوق سي بلعيد،غير أن المهنة لم ترقه،فتحول الى المهنة التي أحبها، وطالما تمنى أن يمتهنها،و هي النجارة،،كان منذ صغره فنانا بالفطرة،كان منذ طفولته يتفنن في تحويل القطع الخشبية الى أدوات و ألعاب و آلات موسيقية،يجعلها كذلك بكثير من المهارة و الدقة،،كما كان مولعا بسماع الموسيقى،خاصة الموسيقى الشرقية، يطرب كثيرا لسماع أغاني المطربين الكبار خاصة محمد عبدالوهاب، و فريد الأطرش، كما أحب الأغنية المغربية العصرية،خاصة أغاني محمد فويتح،و المعطي بنقاسم،و المزگلدي ،،الأغنية الأمازيغية كانت هي الأخرى حاضرة في اهتماماته الموسيقية،يحب كثيرا سماع أغاني الرواد،خاصة الرايس الحاج بلعيد،و الرايس عمر واهروش،،في منتصف الخمسينات تأسس أول جوق موسيقي عصري بتيزنيت على يد الفنان الكبير الراحل الگرگوري المستخدم حينها بالقصر الخليفي، كان مغنيا و عازفا ماهرا على آلة العود،،فالتحق ادريس عارف بهذا الجوق عازفا على الكمان، الآلة التي كان الوحيد الذي يعزف عليها وقتها،و التي تعلمها بجهد و صبر كبيرين،كان فنانا عصاميا،اعتمد على نفسه و على حسه الفني في تطوير قدراته الموسيقية،،من ضمن العازفين في هذا الجوق الموسيقي الى جانب،المؤسس الگرگوري (العود)ادريس عارف(الكمان)،عبدالله أمزال،بوهزة،عثمان صويري،بلعيد لغول،طيب هروم،براهيم اشتوك في العزف على الآلات الايقاعية ، و عبداللطيف(فاتح الصويري ) المكلف بالتسيير و الإدارة والعلاقات ،،تأسست المجموعة في مقر المقاطعة بساحة المشور(العمالة سابقا)،،كان تأسيس هذا الجوق العصري في ذلك الوقت حدثا فنيا كبيرا،في منطقة تعتبر القلب النابض ،لأغاني الروايس،وأحواش،،كان الجوق يؤدي باقتدار و كفاءة كبيرة،الاغنية الطربية الشرقية،خاصة أغاني فريد الأطرش،و محمد عبد الوهاب، وأم كلثوم،كما تؤدي الأغاني المغربية العصرية والشعبية،خاصةاغاني حميد الزاهر،الحسين السلاوي،الشيخ العگربي و محمد حمزة من تونس،،كما أدى الجوق أغاني الروايس(الحاج بلعيد و عمر واهروش).كان الجوق محل تقدير و إعجاب ساكنة تيزنيت و المناطق المجاورة،خاصة من طرف الأسرالميسورة،التي تستدعي الجوق لتنشيط أفراحها من أعراس و عقيقة،،كما كان الجوق يشارك باستمرار في تنشيط احتفالات عيد العرش(3 مارس)،وأعياد الشباب(9يوليوز) خاصة في ساحة المشور،،استمر إشعاع هذا الجوق طيلة الخمسينات و الستينات و بداية السبعينات،غير أن أداء المجموعة بدأ في التراجع، مع ظهور موجة المجموعات الغنائية المتأثرة بناس الغيوان و جيل جيلالة و ازنزارن،،هناك عامل آخر لأفول نجم الجوق و هو تقدم أعمار افراده،و التزاماتهم المهنية،،و مع مطلع الثمانينات اختفى الجوق او كاد من الساحة الفنية،غير أن انطلاق برنامج سباق المدن التلفزيوني سنة 1987 والذي كانت ترعاه التلفزة المغربية،و بإشراف مباشر من الداخلية (في عهد ادريس البصري) ودخول تيزنيت في دائرة التنافس في مواجهة سيدي قاسم، جعل المسؤولين على تدبير شؤون المدينة،يفكرون في احياء الجوق من جديد، فشرعوا في البحث عن أعضاء الفرقة، فكانت الحصيلة،ضم الفنان الگرگوري،و ادريس عارف،و إبراهيم كوتي الى الجوق الوطني، لأداء ألأغاني التي شاركت بها المدينة، وتعذر تجميع باقي الأعضاء،لرحيل بعضهم،وانتقال آخرين الى أماكن أخرى..و شارك الجوق بأغنية “زين بنت بلادي”٠ بعد تجربة سباق المدن،عاد الجوق الى سباته العميق خاصة بعد رحيل اغلب افراده الى دار البقاء،،و شكلت وفاة مؤسسه الفنان الگرگوري نقطة النهاية لمسار حافل من العطاء الفني الراقي و الجميل..كان الفنان ادريس عارف يحدثني عن هذا المسار الفني الرائع بكثير من الفخر و الاعتزاز، لكنه فخر ممزوج بكثير من المرارة و الحزن، على مدينة و ساكنة،تنكرت لرموزها الفنية،و لم تقابل تضحياتهم و ابداعاتهم الفنية الراقية،بما تستحقه من التكريم و الاعتراف.. الفنان وعازف الكمان و العود ادريس عارف” لمعلم دريس” مسار حافل من العطاء،من الموسيقى الراقية كلمات و ألحانا وأداء،، هذا الفنان العصامي الكبير مازال يعمل في محله الكائن بزنقة الراميقي،يعمل كلما اسعفته يداه و مزاجه على صنع بعض التحف الخشبية، خاصة بعض السفن الشراعية التي يتفنن في صنعها، وبيعها لعشاق التحف ،،كما تعزف أنامله على آلة العود،و الكمان ألحانا من ذاك الزمن الجميل..

بقلم حسن إدحجي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق