استقالات الأطباء وضعف الخدمات يُنزفان خصر “الصحة” بتزنيت

رشيد بيجيكن من تزنيت

كانت وفاة الطفل أحمد، ذي الأربع سنوات، على إثر رحلة علاج بسبب عضة كلب بحي القدس في مدينة تزنيت، منتصف شهر يناير من السنة الجارية، السبب في اندلاع الشرارة الأولى وموجة غضب واسعة لساكنة المدينة والمناطق القروية التابعة للإقليم، لوضع الخدمات الصحية تحت مجهر التشريح.

هيئات مدنية وحقوقية التأمت ضمن تنسيقيات للدفاع عن الخدمات الاجتماعية بالمدينة ولجان شعبية، وخاضت احتجاجات ورافعت ودافعت واعتصمت من أجل التنبيه إلى ما يشهده قطاع الصحة على مستوى إقليم تزنيت من واقع، أجمع الكثير من الفاعلين محلّيا على دخوله غرفة العناية المركّزة.

نزيف المغادرة

توالت استقالات الأطر الطبية بمستشفى الحسن الأول بتزنيت وإحالة البعض منها على التقاعد، فكان قسم الولادة أكبر المتضرّرين من الخصاص في الأطباء.

عمر الحمري، عن “اللجنة الشعبية المؤقتة لمتابعة الوضع الصحي” بالمستشفى الإقليمي لتزنيت، وصف هذا القسم بالنقطة السوداء بالمؤسسة الاستشفائية، و”الذي أصبح يتوفر على طبيب واحد، يضاعف من عمله وجهده خدمة للنساء الحوامل خصوصا والمرضى عموما”؛ وهو الذي أقدم على الاحتجاج على الإرهاق الذي أصابه أمام إدارة المستشفى، الأسبوع الماضي.

تفجُّر قضايا الواقع الصحي بإقليم تزنيت يعزوه عمر الحمري إلى “وفاة الطفل أحمد، إثر تعرضه لعضة كلب ضال، وتم نقله إلى المستشفى الإقليمي، وفي غياب تدخل من نوع خاص، وانعدام الأمصال، تم توجيهه إلى المستشفى الجهوي بآكادير، ومنه إلى الدار البيضاء، إلى أن وافته المنية”، مضيفا أن “الواقعة المؤلمة أخرجت بعض الإطارات للتنديد بهذا الوضع الكارثي، الذي أصبح عليه المستشفى الإقليمي، وفي غياب الآذان الصاغية، تراجعت هذه الإطارات واكتفت بالصمت”.

وأمام استمرار الوضع على ما هو عليه، وتفاقمه بعد واقع الاستقالات المتزايدة للأطر العاملة بالمستشفى، قال المتحدّث إن “الساكنة خرجت للاحتجاج على هذا الواقع، وخاضوا اعتصاما أمام المستشفى لمدة يومين، ووعيا منهم بضرورة الاستمرار في النضال، تكتلوا وأطلقوا على أنفسهم اسم ‘اللجنة الشعبية المؤقتة المتابعة للوضع الصحي بالمستشفى الإقليمي’، التي دقت أبواب المسؤولين والمنتخبين والأحزاب، من أجل تحميلهم المسؤولية في الترافع والتدخل في قضية المستشفى”.

ومن جهته، أورد محمد بوطعام، الإعلامي المتتبع للشأن المحلي في إقليم تزنيت، أن المستشفى الإقليمي لتزنيت يشهد توافد ساكنة حتى من الأقاليم المجاورة كسيدي إفني وكلميم، “وبسماع كلمة المستشفى الإقليمي، نستحضر في أذهاننا مؤسسة صحية بتجهيزات وموارد بشرية كافية، إلا أنه يعيش تردّيا وأوضاعا مقلقة؛ وهو ما يؤثر على الخدمة الصحية المُقدّمة وعلى العاملين به، بالنظر إلى الكم الهائل من المرضى الذين يقصدونه كل يوم”.

ومن أوجه التردي الذي تعرفه المؤسسة سالفة الذكر، أضاف بوطعام أن طبيبا واحدا بمصلحة الولادة، بالرغم من الاستعجالية التي ترافق الحالات التي تفِد عليها، “لا يمكن أن يستمر في أداء مهمته بشكل متواصل أمام حجم تلك الحالات، والنتيجة سقوط ضحايا من النساء كحالة نعيمة”.

وفي التخصصات الأخرى، قال المتحدث إن استفادة عدد من الأطباء من التقاعد واستقالة بعضهم، دون تعويضهم، “جعل مرضى المسالك البولية وتصفية الدم والعظام والمفاصل وغيرها من التخصصات يضعون أيديهم على قلوبهم، لتربّص الموت بهم في كل لحظة”.

نقص في الأدوية

من المشاكل الأخرى التي أضحت تُثار بشكل جليّ في مستشفى تزنيت، يذكر محمد بوطعام النقص الحاد في الأدوية، حيث “نستغرب من إتلاف أنواع من الأدوية منتهية الصلاحية، يتم إغراق المستشفى بها، في حين أن تلك المُستهلكة بكثرة تشهد نقصا حادّا، مما ينبغي معه إعادة النظر في مجال تزويد المستشفى بهذه الأنواع من الأدوية”، بالإضافة إلى تعطل جهاز السكانير وغياب متخصص تقني في المجال، وضرب مواعيد بعيدة المدى للمرضى، نتيجة “كارثة” المورد البشرية، التي لن تُنجح مشروع المستشفى المحلي المزمع تشييده بتافراوت، مع استمرار نزيف الأطر الصحية، يورد المتحدّت”.

“أنفكو” تزنيت

في ظل تردّي الخدمات الصحّية بمستشفى تزنيت، الذي يُعتبر الخصاص في الموارد البشرية إحدى سماته، لم تنأى المناطق القروية النائية الواقعة بنفوذ إقليم تزنيت عن انتقاد الساكنة المحلية لهذه الخدمة الاجتماعية العمومية.

وقد اختارت هسبريس الجماعة الترابية “آيت أحمد”، إحدى القرى الجبلية النائية، حيث أورد الفاعل الجمعوي أحمد أولحاج، ضمن تصريحه لهسبريس، أنه “من حيث التشخيص، هناك عدة نواقص ما زالت تقف حجر عثرة أمام سيرورة تجويد الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين بالمناطق النائية بالوسط القروي؛ فـ”الوضع بالمركز الصحي الجماعي بأربعاء آيت احمد، الذي بالرغم من توفّره على طبيب وممرضين ومولدة ودار ولادة، “فإن جودة الخدمات التي يقدمها تظل محدودة الفعالية”، يقول أحمد أولحاج، حيث يرى أن “أغلبية المواطنين يقطنون بعيدا عن المركز أحيانا بأزيد من 20 كلم، كما هو الحال بقرى تيمزكو أو ‘أنفكو إقليم تيزنيت’، كما يسميها بعض المسؤولين، حتى ولو وصلوا إلى المركز الصحي، فهم يصطدمون بمحدودية الخدمات والتشخيصات الأولية السطحية، ومحضوض من يظفر ببضع حبات مهدنات، ووثيقة قائمة الأدوية، تستلزم هي الأخرى معاناة قطع 30 كلم إضافية إلى مركز آنزي حيث توجد الصيدلية”.

توجّس من الصحة العمومية

تضطر الحالات المرضية المُستعجلة والنساء الحوامل إلى قطع أزيد من 70 كيلومترا للوصول إلى المستشفى الإقليمي بتزنيت، أو الجهوي أكادير؛ غير أن المخاوف من عدم الولوج إلى الخدمة الصحية في وقتها مع ما قد يترتّب عن ذلك من مخاطر ومضاعفات صحّية.

الفاعل الجمعوي أحمد أولحاج يقول إن “أن هناك ما يمكن أن أعتبره ضعف الثقة لدى الساكنة في المراكز الصحية العمومية، حيث إنه بمجرد ما يقترب موعد الوضع تنتقل المرأة الحامل في اتجاه بيت أحد أفراد عائلتها بالمدن، إلى أن يحين الوضع وتتحسن حالتها”، والسبب بحسبه راجع إلى “الخوف من حدوث الأسوء لبعد المسافة وعدم ضمان الوصول إلى المستشفى في الوقت المناسب”.

قاعات علاج مُخرّبة

بفعل البعد وحالة الطرق التي تزداد تردّيا في الفترات المطيرة، أُحدثت منذ سنوات قاعات للعلاج بكل من دواري “أنمس” و”آيت وديرن” بجماعة آيت احمد، كان الغرض من إنشائها أن تكون بنية تحتية لتقديم خدمات صحية عن قرب مرة في الأسبوع على الأقل، يقول أحمد أولحاج، “لكن واقعها اليوم يبعث على الشفقة، فهاتان البنايتان امتدت إليهما أيادي التخريب على مر الزمان وأصبحت اليوم ملاذا تعشعش فيها الطيور، ولا شيء آخر غير ذلك؛ فالمعلومات التي توفرت لدينا تشير إلى أن هذا النوع من المرافق لم يدخل بعد ضمن الخريطة الصحية لإقليم تيزنيت، نظرا لغياب الموارد البشرية”، وخلص المتحدّث إلى أن “الحقوق الصحية لأناس هذه المناطق المهمشة ضاعت في معظمها”.

مندوبة الصحة لا تُجيب

كل مشاكل قطاع الصحة بإقليم تزنيت، التي جاءت على لسان من تحدّثنا إليهم، نقلتها هسبريس إلى لمياء شاكيري، مندوبة وزارة الصحة، التي وعدت بطلب ترخيص من المديرية الجهوية للصحة بسوس ماسة من أجل تقديم تصريح صحافي في الموضوع، حيث عاودنا الاتصال بها، حيث أخبرتنا عبر رسالة قصيرة بأنها في اجتماع. وحاولنا، بعد ساعات، أخذ رأيها في القضايا المثارة في الموضوع؛ غير أن هاتفها ظل بدون مُجيب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق