متحف النيازك بأكادير .. كعبة الحالمين بالثراء من “فلتات السماء

هسبريس

مضت سنة كاملة على افتتاح المتحف الجامعي للنيازك بأكادير؛ وهو المتحف الفريد من نوعه في شمال إفريقيا، حسب مهتمين.

يضم المتحف ما يزيد عن 100 قطعة نيزك موزعة على 10 مجموعات، وأغلب النيازك عبارة عن قطع نيزكية سقطت بالمغرب، وتحمل أسماء الأماكن التي جرى العثور عليها بها، كنيزك أوسرد، ونيزك تيسينت، ونيزك أمكالا، ونيزك زكورة، ونيزك الزاك، ونيازك أخرى تحمل اسم نيازك شمال شرق إفريقيا، نظرا لعدم توفر المعلومات عن مكان وتاريخ سقوطها. كما يتوفر المتحف أيضا على نيازك دولية من مصر وأوروبا ومن روسيا، وغيرها من البلدان.

متحف علمي

يشرف على تسيير هذا المتحف العلمي ثلة من الدكاترة المنتمين إلى كلية العلوم بجامعة ابن زهر، أغلبهم من شعبة الجيولوجيا.

يستقبل المتحف زيارات مفتوحة، وأخرى مؤَطّرَة يستفيد منها تلاميذ المدارس والطلبة والجمعيات التي ترغب في التعرف على عوالم النيازك والأحجار القادمة من السماء؛ فيخوّل لهم المتحف زيارات منظمة خلال 3 أنصاف يوم في الأسبوع، ينشطها مختصون في الجيولوجيا والنيازك، يُكَيّفون خطابهم العلمي، حسب الفئة التي تزور المتحف، أطفال صغار أو تلاميذ يملكون معارف جيولوجية بسيطة أو طلبة متخصصين.

تبدأ الزيارة بعرض شريط في قاعة خاصة تابعة للمتحف، حيث يتعرف الزائر بفضل الشريط الوثائقي على أهم المعلومات حول النيازك وأصنافها ومصادرها وقيمتها العلمية وغير ذلك من المعلومات التي تنمي الوعي العلمي للزائر بخصوص هذه الأحجار باهظة الثمن.

وينتقل الزائر نحو القاعة المخصصة لعرض ما يزيد عن 100 نيزك أغلبها من المغرب، كما أن هناك نيازك من بلدان أخرى. وفي هذا الصدد، نذكر أن آخر نيزك استقبله هذا المتحف الجامعي هو نيزك سقط في روسيا، ويحمل اسم تشيليابينس Tcheliabinsk ؛ وهو جزء صغير من نيزك سقط بمدينة روسية سنة 2013، وخلف سقوطه وقتها أزيد من 1500 جريح، كما تسبب في تكسير واجهات زجاجية وخسائر مادية أخرى.

القيمة العلمية للنيازك

“تعتمد النازا الأمريكية وليزا الأوربية وجاكسا اليابانية وكل مختبرات الأبحاث على النيازك لدراسة كل ما يتعلق بالمجموعة الشمسية”، يقول الخبير عبد الرحمان إيبهي في حديثه لهسبريس الإلكترونية، ثم يضيف: “لا يمكن دراسة المجموعة الشمسية دون دراسة هذه النيازك؛ لأنه، باستثناء القمر الذي جلبت منه أمريكا وروسيا بعض العينات (قرابة 300 كيلوغرام)، باقي الكواكب لا يمكن دراسة تركيبتها دون الاستعانة بهذه الأحجار الذي تسقط بين الحين والآخر، خاصة المختبرات المتخصصة في دراسة الحياة خارج الأرض Exobiologie”.

ثم يُردف صاحب كتاب “النيازك.. لآليء الصحراء” متحدثا عن أهمية هذه النيازك المعروضة في المتحف الجامعي للنيازك بأكادير: “يوجد في هذا المتحف نيزك كربوني سقط في منطقة أوسرد، يوم 20 ماي 2012 على الساعة الـ23 و45 دقيقة. وبعد أن أنجز مختبر بكلية العلوم دراسة عن هذا النيزك المهم، تبين أنه يتوفر على مواد حيوية، فاتصل بنا مختبر ألماني يرغب في الحصول على عينة من هذا النيزك، ونحن الآن في مرحلة التفاوض بخصوص الأمر.. فليس لدينا مشكل من الناحية العلمية أن نسلمهم قطعة من النيزك؛ لكن نناقش الأمر كي تستفيد الجامعة في الأمر، والبحث العلمي المغربي عموما”.

وجوابا عن المصادر التي حصل منها المتحف الجامعي للنيازك عن كل تلك العينات التي يعرضها أمام الزوار الذين تجاوز عددهم 3000 شخص خلال سنة، قال الأستاذ الجامعي إيبهي: “أولا، فمختبر البلورات والنيازك التابع لابن زهر لديه معدات وطلبة تساعد على العثور على النيازك، خاصة أن أول شهادة دكتوراه في موضوع النيازك نوقشت بالمغرب كانت بكلية علوم ابن زهر، ثم إن لدينا شبكة وعلاقات جيدة مع الرحّل الذين يخبروننا بمكان سقوط نيازك، فيسهلون علينا المأمورية؛ وهو ما يتيح لنا الحصول على نيازك كثيرة. كما أن مختبرنا والمتحف يقدم خدمة مجانية للرحل والتجار الذين يعثرون على نيازك، إذ نجري خبرة عن هذه الأحجار، ونخبر أصحابها بأن الأمر يتعلق بنيزك أو لا، وعدد كبير من الذين عثروا على نيازك كانوا يهدون المتحف عينات من النيازك، فرحا بعثورهم على نيازك حقيقية وعرفانا بالخدمة التي نقدمها لهم”.

ثم يُضيف إيبهي، الذي يرأس هذا المتحف الأول من نوعه في شمال إفريقيا، بأن “باحثين من أوروبا ساعدونا أيضا، ولدينا عينات من مصر ومن روسيا قمنا بمبادلتها بعينات مغربية، دون أن ننسى أننا قمنا بشراء بعض القطع القليلة بما توفر لدينا من إمكانيات ومساعدة جهات كثيرة”.

أثمنة النيازك

يُقر خبير النيازك عبد الرحمان ايبهي، في حديثه لهسبريس، بأن تجارة النيازك تجارة غير عادلة وعشوائية، فهي تتم في الغالب بين رحّل لم يلجوا المدرسة يوما، أو بين ذوي تعليم مُتدن وخبراء يديرون معاهد ومختبرات علمية. ومن ثمّ، فالطرف الذي يرغب في البيع لا يعرف الثمن الحقيقي للسلعة التي يعرضها، وينبهر في الغالب بالثمن الذي يتلقاه في أول وهلة. وقد حكى لي أحد طلبتي أنه أعطى بعض النيازك لباحث أجنبي مقابل دراجة نارية وآلة تصوير رقمية، وجاء إلي مفتخرا بغنيمته من عملية البيع هاته”.

وبخصوص القيمة الحقيقية لهذه النيازك، يقول إيبهي إن “هناك نيازك عادية تباع بـ2000 درهم للكيلوغرام الواحد، يمكن أن نقول بأنها نيازك غير مهمة؛ لأنها سقطت على الأرض منذ سنوات طويلة، ولم يُعثر عليها إلا بعد أن فقدت قيمتها العلمية، وتشَرّبت الأكسجين والماء، وأصبحت خصائصها أثناء دراستها تقريبا مثل صخور الأرض. وهناك نيازك لا تقدر بثمن، مثل الجَمال الأخضر؛ وهو نيزك مصدره كوكب عطارد، يباع بثمن غال جدا؛ لأن هذا الكوكب قريب جدا من الشمس، ويستحيل أن يزوره الإنسان، لأنه سيتعرض للاحتراق، كما ستتعرض مركباته الفضائية للذوبان. ومن ثمّ، فالحصول على حجر من هذا الكوكب يعد بقيمة علمية ومالية كبيرة جدا. كما أن هناك نيزكا آخر غالي الثمن يدعى الجَمال الأسود، وهو حجر من المريخ؛ لكن الرحل الذين يعثرون على النيازك يقبلون بالثمن الذين يعرض عليهم من لدن الوسطاء أو من لدن الباحثين الأجانب، لأنهم لا يعرفون القيمة العلمية للحجر، كما أن الثمن الذي يقدم لهم يكون كبيرا مقارنة بمستواهم المعيشي”.

قصص ثراء

تصادفت زيارة هسبريس لهذا المتحف الجامعي مع زيارة شخصين، أحدهما من السمارة وآخر من الداخلة، يقصدان المتحف للقاء المسؤولين عنه بهدف الاستفسار عن عينات تم العثور عليها.

يفحصها الدكتور ايبهي باللمس، ويضع بعضها في مكبر إلكتروني، ثم يخبر أحدهما بأن كل عيناته عبارة عن أحجار عادية لا علاقة لها بالنيازك، فيما يخبر الآخر بعد أن فحص عيناته أن أحجاره من النيازك العادية التي سقطت منذ مدة طويلة جدا وفقدت خصائصها الحقيقية.

وبعد انصرافهما وهما يحملنا صخورهما في أكياس صغيرة أكد عبد الرحمان ايبهي، خبير النيازك، أن “كلية العلوم ابن زهر أصبحت قبلة لأشخاص يأتون من مناطق كثيرة للاستعلام حول نوعية الأحجار التي يعثرون عليها في الصحاري الجنوبية والجبال، وأن هناك متخصصين في البحث”.

وزاد المتحدث نفسه بأن “استشارتنا تبقى علمية فقط؛ لكن هناك من يبيع ما يعثر عليه بعد أن نخبره بأهمية الحجر، بثمن خيالي. وأعرف شخصا اشترى فنادق بعد عثوره على نيزك غالي الثمن وانتقل بضربة حظ من الفقر المدقع نحو الثراء الفاحش؛ لكن الذي يهمنا باعتبارنا باحثين هو الجانب العلمي في القصة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق