صياغة 'النقرة' حرفة 'الكفاف والعفاف' تحتضر بسبب الأزمة الاقتصادية

ببلدة سيدي المختار الرابضة على الطريق بين مراكش وصوب الصويرة.
لمين، الملقب ب”عشور”، هو شاب ثلاثيني، ترعرع في بلدة بني السباع وتتلمذ على أيادي صناع تقليديين اكتسب منهم غير قليل من الكفاءة والقدرة على ابتكار الجديد في مجال الصياغة، لكن حاله تغير وأصبح يكابر أكثر من ذي قبل لكسب قوته، وقد ارتفعت أسعار “النقرة” بشكل صاروخي ضنت به عليه وأمثاله بالربح.
وبعدما كان سائدا قبل 15 سنة، أن الغرام الواحد من النقرة يباع ب1 واحد، فقد تغير الأمر كثيرا، ووفق “لمين” فإن 1 الكلغ الواحد من النقرة، ومنذ نحو سنة، أصبح يعادل 10 آلاف درهم، بعدما استقر سعره ابتداء من سنة 2002 في 6 آلاف درهم، مما يستوجب مزج “أشابات” المعدن والنحاس مع “النقرة” حفظا على استقرار الحرفة وعدم التخلي عنها بين عشية وضحاها.
“السوق لا يرحم وصياغة حلي النقرة لم تعد مربحة.. إننا نكابر في حرفة تحتضر بسبب الأسعار”، قال لمين، الذي كانت أصابعه تسبك خيوطا من الفضة بالكاد أذابها.
كان يجلس القرفصاء داخل محله الضيق والمشارف على ساقية ماء نضبت، بينما كان صفير الريح يسمع خارجا.
العمل على صياغة حلية واحدة يتطلب نحو أربع ساعات، بسبب الدقة التي يتطلبها الأمر، وعامل الوقت هو ما يجني على حرفة لمين الذي لا يستخلص ربحا منها غير دريهمات فقط، “الوسطاء وباعة المجوهرات هم من يربحون كثيرا من هذه الحرفة أما الصناع فليس لهم غير الصبر” أفاد لمين ثم صمت طويلا وقد حول انتباهه إلى حلي كانت متناثرة على طاولة صغيرة تتوسط المحل.
في هذه الأثناء، كان لمين يعكف على صياغة أقراط طلبتها تعاونية بمدينة الصويرة، وراح يشرح كيف أن كل 800 غرام من النقرة يمزجها ب200 غرام أخرى مناصفة بين النحاس الأحمر (70 درهم ل1 كلغ) والمعدن (150 درهم ل1 كلغ)، حتى يصبح بإمكانه الحصول على 1 كلغ من النقرة بعيار 800 الذي يعتبر أدنى ما قد تقبله إدارة الجمارك في عملية مصادقتها على جودتها وطبعها ضمانا لذلك.
ويطبع الصاغة كل غرام نقرة ب0,3 درهما عن كل غرام واحد، على أنهم قد يتحملون ذعائر في حال مخالفتهم معايير الجودة المسنونة لدى الجمركيين.
ويعمد الجمركيين المغاربة إلى طبع النقرة بطوابع تختلفبين رؤوس الماعز أو الأسود وخلافهم، على النقيض من النقرة القادمة من تركيا والتي تحمل طابعا رقميا هو 925 بما يفيد توفرها على أشابات تقف دون 75 غراما في كل 1 كلغ.
ولما لم تعد حال لمين بخير في حرفة لا يجيد غيرها فقد استعاض عن شراء النقرة التي تستخرج خاما من منجم وارزازات، وتصدر إلى الخارج لتعود للمغرب معدنا خالصا (استعاض) بالسعي وراء الحلي الفضية القديمة المعروفة لدى الحرفيين ب”الشظايا” لإعادة تذويبها من جديد وصياغتها على شكل سبائك “الفيليكرام” وهي التقنية التي تظل مطلوبة من قبل السياح على أن الصاغة المغاربة تشبعوا بهكذا تقنية من الحرفيين اليهود الذين كانوا يستوطنون مدينة موغادور في الغابر من التاريخ.

خالد ماهر نشر في لكم يوم 22 – 12 – 2012

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق