ابن خلدون أول من وضع خارطة إصلاح التعليم بالمغرب

وهذا ما دفع بعدد من العلماء الأوروبيين الى ترجمة أعمال الأطباء والعلماء المغاربة ومحاولة الاستفادة منها، في أوروبا، وكمثال بسيط على ذلك، فإن جامعة القرويين لعبت دورا كبيرا في انتشار العلوم والأرقام العربية إلى ربوع أوروبا… في هذا الخاص نتوقف لنلقي الضوء على أبرز مفاخر المغرب المنسية التي قد لا يعرف عنها الجيل الحالي أي شيء تقريبا..
إن الحاجة إلى إصلاح التعليم لا تنقضي بابتكار نظرية أو مجموعة نظريات تجدد ممارسة التعليم وتقوم عناصره، وهذا ما التفت إليه ابن خلدون في مقدمته حين ربط بين التعليم ووظيفته في المجتمع، فإذا كان العمران يتطور والمجتمع يتطور فلا بد أن تتطور حاجاته وأن يتطور القصد من التعليم كذلك، لقد تجاوز ابن خلدون عصره حين دعا إلى إصلاح التعليم، وحين وضع قواعد عملية للانخراط في الإصلاح المطلوب بما يتماشى مع حاجيات عصره.
لقد شخص ابن خلدون وضعية التعليم في زمنه ووضع يده على مكامن الخلل فيه كمقدمة لإصلاحه وتجاوز عثراته، ونستطيع القول أن مشروع إصلاح التعليم عند ابن خلدون يتضمن محورين هامين يركز الأول على توصيف مظاهر خلل منظومة التربية والتعليم، وينص الثاني على الحلول العملية لتجاوز أزمة التعليم بالمغرب الإسلامي.
خلل التعليم عند ابن خلدون
على عكس الرأي الذي ساد في زمن ابن خلدون والأزمنة التي سبقته، فإن المنظومات التعليمية أضرت بالتعليم أكثر مما أفادته ومرد ذلك إلى أنها كانت تختصر العلوم اختصارا مخلا بالمعاني، علاوة على إضرارها بذائقة الطلبة الفنية، وابن خلدون نفسه يشير إلى أنه كان ضحية هذه المنظومات وأن الشعر كان يحتبس عليه كلما أراد الشروع في نظم القصائد، لانصراف ذهنه إلى أسلوب المنظومات التقريري الخالي من التصوير الفني والشعري، ثم إن هذه المنظومات عادة ما كانت تلخص غايات العلوم عوض تقريب مبادئها لصغار المتعلمين
يقول ابن خلدون: «وسلبيات هذا الصنف من المقررات التعليمية الذي وضع للحفظ، أنه يخل بالبلاغة ويعسر على الفهم، إضافة إلى سوء برمجته في بعض الأسلاك التعليمية، وهو فساد في التعليم، وفيه إخلال بالتحصيل وذلك لأن فيه تخليطا على المبتدئ، بإلقاء الغايات من العلم عليه وهو لم يستعد لقبولها بعد، وهو من سوء التعليم… ثم فيه مع ذلك شغل كبير على المتعلم بتتبع ألفاظ الاختصار العويصة للفهم بتراجم المعاني عليها، وصعوبة استخراج المسائل من بينها».
ولم يكن الذين يمتهنون مهنة التدريس في زمن ابن خلدون من خريجي مدارس تختص بإعداد المعلمين وتكوينهم وتدريسهم على طرائق التدريس وأساليبه، وعادة ما كان الذين يتوجهون نحو التعليم من الطلبة الذين يختلف أسلوبهم في التربية والتعليم باختلاف المعارف التي تلقوها في مراحل طلبهم للعلم، وتختلف طرائقهم باختلاف أمزجتهم واجتهادهم في إلقاء الدروس وتربية تلامذتهم ومريديهم، وعلى الجملة لم يكن هناك منهج يلزم المربي أو المعلم باتباع أسلوب موحد في التدريس، غير أن معظم المدارس كانت تجمع على اتباع أسلوب التلقين المباشر الذي يقصي المتعلم عادة ويحوله إلى عنصر مستقبل للمعرفة ليس من حقه التفاعل معها ولا إنتاجها، وإضافة إلى التلقين فقد راهنت المدرسة المغربية في تلك الفترة على الحشو ومراكمة المعلومات والمعارف لتمرير قيم المجتمع وعلومه التي لم يكن بعضها منسجما مع آليتي التلقين والحشو.
يقول ابن خلدون: «كثير من المعلمين لهذا العهد يجهلون طرق التعليم وإفاداته، ويحضرون للمتعلم في أول تعليمه المسائل المقفلة من العلم ويطالبونه بإحضار ذهنه في حلها، ويحسبون ذلك مرانا على التعليم وصوابا فيه، ويكلفونه رعي ذلك وتحصيله ويخلطون عليه بما يلقون له من غايات الفنون في مبادئها، وقبل أن يستعد لفهمها».
آفة الهدر المدرسي

صحيح أن ابن خلدون حين تحدث عن الهدر المدرسي ميز بين نوعين من الهدر، أحدهما ينتج عن خلل في عملية التعليم ويحول دون وصول المعلومة للطالب، والثاني يفضي إليه انقطاع المتعلم عن الدرس كليا، ولكنه شدد على خطورة الثاني دون الأول فكل خلل في منظومة التعليم قابل للإصلاح متى توفرت الإرادة، غير أن الانقطاع عن التعليم لا سبيل لتدارك أخطاره إلا بتجنب الأسباب المفضية إليه قبل حدوثه، كما أن الهدر الذي يحدث بسبب نقص في كفاءة المعلم أو بسبب تعقيد موضوعات التعلم أو بسبب فتور همة المتعلم، مقدور على معالجة أسبابه، وأما الانقطاع عن المدرسة فمرده عادة إلى فساد أحوال الصبية واعتقادهم أن مرحلة التعلم ماهي إلا مرحلة قهر وعنف وعسف سرعان ما يتخلصون منها حين تواتيهم القدرة، يقول ابن خلدون: «عادة ما يعرض للولد في جنون الصبى من الآفات والقواطع عن العلم فإذا تجاوز البلوغ وانحل من ربقة القهر، فربما عصفت به رياح الشبيبة فألقته بساحل البطالة».
كما أشار ابن خلدون إلى نقطة هامة كانت سببا في هدر طاقة المتعلمين والمعلمين معا، وهي الخلط في تحديد أولويات التعليم وتقديم الوسائل على الغايات، وقد ضرب أمثلة عديدة لتركيز المعلمين على وسائل العلوم وانصرافهم عن لبها، ومن تلك الأمثلة ما أورده عند حديثه عن المصطلحات التي يتغير مبناها على اختلاف العصور والأمصار وتدل على معنى واحد، فقد لاحظ ابن خلدون أن المدرسة المغربية كانت ترهق طلبتها باستيعاب كل تلك الاصطلاحات دون فائدة تذكر فتفوت عليهم فرصة التوسع في باقي الفنون والمعارف وتغرقهم في جزئيات لا طائل من وراء الإحاطة بها، مادامت تؤدي معنى واحدا، ومثل ذلك الإق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق