عجائب الدنيا الجديدة: الأحياء الموتى (2)

وقد قام بها هذا الخبير لتشخيص الحالة الاقتصادية والاجتماعية ومعيقات التنمية عندنا، والتي يعرفها الصغير قبل الكبير، يعول المسؤولون كثيرا على نتائج هذه الدراسة لوضع مخططات للإقلاع الاقتصادي والاجتماعي وحتى السياسي.
أما الصحافيون فمنهم من عبر عن سخطه عن الشخص لأنه لن يقدم جديدا، وكان من باب أولى اختيار ابن البلد لأنه سيكون أحرص على مصالح البلاد والعباد، أما المعجبون بخبرة “جورج” فإنهم ينتظروه وكأنه المهدي المنتظر الذي سينزل بالوحي من السماء.
هاهو “جورج” يتقدم وسط عشرة من الحراس الشخصيين، يتحرك تحت تصفيقات الصحافيين المعجبين به وحتى الناقمين. بلكنة غير فصيحة تكلم “جورج”:
-” صباح الخير ، إني مسرور اليوم بما توصلت إليه في دراستي من نتائج، تعلمون أن موضوع هذه الدراسة  هو مجتمعكم المتخلف، عفوا السائر في طريق النمو، فمن خلال مقارنة بسيطة بينكم وبين باقي الدول من طينتكم، وجدت أنكم تعانون نفس الأمراض، وإمكانياتكم جميعا في الاستمرار والامتداد ضعيفة جدا، لذا فسأعرض عليكم مباشرة أهم مقترحاتي التي ضمنتها في آخر التقرير، والبداية مع عامل الوقت، فقد اكتشفت أن الحرص على الوقت غير حاضر في معيشكم اليومي: قطاراتكم، اجتماعاتكم، لقاءاتكم لايحكمها الوقت، فلا داعي لاقتناء الساعات اليدوية وحملها، بل احذفوها من كل الأجهزة وعيشوا خارج الزمن حتى لاتنزعجوا من ذكر الوقت.
بالنسبة لوزاراتكم ومؤسساتكم فهي كثيرة جدا تستنزف دراهمكم المعدودات، سيكون من الأفضل أن تعيدوا تنظيمها بدمج الوزارات والمؤسسات المتجانسة، مثلا وزارة تربية المواشي والتربية والتعليم والصناعة، وزارة الصحة العقلية والأمن الروحي والمالي والرياضي والفن، كما أنه وبالنظر إلى الميزانية الضئيلة التي ترصدونها للبحث العلمي، أرى أنه لاحاجة لكم به، وخصصوا ميزانيته لدعم مهرجانات الرقص والغناء وسنوفد اليكم أحسن الفرق الفنية عندنا، وهذا سيمكنكم من إنعاش السياحة لامحالة أي الزيادة في العملة الصعبة، وقد وجدنا لكم موردا آخر لجلبها، لاتتعجلوا معشر الصحافيين، سأكمل، قلت ستبيعون أدمغتكم العبقرية سنفتح لكم قنوات خاصة للهجرة المنظمة والانتقائية وأرسلوا لنا أحسن الموهوبين والعباقرة وسيشكل ذلك بالنسبة لكم استثمارا على المدى البعيد.
أيضا لاحظنا أنه رغم أن بلداننا تدعمكم لمحاربة الأمراض ولادماج النساء في التنمية، فلم نلمس تحسنا ملحوظا فالأمراض مازالت تنخر أجسادكم ومجتمعاتكم لازالت ذكورية قُحَّة، لذا أقترح أن ننقل مصانعنا عندكم، مادامت أجسامكم قد انتهى تاريخ صلاحيتها، أم النساء فأقترح أن تشرعوا في وأد الذكور، وتبادل الأدوار بين الرجال والنساء، ليقعد الذكر في البيت وتخرج فقط النساء للعمل.
أخيرا، اكتشفت أن لكم دينا بأخلاق رائعة لكنها مهجورة أبدعتم في نسج القصص حولها، ولكم ترسانة من القوانين لكنها كالفزاعات تخيفون بها ضعافكم وتجاملون بها كباركم. والعجب العجاب أنه مع هذا كلِّه ورغم أنكم تسبحون ضد عقارب الساعة فعجلتكم تدور وهذا ما جعلني أوقن أن هناك قدرة قادر ترعاكم. قبل أن أنهي كلماتي أعلن لكم أنه بعد حفل العشاء الذي خصصتموه لي من 9 إلى 11 ليلا، سنخصص 10 دقائق لمناقشة قضاياكم المصيرية وشكرا.
صفق الجميع، وتسابقوا لأخذ صور تذكارية مع الخبير “جورج” ثم هرولوا من جديد وتحلقوا حول موائد الطعام المزينة.

بقلم مصطفى باحدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق