العنوسة …!!

العنوسة

مفهوم العنوسة .. هل تغير هذا المفهوم مع التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي عرفها المجتمع؟

على الرغم من التغيرات التي عرفتها البنية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في المجتمعات العربية، الا أن قضية تأخر الزواج التي يشهدها العالم العربي لازالت غير مقبولة من المجتمع، فقد تتزايداً حالات متعددة لشباب وشابات تجازوا سن الأربعين دون زواج؛ باعتبار أن قرار الزواج لا يرتبط بعمر أو سن محدد، وإنما يعتمد على أسباب وقناعات وظروف شخصية، وذلك لا يعني تجاوز أو تجاهل نظرة المجتمع وثقافته التي لم تألف أو تتقبل تأخر الزواج إلى ما بعد سن الأربعين… 
لكن الأمر الغير مقبول هو مدى ظلم المجتمعات العربية في الحكم بالتميز السلبي حيث حين يتعلق الامر بالذكور يسمى التأخير في الزواج عزوفا، وعندما تكون فيها حالة التأخير من الاناث تسمى عنوسة، مع ان أغلب حالات التأخير تخضع لأمور منطقية متعلقة بواقعهما الاجتماعي او خيارتهما الشخصية، لماذا يفهم من الشاب أنه عازف عن الزواج ،أما الشابة معزوف عنها، مع أنه لا توجد فتاة مهما كثر قبحها أو قل جمالها ولم يتعلق بها رجل …
ولنقاش الموضوع في تفاصيله، ولان التظلم لحق الاناث، اخترنا استجواب بعض الشابات اللواتي تجاوزن الأربعين سنة، دون أن يتزوجن، مع أنهن يتميزن بالجمال والرقي والمستوى الدراسي العالي، ومن هن بعض الأطر العليا وهن جد مرتاحات في هذا الخيار…
لن أتزوج من أجل إرضاء المجتمع…
تقول ياسمين 41 سنة إطار عالي بمؤسسة بنكية، ان من تفكر في الزواج من أجل الزواج أو إرضاء للناس ،تكون جانية في حق نفسها، لان من تنكب على التفكير في الزواج وأنها ولدت فقط لتنتظر زوجا، تعيش حالة من الشجون والتناقضات، فالمرأة كائن انساني خلق ليعيش، الزواج جزء من جزئيات الحياة وليس الحياة كلها، أنا شخصيا جعلت الدراسة والبحث عن وظيفة مريحة أهم أولوياتي، ومسالة تأخير الزواج لا علاقة له بقبح ولا بجمال ولا تعلم ولا جهل هي مسالة إرادة وتفاهم بين الطرفين او حتى عدم قناعتهما به ،أنا أظن أغلب اللواتي لم يتزوجن لم يجدن فقط من يقنعها بنوع الزواج الذي تفكر هي فيه ،ربما لأنها في وضعية مريحة من تلك التي سوف تنتقل اليها، ماعدا ان كانت تريد أن تعيش على تمثيلة اسمها الزواج أمام الناس، وهذا ما لم أوافق عليه شخصيا باعتبار أن الزواج مؤسسة يجب ان تبنى على ركائز متينة وليس لعبة قمار…
لا تهمني نظرة الناس فالأمر أصبح متجاوزا…
تضيف عائشة 40 سنة مهندسة دولة، أن تأخرها في الزواج منحها الفرصة لتطوير ذاتها وشغلها منصبا مهما بإحدى الإدارات العمومية، وهذا من وجهة نظرها أفضل من العيش في قوقعة الخوف والقلق من العنوسة؛ لأن الخوف من العنوسة ونظرة المجتمع أمر متجاوز، كان عهد اماهتنا، حيث لازلن لم يستفدن من فرص التعليم و العمل ، بل لم يعد يؤثر في اختيارات الفتيات اللواتي يتسرعن القبول بأي خاطب خوفاً من العنوسة، فما يهم الفتيات اليوم وأسرهن هو الارتباط الناجح والزوج المناسب، وليس الزواج لمجرد الزواج، خصوصاً مع رؤيتهن للكثير من التجارب الفاشلة التي يكون سببها الزواج المبكر أو عدم التكأفىء بين الطرفين؛ لهذا يفترض من الفتاة كلما تأخرت في الزواج أن يكون هذا التأخر لصالحها من حيث التأني في التفكير واتخاذ القرار المناسب.
التفكير في الزواج لمجرد الامومة خطأ من وجهة نظري…
تنتقد بشدة الدكتورة ليلى طبيبة بمستشفى عمومي 42 سنة، من يسرون على تزويج الاناث من اجل الامومة مضيفة على أن أغلب النساء التقليديات، ينصحن بناتهن للزواج بعبارات «المهم هو ديري وليداتك…» لم افهم مع من «غادي دير وليداتها»؟ مع من كان؟
يؤسفني انه في مجتمعي بل في محيطي العائلي تشاع هذه الثقافة الخاطئة والفاشلة ،حيث يكون فيها الضحايا هما الأطفال ،لان الفتاة التي تقبل زوجا غير صالح ،بمنطق انه يجعل منها أداة انجاب ،لتحقق رغبة الاهل والمجتمع في أن تكون أم ،في غياب و وعي تام ،عن معنى المفهوم الحقيقي للأسرة التي تحتاج لأبوين إثنين، لا يغيب دور أحدها ما إن غيبته الموت ، فمن ترغب في تحقيق رغبة الامومة عليها أن ترشح لها زوج يفهم معنى الابوة ، والابوة تحتاج لرجل يتسم بالمسؤولية اتجاه بيته وأبنائه ويعي فعلا بحق المسؤولية الملقاة على عاتقه ، بالله عليكم من تفكر في الزواج من رجل بحجة الامومة ،طلق مرتين ،وأهمل اسرتين ،يقضي يومه وليله في الحانات والخمور ،ولا يعرف من المعاملة النسائية غير العنف، ماذا ينتظر منه؟ ان الأبناء المهملين مصيرهم التشرد، وان لم تجد المرأة من يحتضنها، فالمجتمع والاسرة اللذين دفعوها الى مثل هذا النوع من الزواج، سوف يتكرون لها مباشرة بعد فشله، ولذالك فحجة الامومة في الزواج مرفوضة في منطقي الخاص، والزواج عليه أن يستجيب للأهداف معقولة، فان لم يكن مؤسسة متكاملة مبني على أسس واقعية أهمها الاحترام والحب والتفاهم المتبادل، فلا فائدة منه، ولا اظن أن تأخير زواج أغلب النساء لم يخضع لمعادلات صائبة لان لولا حساباتهن الواقعية لتسرعن في إحدى المحاولات الغير مقنعة…
وترى الدكتورة والباحثة الاجتماعية عائشة التاج على أن مفهوم العنوسة هو مفهوم قدحي ويعكس ثقافة ذكورية من النوع الرديء ترتكز على اعتبار المرأة شيئا يتماهى مع أبسط المنتوجات الزراعية التي «تبور»، بمعنى أنها تنقضي دورتها البيولوجية، وتصبح غير قابلة للاستهلاك، ومن ثمة نجد عبارة «بايرة» تستعمل في الدارجة المغربية وهي مشتقة من كلمة «بوار» أي فائتة الاستهلاك، ولعل اختزال المرأة لهذا المستوى البيولوجي الضيق هو تحقير للكائن البشري الذي جبله الله على الكرامة ،وبالتالي فنحن في المغرب، واحتراما لكرامة النساء عندما نتكلم عن تأخير سن الزواج ،وهذا التأخير تتسم به الزيجات المعاصرة ،يعني بين الجنسين ذكورا واناثا وله أسبابه الموضوعية تتعلق بالتأخير في انهاء الدراسة ،وانخراط الفتاة في سوق الشغل ،وارتفاع سقف معايير اختيار الشريك وتغيير القيم الاجتماعية ومعها الأعراف التقليدية وبالتالي تغيير السلوكات الاجتماعية، فممن شك أن «مركز» المرأة الاجتماعي عرف تحولات جذرية مع التحولات البنيوية في الحياة الاقتصادية والاجتماعية وبالتالي فلم يعد الرهان على الزواج هو الرهان الأوحد ،بل رهانا ضمن رهانات أخرى تسعى النساء لتحقيقها وغالبا ما يتم تأجيل الزواج بعد تحقيق المسار التعليمي، وارساء المسار المهني على سكة ثابتة ,إن لم نضف تحقيق مطامح أخرى لبعض الفئات مثل شراء الشقة و السفر وتلبية رغبات تراها مهمة وهي عازبة «خفيفة الحركة» قبل أن تنخرط في الزواج والإنجاب وتصبح حياتها مثقلة بأجندة أسرية لا تتيح لها الكثير من الفرص ..
ماعدا هذا فما يسمى عنوسة أو بوارا لا يرتبط فقط بالنساء فهناك أيضا ذكور تأخروا لأسباب ما ،في الزواج ويعيشون بدورهم نفس التحديات التي تجابهها نظيراتهن المتأخرات في الزواج من حيث انحسار حظوظهم في الزواج ،لأنهم بدورهم يفقدون ذلك العنفوان البيولوجي الذي تتسم به فترة الشباب وبالتالي فمن تختارهن سوف تفعل ذلك بمحفزات قد لا ترتبط بشخصيتهم كأولوية لكن بما يملكونه من أشياء ,,,,علما أن النساء أصبح لهن وعي أكثر باحتياجاتهن الحميمية ولا يتنازلن عنها إلا أمام ضرورات قاهرة أضيف بأن عدم الزواج قد يكون اختيار لدى فئات معينة ليست مستعدة للتنازل عن أولوياتها ومعايرها العالية في اختيار شريك يناسبها لان هذه الفئة لا تعتبر نفسها «نحاسا» ينتظر فضة تخفي لون النحاس الباهت، لكن تعتبر نفسها «ذهبا» او «ألماسا» من النوع الناذر ينتظر قدره وليست مستعدة لهدر بريقه داخل قصدير يملأ حياتها بالصدأ…
 

بقلم نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 23 – 01 – 2015

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق