بوعشرين يكتب: نقابات هاربة من دورها

بوعشرين

 الإضراب العام مثل رصاصة واحدة في مسدس. عليك أن تعرف جيدا متى تطلقها وأين تصيب الهدف، وإلا فإنك تصير بلا سلاح، ومن ثم تدفع خصمك إلى أخذ كل شيء منك… النقابات الثلاث التي تستعد لإعلان إضراب عام في المغرب نهاية هذا الشهر احتجاجا على خطة الحكومة لإصلاح الصندوق المغربي للتقاعد، عليها أن تفكر جيدا في هذا السلاح قبل إشهاره. ومن ضمن الأشياء التي يجب أن تفكر فيها وتحسب لها هي: ماذا ستفعل إذا لم ينجح الإضراب العام في شل مرافق الدولة ودفع الحكومة إلى التراجع عن خطة إصلاح صناديق التقاعد؟ السؤال الثاني: هل تمتلك الحكومة، وقد صار الصندوق المغربي للتقاعد على حافة الإفلاس، بدائل أخرى غير رفع سن التقاعد تدريجيا إلى 65 سنة، والزيادة في مساهمات الدولة والموظفين في صندوق التقاعد، ومراجعة المعاشات، بحيث تحتسب قيمتها على أساس معدل راتب ثماني سنوات، وليس آخر راتب كان يتقاضاه الموظفون؟
بحثتُ يمينا ويسارا عن مقترحات أخرى وخطة بديلة تقترحها النقابات غير هذا الدواء المر الذي تعده الحكومة، فلم أجد. عثرت على كلام سياسي عام، مثل ذلك الذي قاله عضو نقابي في المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الشهر الماضي، حيث صرح، دون خجل، بالقول: «الإصلاح ضروري لصناديق التقاعد، لكن هذا الإصلاح لا يجب أن تستفيد منه هذه الحكومة الآن، ولا يجب أن يحسب في سجلها».
هذا لا يعني أن خطة الحكومة واللجنة الوطنية لإصلاح صناديق التقاعد خطة نموذجية، بالعكس، هناك عدة ثقوب في هذه الخطة. ولو كانت النقابات تتصرف بذكاء اجتماعي ودون حسابات سياسية، فإنها تستطيع أن تنتزع قرارات مهمة وإجراءات غير مسبوقة لحماية تقاعد المغاربة، ولاعتماد شفافية أكبر في تدبير أموال هذه الصناديق. لكن النقابات في بلادنا، للأسف، لا تتصرف، في غالب الأحيان. بحس اجتماعي استراتيجي، ولأن النقابات في المغرب شعوبا وقبائل، فالنقابات تجد نفسها رهينة سوق المزايدات. النقابة الجيدة هي التي ترفع صوتها بالاحتجاج أكثر، وهي التي تقلب الطاولة في وجه الحكومة، وهي التي تخرج من إضراب لتدخل آخر دون مراعاة الظرفية الاقتصادية والاجتماعية.
لو أن النقابات ركبت قطار إصلاح التقاعد عوض الوقوف في وجهه، لأمكنها أن تشترط على الحكومة جملة من الإصلاحات العميقة لهذه الصناديق، أهمها:
-1 المرور من الإصلاح الاستعجالي للصندوق المغربي للتقاعد إلى الإصلاح الشامل لكل أنظمة التقاعد المدني والعسكري، الخاص والعام، وذلك عن طريق وضع قانون إطار تلتزم فيه هذه الحكومة أو غيرها، في غضون ثلاث إلى أربع سنوات، بوضع مخطط شامل واستراتيجي لتحويل صناديق التقاعد إلى قطبين خاص وعام، ولإدماج الفقراء مع الأغنياء في النظام نفسه، لأن هذا هو الذي سيقوي مناعة الصناديق ومعاشاتها.
-2 باستطاعة النقابات أن تشترط على الحكومة، الآن وليس غدا، إخراج وكالة وطنية مستقلة تشرف على توظيف أموال صناديق التقاعد.. وكالة فيها تمثيلية حقيقية لكل الأطراف، وتشتغل بالمعايير الدولية للتوظيف الآمن لاحتياطات صناديق التقاعد، وذلك للرفع من مردودية هذه الأموال، وسد الباب أمام توظيف هذه الصناديق من قبل جهات نافذة تلعب بأموال التقاعد كما تريد، كما يحصل الآن مع «CDG» وغيرها.
-3 باستطاعة النقابات الآن أن تشترط على الحكومة وضع خطة عملية لإدخال ملايين المغاربة الناشطين في القطاع غير المهيكل، إلى نظام التغطية الاجتماعية، وأن تعطي للنقابات حضورا أكثر فعالية وقوة في إدارة هذه الصناديق وذلك لتقوية مناعتها وحكامتها وجعل عيونا للمؤمنين على نظام تسييرها. لكن للأسف النقابات اختارت البوليميك على الحوار والمزايدة على التفاوض الجدي والذكي.

توفيق بوعشرين

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق