المخدرات تدمر شباب أدرار بتيزنيت وسط صمت رهيب للسلطات

بالرغم من كل الظروف الصعبة وغياب التنمية وحضور التهميش والفقر والأمية، بعض الشباب استطاع بإمكاناته الذاتية إنشاء مبادرات بسيطة للعمل ومقاومة البطالة والهشاشة التي تحطم في تلك المناطق الجبلية كل الأرقام القياسية. لكننا هنا لسنا بصدد الحديث عن البطالة ولا عن الأمية ولا عن ما سبق أن دونت في شأنه الكثير من المجلدات، لكننا هنا للحديث عن عامل آخر ينهش مستقبل شبابنا بهذه المناطق، وقد دمر ومازال يدمر العشرات من خيرة شبابنا تماما كما يدمر الحلوف والجفاف الفلاحة بمنطقتنا، إنها آفة المخدرات بأدرار التي تستفيد من الصمت المريب من مختلف الجهات وخاصة المسؤولين والمنتخبين لكي ترتكب مجازر فضيعة في حق شبابنا وأبنائنا وترديهم بين مدمن ومشرد وسجين. قبل الحديث عن هذه الآفة وجب لمن لا يعرف طبيعة المنطقة، وضعهم في صورة المقاربة الأمنية بالمنطقة الجبلية التي تختلف عن مثيلاتها بالمدن وضواحيها، في إقليم تيزنيت كانت للقبائل الأمازيغية العريقة بأدرار دور كبير في فرض النظام وحماية أبناء وشباب المنطقة من مختلف الآفات والمعضلات الذخيلة على ذلك المجتمع، لدرجة أن مجرد التدخين للسجائر كان يعتبر خرقا كبيرا محرما بتلك المناطق. لكن تطبيق سياسة التهميش والقضاء على القبلية ونظامها وتعويضه، بنظام الدولة وممثلي السلطة بها الذين عادة ما يتم إرسالهم من مدن بعيدة الى تلك المناطق التي لا يعرفون عن طبيعة مجتمعها أي شيء ويكتفون بتطبيق سياسات وقوانين معينة، فعوض القايد وأمغار دور شيوخ وفقهاء القبائل وعوض الدرك الملكي دور المراقب والساهر على حفظ الأمن والنظام العامين بهذه المناطق الجبلية. وعلى مدى نصف قرن من هذا التغيير نشهد أن مجتمعنا المحافظ تعرض لإختراق أمني وأخلاقي، فتم تهميش دور الدين والمدارس العتيقة وتم حصر دور فقهائها على تسيير شؤون المدارس الداخلية، فغاب دورهم في نصح وإرشاد المجتمع وحمايته من الدواخل المجتمعية الضارة. لكن المهمة لم تكن في يوم من الأيام صعبة على من يمثل المخزن بتلك المنطقة، فتنوع القبائل وتباعد الدواوير والمداشر والقرى، حيث يوجد في كل دوار عين من عيونها ممثلا في أمين الدوار الذي يقدم تقارير مفصلة للمقدمين ولكل منطقة أمغار يعرف كل شاردة وواردة عنها يوجزها تفصيليا للقايد وهكذا ذواليك حتى الوصول لأعلى هرم بالإقليم، نفهم من هذا أننا في منطقة يصعب بل يستحيل أن تلد فيه حامل أو يدفن فيه ميت دون علم الجهات المعنية، بالنسبة للكثيرين سيقولون هذا شيء جيد فقد يكون عاملا من عوامل بسط الأمن والأمان والطمأنينة وتطبيق القانون بالمنطقة، هذا كان سيكون صحيحا لولا أننا نرى بين دواويرنا وأسواقنا الشعبية وقبائلنا مظاهر يعرف الجميع أنها ليست فقط مخالفة للقانون بل خطيرة جدا على مجتمعنا وشبابه، وهذه المظاهر لا تختفي مع مرور السنين بل تزيد وثيرتها تماما كما تزيد خطورتها كل ذلك بالتوازي مع تناقص سكان المنطقة أمام تزايد أعداد ضحاياها. كيف انتقلت الآلة الجهنمية لترويج المخدرات من المدن الى هذه المناطق الجبلية النائية، كيف استطاعت أن تتوغل في تلك المجتمعات دون ان تخضع للمحاربة الفعالة أو يتم استأصالها نهائيا، منذ أواخر الثمانينات من القرن الماضي، بدأت المنطقة تعرف انفتاحا تجاريا بمختلف الأسواق الشعبية الأسبوعية، فكانت تشهد هجرة معاكسة لبعض الباحثين عن العمل بمجال البناء والفلاحة قادمين من مختلف المدن، وبعضهم كان يقصد تلك المناطق الجبلية فارا من عيون العدالة ومعهم بعض ما ابتلوا به من مخدرات، وسرعان ما اكتشفوا ان المنطقة تعتبر سوقا عذراء لم يدشنها أحد بعد قبلهم، فبدأوا عملية واسعة لحشد المدمنين سيتحولون لزبناء المستقبل، وهي تكمن في توزيع كميات من المخدرات مجانا على بعض الشباب والمراهقين ينتمون لمختلف المناطق، وبعد ان يدمنوا تعاطيها تطلب منهم أموال إضافية كل مرة لا تسد فقط خسائر ما سبق المروجون توزيعه مجانا، بل ويزيد، ثم بعدها يقوم المروجون بتحويل كل مدمن ينتمي لدوار معين إلى موزع بالتقسيط المريح، يعيد تطبيق نفس السياسة التي طبقت عليه، فيقوم بحث أصدقائه وأبناء دواره على تعاطي تلك المخدرات مجانا، وبعد الإدمان يطلب منهم دفع أموال مقابلها. فيتحول شباب ومراهقون عاطلون لا دخل قار لهم ولا لأسرهم التي غالبا ما تكون فقيرة، إلى مدمنين بحاجة ماسة الى جرعتهم من المخدر، فيقوم بعضهم بالسرقة سواء في الدوار أو في المراكز القروية القريبة، من أجل الحصول على المال الذي سيمكنهم من الحصول على المخدرات، تعدد السرقات وارتفاع شكاوي السكان يدفع من حين إلى آخر عناصر الدرك الملكي لفتح تحقيقات، غالبا ما تؤدي إلى اعتقال العديد من أولائك الشباب الذين يقدمون للمحكمة بتيزنيت ويحكم عليهم بعدة أشهر او سنوات سجنا بعد اعترافهم بارتكاب تلك السرقات والتعاطي للمخدرات، بعض منهم تترك في نفسيته تلك التجربة السجنية لأول مرة آثارا سوف تؤثر على مسار حياتهم للأبد، فيقول بعضهم إنهم دخلوا السجن وهم لا يعرفون شيئا وخرجوا منه وهم يعرفون الكثير عن طرق ممارسة أفضل لما كانوا يمارسونه من قبل دون أن يرتكبوا نفس الأخطاء التي أدت الى اعتقالهم في نظرهم، بعضهم إلتقى بما يسمون أساتذة الإنحراف والإجرام بداخل السجن حيث أعطيت لهم دروس تقوية غير مجانية دفعوا ثمنها مما يرسله لهم أصدقائهم أو أهاليهم أثناء زياراتهم لهم بالمؤسسة السجنية، وفور خروج بعضهم ولأنهم لا يملكون الشجاعة للعودة مباشرة الى دو
اويرهم خوفا من نظرات وكلام من يعرفونهم، يذهبون الى مدينة بعيدة لكن للأسف من أجل أخذ دروس تطبيقية في نفس المجال، بعضهم تعرف على أنواع المخدرات المختلفة وكيفية الحصول عليها وطريقة تحضيرها وترويجها، وعقوبة كل كمية يتم ضبطها لديهم، كما تعلموا طريقة تحضير وصناعة بعض المسكرات مثل الماحيا. لقد وجد بعضهم في تلك المدن صعوبة لممارسة تلك الأعمال غير القانونية بسبب فعالية جهود الأمن الوطني، وأيضا حرب المناطق والزقاقات والأحياء بين تلك المجموعات، فقرروا نقل تجارتهم وسمومهم وتجربتهم الى المناطق الجبلية التي انطلقوا منها، فاستقر بعضهم في المراكز القروية أو البلدية بالإقليم، فروجوا مختلف أنواع المخدرات بين شباب المنطقة، وجنوا منها الأرباح الطائلة، بعضهم يشتري سيارات والآخر يشتري قطعة أرض أو بيتا في إحدى المدن القريبة، دون أن يسألهم أحد من أين لكم بهذا، بعضهم حول منزله إلى معمل لإنتاج وتقطير ماء الحياة، وآخر للقمار وتخزين قنينات الخمور المختلفة، وآخر حوله لوكر للدعارة والفساد وتوزيع المخدرات. كل هذا يحدث في المنطقة التي سبق أي بينا أن لا شيئ فيها يبقى خفيا أطول من امتداد الفترة بين الليل والنهار، كما يقول بعض أبناء المنطقة:”في أدرار غير ديرها زوينة.. أما راه تبان.. تبان”، إذن أين يكمن الخلل ؟ بعض هؤلاء المروجين هم مدمنون وعندما يفرطون في التعاطي للمخدرات والكحول، لم يعودوا يعرفون ما يخرج من أفواههم، حيث سبق لبعضهم الحديث عن أرقام مبالغ مالية وأسماء أشخاص وجهات معينة وربط بينها وبين تركها لهم ليعملوا في صمت، بل ويتحدثون عن جهات تبلغهم عن موعد ومكان أية حملة أمنية قد تستهدفهم، وهو ما اضطر عناصر الدرك الملكي في أكثر من مناسبة إلى اللجوء الى الزي المدني والتخفي وسط السكان ووضع خطط هوليودية معقدة مرتدين جلابيب من أجل تنفيذ عملية أمنية بمركز أو سوق أسبوعي أو دوار معين، بل في أحد الجماعات القروية طالب السكان والمنتخبون برحيل أحد المسؤولين واتهموه بحماية هذه الشبكات وإبلاغهم بالعمليات والحملات الأمنية، وفعلا تم تنقيل ذلك المسؤول، وبعدها مباشرة كانت حملات الدرك الملكي توتي أكلها، وقد نتج عنها إغلاق أحد مراكز الفساد وترويج المخدرات بالمنطقة. سكان هذه المناطق يدركون ان الوضع بات خطيرا ويحتاج إلى مقاربة أمنية عاجلة، وأمام قلة الإمكانات المادية والبشرية لدى الدرك الملكي بالمنطقة، طالبت بعض الجمعيات المحلية ودافعت عبر برلمانيين ومنتخبين عن ضرورة إنشاء وفتح المزيد من مراكز وسريات الدرك الملكي بتلك المناطق الجبلية النائية، وهو ما يتم تطبيقه مؤخرا، ومن المنتظر حسب بعض المنتخبين المحليين ان يؤتي ذلك أكله في السنوات القليلة القادمة، لكنهم يشترطون ان يترافق مع إرادة سياسية صادقة لدى الجهات المعنية باتخاذ قرار جريء بتطهير شامل وحازم للمناطق الجبلية من ترويج المخدرات والخمور خاصة بين الشباب والمراهقين، لكن بعض الجمعويين يرون أن المقاربة الأمنية وحدها غير كافية بل تحتاج بالتوازي الى مقاربة تنموية، تستهدف شريحة الشباب، من خلال إنشاء دور للشباب ومراكز سوسيو ثقافية ورياضية وملاعب ومسابح ومكتبات ومحاربة الهدر المدرسي، وتوفير فرص عمل وخلق مبادرات للتشغيل الذاتي وتشجيع تعلم وممارسة الصناعات التقليدية المحلية. لقد بات لدى ساكنة المنطقة إعتقاد قد يكون خاطئا أو صائبا، مفاده ان الطبيعة الأمنية بالمنطقة لا يمكن أن توجد فضاءا لترويج هذه السموم بين أبناء وشباب المنطقة، إلا في حالة أن هناك جهة ما تسمح بذلك وتسعى لترك الوضع على ما هو عليه لغرض في نفس يعقوب، ولكن إلى أين وإلى متى ؟ فالعديد من شبابنا بات من الزوار الدائمين على المؤسسات السجنية وآخرون وصلوا لدرجات من الإدمان تدمي القلب، أما حالات محاولة الإنتحار بين الشباب المدمن بالمنطق فقد تزايدت بشكل مخيف، إضافة لنزوح عدد منهم الى التشرد والإجرام بعد أن تطردهم عائلاتهم بسبب إدمانهم وتتبرأ منهم، ناهيك عن الأعداد المتزايدة ممن يختفون عن الأنظار ويبحثون عن مدينة بعيدة لا يعرفهم فيها أحد لكي يموتوا بها في صمت بعد أن اكتشفوا بأنهم مصابون بأمراض خطيرة كالإيدز التي وقعوا في شركها بسبب حقن المخدرات والذعارة التي تنامت أوكارها مثل الفطر وخاصة بكل من مركز بلدية تافراوت وبلدية تيزنيت، اللتين صدرتاه لباقي الجماعات القروية التي تقع بإقليم تيزنيت، هذا الإقليم الذي يستعد لشن حرب على الحلوف كما وعد السيد عزيز أخنوش الإبن البار للمنطقة الذي يقول أنه يحب أدرار، فهل نجعلها حرب شاملة، تشمل كل ما يضر المجتمع التيزنيتي بما فيه المخدرات ؟

عن مدونة سملالة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق