محنة الحوامل في أقسام الولادة

للوقوف على واقع المستشفيات المغربية، التي ليست سوى نموذج مصغر، يفضح ما تعانيه جل المستشفيات وبدون استثناء. «المساء» قامت بزيارة لقسم الولادة بمستشفى «مولاي يوسف» بالبيضاء ليلا، ورصدت واقع مستشفى «بانيو للأم والطفل» ومستشفى «سيدي سعيد» بمدينة مكناس، من خلال ما توصلت به الجريدة من أشرطة فيديو وصور، ومن بيانات تفضح ما يتخبط فيه المستشفى من مشاكل عديدة، لكنها لم تجد آذانا صاغية، رغم فضحها من لدن العاملين بهما.
الأغطية غير نظيفة وممزقة، أجهزة التدفئة وطاولتان للرضع معطلة، الأحواض الخاصة بقضاء الحاجة داخل قاعة الولادة مكسرة…تجهيزات قديمة وأخرى معطلة، لم تعد صالحة إلا للتخلص منها في أقرب «حاوية للقمامة»، ومع ذلك لا تزال تؤثث قسم الولادة بمستشفى مولاي يوسف بالبيضاء، حيث تتوفر القاعة المخصصة للولادة على ثلاثة أسرة، يتم تغطيتها بأغطية ممزقة ومتسخة، ثلاث طاولات خاصة بالرضع، اثنتان منها معطلتان ليتم العمل بواحدة فقط، ولذلك تضطر المشرفات على التوليد، عند استقبالهن لأكثر من امرأة في حالة الوضع، إلى الاستعانة بخبرتهن الشخصية، حيث يقمن بوضع الشريط الذي يضم اسم الأم مخافة اختلاط الأطفال عليهن، ووضعهن في نفس الطاولة، وفي حالات أخرى يضعن الطفل فور مغادرته لرحم أمه فوق بطنها، بعد التعرف على جنسه.
تجهيزات معطلة وآليات توليد غير معقمة
تتم الاستعانة بجهاز التعقيم أو ما يعرف ب(بابنيل) لتدفئة القاعة ليلا بسبب تعطل الجهاز الخاص بذلك، لينحصر دوره في تأثيث القاعة بدلا من تدفئتها. أما جهاز الإضاءة فغير مشغل، اللهم وجود مصباح صغير الحجم لا يمنح المولدة إضاءة جيدة للقيام بخياطة الجروح الناتجة عن الولادة بالرحم، حيث تتم عملية التقطيب أو ما يعرف ب«الغراز»، وخاصة في حالة النساء اللواتي يلدن لأول مرة، من دون الاستعانة بمخدر موضعي، مما يجعلهن يتألمن فيقمن بتعداد عدد«الغرز».
إلى جانب افتقاد المولدة التي تعمل ليلا إلى آليات الاشتغال، حيث لا تحصل إلا على علبتين تخصان امرأتين فقط، فإنها تضطر عند استقبالها لأكثر من امرأتين، الى غسل نفس الأدوات الطبية التي سبق العمل بها، وذلك بوضعها في آنية مغمورة بماء جافيل، ثم تنظيفها ب»البيتادين» ومعاودة استعمالها عند معاينة امرأة أخرى، خاصة في الحالات المستعجلة التي تضطر معها المولدة إلى الاشتغال بنفس الأدوات من دون وضعها في جهاز التعقيم، رغبة منها في إسعاف الحامل وطفلها.
ليل مستشفى مولاي يوسف ليس كنهاره
فضلت «المساء» القيام بزيارة لمستشفى مولاي يوسف في البيضاء ليلا، بمرافقة سيدة كانت في حالة مخاض، من أجل الوقوف على حقيقة الوضع الذي يعيشه المستشفى ليلا، ولكون عملية الحراسة تشتد نهارا، خاصة بعدما سلطت الأضواء على واقع المستشفيات المغربية…في هذا المستشفى يراقب حارس الأمن أي شخص يود معرفة ما يجري داخل أروقة المستشفى عن كثب، لدرجة يعتقد معها المرء أنه أمام مسؤول إداري يتمتع بصلاحيات متعددة ومختلفة، فهو الآمر الناهي، الذي يجوب المستشفى، ويقوم بدور الوساطة بين المرضى والأطباء وحتى الممرضين، أما رئيسة الممرضين في مختلف الأجنحة فكانت تردد بكونها المسؤولة الوحيدة عن النظام في المصلحة الواقعة تحت نفوذها وبأن لا أحد يهمها.
كلمة تتردد في كل الطوابق، حيث يشتد الزحام والصراخ، والأبواب موصدة في وجه المواطنين الذين أدوا ثمن الفحص، وبيدهم رقم ترتيبي لا تكترث لأمره الممرضة، إلا بعد أن تحقق مآربها من المواطنين الذين يرفض غالبيتهم أداء الإتاوة لمقابلة الطبيب المختص.
أما بالجناح السفلي، حيث توجد قاعات الفحص، فالأصوات المحتجة تتعالى إما بسبب تأخر الطبيب أو لحيف شعر به المرضى، حيث يستقبل الطبيب عند الساعات الأولى من الفحص «أخ فلان..ومريض من طرف فلانة..» وغيرها من الإدعاءات التي ترمي بها الممرضة المساعدة في وجه المحتجين كلما رافقت أحد المعارف والأصدقاء.
أما رجل الأمن الخاص، فإنه بدوره يتاجر في الأرقام الترتيبية المتقدمة، ولذلك فإن من رابض أمام المستشفى منذ ساعات الصباح الأولى، لا يتمكن من مغادرتها إلا في ساعات متأخرة، بينما تكفي آخر عشر دراهم، ليقابل الطبيب برقم ترتيبي متقدم. بعد أداء ثمن الفحص «60 درهما»، ومقابلة الطبيب المختص، فإن هذا الأخير لا يكلف نفسه عناء النظر إلى وجه المريض أو حتى رد السلام، حيث لن تستغرق مدة الكشف الشفوي دقائق معدودات، ليهرول جل الأطباء مغادرين المستشفى عند الساعة الحادية عشرة، رغم تأخرهم في القدوم إليها عند الساعة التاسعة.
معاملة لا تروق زوار مستشفى مولاي يوسف، الذين يستنكرون تارة في صمت، وأخرى بالصراخ الذي يعم مختلف أجنحة المستشفى.
عند زيارتنا لقسم الولادة بنفس المستشفى، كانت الساعة تشير إلى الثانية بعد منتصف الليل، حيث رافقنا سيدة أوشكت على الولادة، فلم نجد من الممرضات غير وجوه عبوسة، باستثناء من أسمعها الزوج عبارات من قبيل «مايكون غير خاطرك» فتبادله ابتسامة باهتة، إعلانا منها عن قبولها عرضه، حيث تطلب الممرضة المداومة من الزوج إتمام الإجراءات الإدارية، وبعدها تخرج مبشرة إياه بمولوده وكل حركة تقوم بها، فيها تأكيد على عدد الخدمات المقدمة والتي يجب على الأهل أن يضعوها بعين الاعتبار حين تقديمهم مبلغ الإكرامية.
وضع خاص للأمهات العازبات
بعد مرور وقت قصير استقبلت المولدة ذاتها سيدة في الأربعينات من عمرها، لكن هذه المرة بحيطة وحذر، ظنا منها أنها أم عازبة، لأنها كانت تحمل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق