المصباح الطافي. بقلم : أحمد راشد العلام

اخوان الصفاء و منابع الوفاء.
اريد ان اشعل نبراسا لتنوير الراي العام و رفع اللبس و الضبابية عن قصة *اغنية المصباح الطافي* التي اداها الفنان محمد التيوسي في السهرة التكريمية لمجموعة اولاد بن عكيدة ضمن برنامج مسار.
دعوني اولا اؤكد لكم انني لا ارمي من خلال هذا المقال النيل من الفنان و لا لي نية احباطه او تبخيس اعماله. غير انني كذلك لن اسمح لاي كان بالادعاء بالملكية الادبية و الفنية لما ليس له حتى نكون صادقين و موضوعيين و نزهاء شرفاء نعطي لقيصر ما له و نترك ما لله.
هذه الاغنية يا سادة يا كرام كتبها و لحنها عبد ربه سنة 1976. و اديتها ضمن مجموعة * ملوك لهوى* المراكشية في جيلها الاول. و يحفظها الكثير من شباب مدينتي مراكش و تيزنيت. و قد اداها الفنان  قدسي عبد الجليل في امسيات و مهرجانات وطنية و دولية. و احيلكم على الشريط الذي سجلته المجموعة المذكورة انفا و الذي يحمل بين طياته هذه القطعة المذكورة و التي كنا نسميها اذاك * شي يروى من الصافي*.
تعالوا نحللها من حيث التركيبة الادبية زجلا بسيطا يجمع بين اللفظ و الصورة. اذ تعبر عن صراع طبقي و معاناة الطبقة المستضعفة و الطبقة الموسرة التي استغنت و تسلقت الرتب وعالم المال على حساب الشغالين و الفقراء و المساكين. ( شي يروى من الصافي و شي يروى من لغديره— شي مصباحو طافي و شي الانوار في صرحو كثيره— هذا تايه فاحلامو و هذا يا ويلو الى تكلم— هذاك راضي بمقامو ما همو حد الى تالم). هذا الكلام لا ينفته الا مصدور مفعم بالصور الشعرية التي تترجم نفسية مشبعة بالادب العربي.
تامل معي كلمة صرحو مثلا.هذه مجرد اشارة. اعززها بالمقطع الاخير من القطعة و الذي لست ادري هل ادرجه الاخ التيوسي في الاغنية ام لا. الا وهو:
سعادة المسكين ف اللقمة تولج ذاتو*** و هناك البطين ملي تكدس تجمع لموال.. رباعات الجايعين بالدموع علخدود باتو *** و انت يا لفطين ما فكرتي ترخي لغلال.. هل لمستم الصورة الشعرية التي ذكرت. لا اشك في ذلك و تاملوا بعض الالفاظ مثلا : اللقمة- تولج- لبطين- لفطين- لغلال. فتبدو تجليات تاثير البلاغة و الجناس و الطباق و البديع في كل كتاباتي لانني اولا ابن مدرس و فقيه درس في الثلاثينات بسوس و الرحامنة مسقط راسه. ثم انني عملت في نفس المضمارلما يناهز الثلاثين سنة. اقول هذا لتاكيد ما ذكرت و ليس من اجل المباهاة رغم انه يحق لي ان افتخر بمهنتي .
و تعالوا نتمم تحليلنا بحلحلة الشق الفني. اي المقام الاصلي للاغنية و الذي يترجم ذلك العمق الماساوي و الحزين لما اسلفت. فقد غنينا القطعة على مقام النهاوند و الذي كما يعرف الموسيقيون فيه نبرة تترجم الاسى و تدغدغ الاحاسيس مثله مثل مقام الصبا او راحة الارواح و السيكا. و نكمل القطعة بمداعبة البياتي والرصد على الدو نبرات و تلميحات مرة مع مرور على النقرات و الترانيم السوسية من خلال استيحائها من قطع للدمسيري رحمه الله و بعض الام الغناء السوسي الامازيغي. و ليس سرقة الحانهم و ادعاء ملكيتها بل بسبب تاثير هذا الفن الاصيل في مكنوني و انتاجاتي اذ عشت ولا زلت ارتع بين هذه الربوع الطيبة و لا زلت اكرع من ينابيع شعرها و فنها الصافي الجميل. قس على ذلك اغنيتي * يا من علا لجبال التي سجلتها ضمن برنامج * فواكه للاهداء* للفنان عبد العظيم الشناوي سنة 1975 باستوديوهات عين الشق. و هي بنظم زجلي بترانيم  سوسية.
سقت هذه الادلة لتعلم ايها الفنان ان *المصباح الطافي* هي لؤلؤة في عقد نظمت في ثناياه قطع اخرى ك * القايد- و – السعادة بالمال- و الشراع المجنون- و الهم اللي نساك- و ميمتي فبلادي و براني( التي وظفت كجينيريك لفيلم القمح المنشورسنة 1987). و قطع اخرى اعتبرها تواما للقطعة المذكورة و اخيات لها ولدت في نفس الحقبة اي ما بين سنتي 1975/ 1977.
عذرا ان اطنبت في هذا التحليل. فانا رجل تربية اريد ان اجذر مضامين الاعتراف و ارسخ مفاهيم القيم حتى في عالم الفن. فهو مبني على القيم الانسانية واحترام روح الابتكار و الابداع بعيدا عن كل نحل او قرصنة.
 و اعاتب الاخ التيوسي على انه ادعى ان انقطاع الكهرباء في باريس . واحتضار ذبالة الشمعة واحجية القصة التي حكى عن ظروف تاليفه  و اخراجه للقطعة الى الوجود. لا يا اخي لا. ما هكذا يصهر الابداع. و امد لك يدي من اجل التعامل الفني و التبادل الفكري و دون مقابل. و اكرر لك انك كنت في غنى عن هذا الافتراء,  فالفن اخذ و عطاء و ليس اختلاقا و ادعاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق