تراتيل لمراجعات على هيكل السلطة

الإسلاميون  وبمختلف تنويعاتهم وعلى غرار باقي الفكرانيات، بتعبير الشيخ طه عبد الرحمان، يشتركون في طقس المراجعات، مع فروقات غير طفيفة، فمنهم من يخوضها في المعتقلات وتخرج صاخبة وهادرة لتعلن “الولاء والبراء” من “الولاء والبراء”!، ومنهم من يدشن  مراسيم المراجعات وهم في السلطة، وتحت الأضواء الكاشفة والبدلات الأنيقة واللحى المشذبة، وبادية عليهم كل نعم الله التي يحب أن يرى أثرها على عباده  الحاكمين ب”حاكميته”.                                                           والشئ بالشئ يذكر،  فمراجعات الإسلاميون هي غير المراجعات عند قبائل اليسار، فاليساري المغربي يحتاج إلى أربعة عقود لكي ينخرط في المراجعات، بينما لا يحتاج الإسلاميون إلاّ إلى عقد واحد، وهذا من فضل الله طبعا!.  والمناضل اليساري ما أن يخوض تمارين المراجعات حتى تسقط عنه صفة اليساري، ويرميه شعبه بأقذع النعوت، ويتحول إلى  “يساري سابق” صفة، وممكن دائما أن تكون أصلا تجارياً، فنكاية برفاقه القدامى يتحول  هذا “اليساري السابق”  من تيار”لنخدم الشعب” إلى نخبة “لنخدم الدولة”. ومن حسن حظ  الإسلامي أنه مهما تمادى في المراجعات سيظل دائماً  إسلاميا مع تنويعات أنيقة من قبيل “إسلامي معتدل” أو “إسلامي لايط”، فيصبح الإسلاميون أكثر رحمة  من اليسار مع  “النعجة الضالة”..                                                                      
ومناسبة هذا الكلام  عن طقوس وإشارات المراجعات، وبالضبط  عند الإسلاميين، راجع إلى كوني نادم على مجموع الزمن المأسوف عليه  والذي قضيناه ونحن نجادل أبناء الحركة الإسلامية،  محاولين إقناعهم بكون اليهودي والصهيوني لايتطابقان في المعتقد والخيارات والهوى، وأن بيننا يهود مغاربة وعيش مشترك وقيم موغلة في التاريخ والثقافة والهوية، وعمق الانتماء إلى وطن أكبر من أربعة عشر قرنا، كنا نتجادل ولكن الإسلاميبن أنداك كانوا لايبصرون أو بالأحرى كانوا لايحكمون!                                        
أتذكر مسيرات الرباط التضامنية مع فلسطين والعراق عندما كنت بعثيا  (ومازال البعض من مناضلي  “إمازيغن القرية الكهربائية” يصر أن يُلبسني بزة البعث الخالدة، رغم أنني أكدت لهم  مرارا أن آخر فلول البعث في تيزنيت تم اجتثاثها منذ سنوات والله على ما أقول شهيد!)، نعم  في تلك المسيرات المليونية  كنا نسير جنبا إلى جنب مع شمعون ليفي وسيون أسيدون (هل يتذكر صديقي حميد أضحان كيف أحرجنا ذات مرة مع الناشط الحقوقي سيون أسيدون؟؟)، وكما تعلمون فسيون وليفي أيقونة مواطنة، أكبر من الهويات القاتلة وأساطير لاهوت العنف  وعنف اللاهوت هنا وهناك ، مع ذلك لا يتردد أبناء الحركة الإسلامية الأبرار في تلك المسيرات  من رفع شعارات من قبيل “هذا عار هذا عار يهودي مستشار!” و “خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سيعود!”، ويرفعون صور نصر الله وأعلام حزب الله، قبل أن يكتشف  الشيخ القرضاوي على يد برنار هنري ليفي أن نصر الله طائفي ورافضي وإرهابي!
كنا نشتبك ونتبادل مع الإسلاميين السب بالسب والعنف بالعنف، ضدا على كل الشعارات العنصرية والظلامية التي تستهدف اليهود (هل كنا حقا أنذاك أقل منهم أصولية؟ أم أننا نقف على أرضيتين مختلفتين، ولكننا نملك نفس ميكانيزمات وآليات التفكير؟؟).                       
لم يكن من السهل أن تقنع الإسلاميين وهم لم يخرجوا بعد  من الطهرانية و”الأوفر دوز” العقائدي، كان مستحيلا أن تحرك جبال اليقينيات في فتية آمنوا بربهم ، كان أبناء الحركة الإسلامية لا يحبون اليهود، ونساء اليهود، وأدب اليهود، وفلاسفة اليهود، وسينما اليهود، ومعايدة اليهود، كنا في نظرهم علمانيين ولادينيين ومثليين وشيعة وفرنكوصهيونيين، وطابور خامس يسعى لإشاعة الفاحشة بتواطؤ مع لوبي يهودي ذو ذكاء عابر للقارات. وكانوا يحتمون بدفء النص ويخرجون منتصرين علينا في نقاشاتنا معهم أمام رأي عام بمزاج محافظ، وذلك حين يستظهرون الآيات القرآنية “ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم” و”يأيها الذين امنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ” و”لَتَجدن أشدّ النَّاسِ عداوة للذين امنوا اليهودَ والذين أشركواْ”، كانوا يحلمون برمي اليهود في البحر، ولكنهم  ككل “فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى” سيكتشفون تاريخية النص وأنه نتاج ثقافي، هذا الاكتشاف  ليس طبعا في كتابات أركون الجزائري ونصر حامد أبوزيد المصري ويوسف الصديق التونسي ، ولكن الاكتشاف كان مع سحر الكراسي ووهجها البديع الخلاب، وبركات سدانة  وحجابة السلطة. فمع هذا “الربيع” يكتشفون أن  القراءة الحرفية للنص لاتحجب فخاخ التاريخ، وأن النص حمّال أوجه، كما أن الواقع مخاتل وأن الجغرافيا أجمل دائمًا  من التاريخ، وأن أعتى اليقينيات تنكسر أمام مشيئة الذي جعلنا شعوبا وقبائل، ولو شاء لجعلنا أمة واحدة.                
ولكن مازالت هناك “فرقة ناجية” يجتمع فيها اليساري والإسلامي، ويزعجها مابين تنغير وجيروزاليم من جسور غير مطاطية، ولكن مع ذلك  فأجواء هذا الربيع حبلى  بالمراجعات والارتدادات التقية والفاجرة، ألم يقل مرسي “عزيزي بيريز..” قبل أن يفتتح بن كيران  كنيس “صلاة الفاسيين”؟..وستستمر المراجعات ويتحرك التاريخ وتتزحزح الأرثوذكسيات وتتشظى، ويبقى “المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة” (انجيل لوقا).                                          

سعيد رحم / فاعل
جمعوي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق