“صياغة الفضة” تواجه احتدام المنافسة بتزنيت

تعد دِقّة ومهارة وإتقان الصانع التزنيتي من العوامل التي ساهمت بشكل كبير في تربّع مدينة تزنيت منذ القِدم على عرش المدن المغربية المشتهرة بصياغة الفضة، وتحوُّلها إلى قبلة للراغبين في اقتناء الحِلي التقليدية المصنوعة من الفضة.

إحراز تزنيت لَقب عاصمة الفضة لم يأت بمحض الصّدفة، بل هو نِتاج سنوات طويلة من حِرفيّة منقطعة النظير لأنامل صائغين تقليديين أبدعوا وما زالوا في تصميم حلي فضية أمازيغية تتنوع بين الخواتم والأساور و”الخلالات” والقلادات وغيرها من المنتوجات الفضية التي لها من الحمولات الثقافية والحضارية والتاريخية نصيب كبير.

وإذا كانت صِياغة الفضة قطاعا حيويا جعل تزنيت وجهة سياحية على المستويين الوطني والدولي، ومحركا ديناميا لدورتها الاقتصادية والتجارية، فإنها لم تكن يوما بمنأى عن جملة الإكراهات التي وضعت مستقبلها على المحك، خصوصا في الجانب المتعلق بمنافسة السلع المستوردة التي أضحت تؤرق بال الحرفيين، وغياب الاستثمار، والمشاكل الجمة المعرقلة لعملية التسويق.

تحديات بالجملة

جريدة هسبريس خلال جولتها بمدينة تزنيت التقت بالعديد من الحرفيين المختصصين في صياغة الفضة، الذين أجمعوا على أن القطاع أصبح محاصرا بالعديد من الإكراهات التي تحُول دون تحقيق المردودية المطلوبة، والحفاظ على مكانة تزنيت كنموذج يحتذى به في صناعة الفضة.

وأوضح الصائغون ذواتهم، في تصريحات متطابقة لهسبريس، أن “من بين هذه المشاكل عدم هيكلة القطاع بالنظر إلى وجود فئة كبيرة من الحرفيين الذين يشتغلون داخل بيوتهم في غياب إطار قانوني ينظمهم، إضافة إلى النقص الكبير في المادة الخام وما يصاحبه من انخفاض في الجانب المتعلق بمعايير التصنيع”.

“كل هذا يأتي في تغييب تام للنظرة الاستثمارية التي بإمكانها تحويل صِياغة الفضة إلى صناعة قائمة بذاتها، وقادرة على منافسة السلع المستوردة من دول تركيا وإيطاليا والصين والتايلاند، التي أصبحت تهدد بشكل كبير المنتوج المحلي”، يضيف المتحدثون أنفسهم.

كما أشار الصّناع التقليديون إلى أن “صناعة الفضة بتزنيت تعاني أيضا صعوبة كبيرة في عملية التسويق بالنظر لعدم اكتساء المجوهرات طابع الأولوية لدى المستهلك، إلى جانب غياب دور الجهات المسؤولة في تتبع المنتوج، الشيء الذي ساهم في انتشار بعض الحلي ناقصة الجودة والشبيهة بالفضة، والتي تصنع بمدن أخرى أو من طرف حرفيين لا ضمير لهم، حيث يقومون بتسويقها على أنها فضة حقيقية”. ودعا الصّناع التقليديون أنفسهم المستهلكين إلى “اقتناء الفضة من المحلات، وعدم التهافت على المجوهرات الرخيصة التي تباع فوق الأرصفة والعربات المجرورة”.

وبخصوص هذا الموضوع، أوضح عبد الله كواغو، رئيس لجنة التواصل والإعلام والتوثيق بغرفة الصناعة التقليدية لجهة سوس ماسة، أنه “في السنوات الأخيرة سعت الدولة عبر مؤسساتها إلى هيكلة مجال صياغة الفضة، لكن جميع مجهوداتها باءت بالفشل لأسباب لها ارتباط مباشر بخصوصيات القطاع، فمثلا المادة الأولية لا أعتقد أن الوزارة الوصية قادرة على حل المشكل، وإن تم ذلك بالطريقة القانونية سيكون سعر الفضة أغلى من ثمنه في الأسواق العالمية بالنظر إلى سعر الضرائب عليها”.

“أما بالنسبة إلى هيكلة القطاع عبر تنظيمات حرفية أو مقاولات، فالأمر عسير وسيفضي إلى تأسيس تنظيمات هجينة لن تحدث أي وقع بالمرة، لأن السعي المستعجل للهيكلة وغير المبني على أسس متينة لن يقدم الإضافة المرجوة، وأبرز دليل على ذلك هو تدخلات الدولة في رؤية 2015 التي لا معنى لها ولم يحس بها مهنيو القطاع إطلاقا”، يقول المسؤول ذاته.

وأضاف كواغو، في تصريح لهسبريس، أن “قطاع صياغة الفضة والمجوهرات بكل أنواعها أصبح اليوم مهددا من قبل الدول الرائدة في هذا المجال، التي غزت منتوجاتها الأسواق الوطنية، مستفيدة من اتفاقيات التبادل الحر التي تجمعها بالمغرب، لذا يستوجب على الوزارة أن تفكر في إطار مخططها الجديد في خلق صناعة عصرية منافسة تعتمد على التقنيات الجديدة في المجال من أجل تلبية الطلب الداخلي. كما أن هذه الاستراتيجية يجب أن تسعى إلى تحسين دخل الحرفيين وتحسين ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية”.

وختم عضو غرفة جهة سوس ماسة تصريحه قائلا إن “قطاع الحلي والمجوهرات يعتبر من القطاعات الواعدة بتزنيت والمغرب ككل، وبإمكانه أن يلعب دورا هاما في دينامية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وكذا المساهمة في إنتاج الثروة وإحداث مناصب شغل، لكن ذلك لن يتأتى الا بتثمين مؤهلاته التاريخية والثقافية والاقتصادية، إضافة إلى ضرورة الاستغلال الأنجع للفرص المتاحة، سواء على المستوى الوطني أو الدولي”.

فرع الحلي والمجوهرات

في إطار تفاعل وزارة السياحة والصناعة التقليدية والنقل الجوي والاقتصاد الاجتماعي مع المشاكل الراهنة لقطاع الصياغة، انعقد يوم 23 يناير الماضي بمدينة مراكش، بحضور ممثلين عن حرفيي تزنيت، لقاء موضوعاتي حول نتائج الدراسة المتعلقة بوضع مخطط استراتيجي لفرع الحلي والمجوهرات المغربية، باعتباره ثمرة عمل مهيكل ومشاورات موسعة مع مختلف الشركاء في القطاعين العام والخاص.

وحسب البطاقة الملخصة لنتائج هذه الدراسة، فقد تم تحديد رؤية طموحة تتوخى تطوير فرع وطني للحلي والمجوهرات ذي تنافسية وقادر على خلق قيمة مضافة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، وكذا الاستجابة للسوق الداخلي مع إمكانية التصدير.

وربطت الوثيقة، التي توصلت هسبريس بنسخة منها، تحقيق هذا الطموح بتنفيذ مجموعة من المشاريع والأوراش المهيكلة، منها القيام بممارسات قانونية ومنسجمة مع الممارسات العالمية كالتأطير القانوني لحرف وأنشطة الفرع، وتطوير المنظومة الضريبية ومدونة الجمارك، وكذا تنظيم السوق الداخلي، وتحسين الإطار التقني من حيث وضع مواصفات الجودة المعمول بها على المستوى العالمي، إضافة إلى تحديث طرق ومناهج الإنتاج، وتقوية كفاءات الفاعلين، وتسهيل الولوج إلى المادة الأولية.

كما خلص اللقاء إلى ضرورة مواكبة الصناعة التقليدية، إسوة بالقطاعات الوطنية الأخرى، من خلال إحداث المركبات ومناطق الإنتاج، وجلب الفاعلين المرجعيين، ودعم التصدير والاستثمار المادي وغير المادي، إضافة إلى بذل مزيد من المجهودات للترويج لفرع الحلي والمجوهرات على أوسع نطاق.

مصطفى البكار هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق