أمان ياضنين أياد !! (2/2) بقلم : احمد اضصالح

أمان ياضنين أياد !! (1/2) بقلم : احمد اضصالح

من غير المُجدي أن نُطيل الكلام عن ماهية “الأصالة والمعاصرة” ومدى أحقّيته بالتّواجد في المشهد الحزبي، وآلياته الوظيفية التي يشتغل عليها لحصد المقاعد، وحقيقة الخطيئة الأولى التي لازمته منذ النّشأة إلى حدود اليوم، فهذا شأن آخر له أهله الذين تكلّموا فيه كثيرا، بقدر ما يهمّنا معرفة ما يُفكّر فيه كبار الأعيان بالإقليم الآن، خاصّة الذين دخلوا السّياسة الحزبية من باب ال”تراكتور”، بعدما تبيّن أنّ رهانهم بات خاطئا، وأنّ صوتهم الذي كان بالأمس القريب مسموعا لدى فئات عريضة من المجتمع، بات لا يُجاوز حناجرهم، بله الطّبقات المُتملّقة التي تحيط بهم، وتُبرز لهم الابتسامات الصّفراء، وتبيع لهم الوهم دون أن يُفكّروا ساعة من مغبّة الموائد الدّسمة.
فلكلّ لحظة رجالاتها، ولكلّ موقف صاحبه، لكنّ الذي باع الوهم لهؤلاء على صعيد الإقليم يستحقّ أن يكون رجل المرحلة بامتياز، بحكم أنّه لم يدرس جيّدا المياه التي دفع هؤلاء للسّباحة فيها، ولم ينظر إلى الواقع المجتمعي التّزنيتي نظرة ثاقبة، بقدر ما بنى على مُعطيات عتيقة عفا عنها الزّمن.
أمّا المُعطى الأوّل، فاعتبار الأعيان بوّابة مركزية لاقتحام الإقليم، كما فعل آخرون في فترات انتخابية سابقة ونجحوا في ذلك، على أنّهم مُحرّك أساسي للمجتمع المغربي التّقليدي، وإن شئت قلت “المجتمع القروي” تحديدا، وهو ما لم يُؤت ثماره في انتخابات 07 أكتوبر، على اعتبار أنّ هذه القوّة لم تعد “تلك الفئة النّاطقة باسم الجماعة التي ينتمون إليها”-ريمي لوفو-، أو “أشخاص فوق العادة” بتعبير –عبد الرّحيم العطري-، بقدر ما صارت جزءا مُنصهرا في جماعة لها رؤوس مُتعدّدة. فالفاعل المدني اليوم له قُدرة لا عجيبة في التّوغّل داخل المُجتمع، بما يحوزه من وسائل قانونية تجعله وسيطا لولوج المواطن البسيط إلى الإدارة بتعقيداتها أو إلى مُختلف المصالح التي يُحتاج إليها بين الفينة والأخرى، حتّى في غياب ذاك الذي يُعدّ نفسه من فئة الأعيان، وهو ما فطن له “الأحرار” مُبكّرا فكوّنوا شبكة من المُنتخبين والفاعلين استطاعوا بهم حصد مقعد انتخابي، كما أنّ صوت الجيل الصّاعد يُهدّد هذا الكيان العتيق بالانمحاء، ويعتبره لا شيء أمام سيادة ثقافة الفردانية، والانسلاخ من الجماعة..
وأمّا المُعطى الثّاني، فوجود وسائل إعلام جبّارة اقتحمت القُرى، وحملت معها أصوات السّاسة إلى داخل البيوت، وباتت جلسات البرلمان بغرفتيه تُتابع من طرف كثيرين لم يكونوا يُعيرون لها أيّ اهتمام، وينتظرون الحُروب الكلامية بين “مُمثّلي الأمّة” على أنّها موضة جديدة انتزعت الأحقّية من المُسلسلات المُدبلجة. ولنفرض –مثلا- أنّ شيخا هرما ينتقل بين القنوات العمومية فإذا به يقع على جلسة يتحدّث فيها رئيس الحكومة بعفويته المعهودة، وبلُغته التي تنهل من قاموس الدّارج في الكلام، مُفعمة بمشاعر الخطابات الجماهيرية، فينبهر بهذا السّلوك ويُدمنه، هل سيُقنعه مُرشّح لا يعرفه قدم في “الدّقيقة 90” على ظهر وسيلة نالت ما يكفي من القصف الحزبي؟ !.
وأمّا المُعطى الثّالث، فالحماسة الضّعيفة/الغائبة لدى –المُتواجدين في ميدان الحملات، عكس الأحزاب “الشّعبية” التي دفعت بمُناضليها، العارفين بخبايا التّواصل مع المواطن البسيط، ذلك أنّ الكثيرين –وأنا التقيت بعضا منهم- يُظهرون للمُتلقّي ما يُفيد اللاّمبالاة/ عدم الاقتناع في تأدية المهامّ الموكولة إليهم، إنّما ينتقمون لأنفسهم في ممارسة هواية الرّكوب على “داسيا لوكاسيون”، معتبرين أنفسهم مُجرّد أجراء بُسطاء، سيتخلّصون من عبء هذا العقد عشية السّادس من أكتوبر.
أضف إلى هذا، بعض الغوغائية المُصاحبة لأيّام الحملة، والتّجمّع الخطابي ل”بنشمّاس” على إيقاع مجموعة “أودادن”، وممارسات أخرى لا داعي لبسطها هنا، دقّت آخر مسمار في نعش الجرّار بالإقليم.
الوضع إذن، شبيه بحال ذاك الضّفدع الذي ألف العوم في بركة مائية على عادة البرمائيات، فإذا به تحمله الأقدار ذات مرّة إلى مرجل يغلي فوق نار هادئة، فأحسّ من تحت رجليه بحرارة الموقد، فطن من خلالها إلى وجود تغيّر على مُستوى المياه المألوفة، لكن، بعد فوات الأوان، لتصير حكايته ضاربة في الأمثال الشّعبية، كناية عن تبدّل الأحوال:”أمان ياضنين أياد!!”.
أنا لست ضدّ ما قيل من مدح عن السّيّدين “مصطفى مُشارك” أو “مصطفى أمهال”، فهما في الأخير شخصيّتان اقتصاديتان عصاميتان لهما وزنهما واعتبارهما وطنيّا وإقليميّا، ولا ينتظران من أحد اعتمادا لإثبات ذلك، لكنّي ضدّ المُمارسات الحزبية التي طالت ترشّحهما على ظهر الجرّار بطريقة تقليدية تُوحي بوجود أزمة في الخطاب مع الجماهير التّزنيتية التي قطعت أشواطا من الوعي السّياسي لا يُستهان به أبدا، ولستُ هنا في معرض تصريف حقد حزبيّ دفين، بقدر ما حاولت نقل ما يدور بين المواطنين البسطاء من كلام لا يصل الذين يُفصّلون الخرائط الانتخابية على مقاساتهم، لأنّهم ببساطة يُسيّجون قناعاتهم بما يُحبّون أن يُقال لهم، مُتناسين أنّ الوضع يقتضي جسّ نبض كافّة الأصوات، بما في ذلك التي تنتقدهم بشدّة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق