تسمية ماسة وتاريخها

سحر المغرب : ماسة

في هذا الإطار سنحاول أن نعطي إطلالة تاريخية على المنطقة قبيل الفتح الإسلامي إلى نهاية الدولة المرينية بشكل مختصر حتى تتكون لدينا نظرة عامة على ماسة كما سنتطرق إلى إشكالية التسمية بحيث نصادف أسماء متعددة ولكنها تحمل نفس المعنى معتمدين في ذلك على مجموعة من البحوث الجامعية التي قام بها بعض أبناء المنطقة .

إنه من الصعب الوصول الى تسمية موحدة للمجال الجغرافي الذي تشغله منطقة ماسة وذلك راجع لتعدد روايات المؤرخين القدامى والمعاصرين . وإذا كانت هذه الاختلافات تمس فقط التركيب اللغوي للكلمة فالمضمون واحد ولعل هذه الإشكالية في التسمية تعرفها مختلف المناطق. وسنورد في ما يلي بعض الروايات.

            تقع ماسة في السوس الأقصى وقد ذكرها بلين الكبيرANCIEN    POLINE و بوليب POLIPE  أتناء الحديث عن واد مستات في الجنوب السوسي ولهذا نعتقد أن ماسة وجدت قبل الوجود الفينيقي وأنها أسست من طرف الأفارقة الأقدمون حيث يعلل ذلك ليون الإفريقي قائلا “وقد أسسها الأفارقة الأقدمون على شاطئ المحيط عند قدم الحد الذي يكون بداية الأطلس

كما أن ماسة أصبحت معروفة بهذا الاسم منذ القرن التاسع الهجري كما  أورده اليعقوبي”وماسة قرية على البحر تحمل إليها التجارات …”

            و في دائرة المعارف الإسلامية نجد أن المنطقة تحضا بنفس الأهمية “ونذكر من القرى التي على الساحل … قريتي اكلو وماسات وكانتا في القرون الوسطى من المراكز التي لها بعض الشأن في التجارة البحرية تؤمها القوافل التجارية القادمة من الصحراء “.و يتضح من هذا النص أن ماسة لعبت دور الوساطة التجارية إذا أخذنا بعين الاعتبار المكوس و الإتاوات التي تستفيد منها المنطقة خلا ل تلك

            المرحلة التاريخية.يقول صاحب الاستبصار بصدد الحديث عن السوس الأقصى “…وهي مدن كثيرة و بلاد واسعة يسقيها نهر عظيم يصب في البحر المتوسط يسمى واد ماسة و جريه في القبيلة كجري نيل مصر و عليه القرى المتصلة و العمائر الكثيرة و البساتين والجنات بأنواع الفواكه و الثمار و الأعناب و قصب السكر …”إلا أن ما يثير الانتباه في هذا التعريف أن صاحب الاستبصار ذكر أن هذا النهر يصب في البحر المتوسط وهذا خطا.

و قد أشار البكري أيضا إلى أهمية ماسة كموقع استراتيجي و اقتصادي وديني قائلا”…رباطا مقصودا عندهم له موسم عظيم و مجمع جليل وهو مأوى للصالحين …”

            كما أن عبد الرحمان ابن خلدون تحدث عن ماسة كمأوى للصالحين قائلا “…وعند مصب هذا الوادي (واد سوس) من الجبل في البسيط مدينة تارودانت وبين مصب هذا الوادي في البحر و مصب واد ماسةمرحلتان إلى ناحية الجنوب على ساحل البحر و هناك رباط ماسة الشهير المعروف بتردد الأولياء عبادتهم …”             و من خلال كل ما سبق يمكن القول أن هذه التسمية كانت تعرف بها المنطقة منذ زمن بعيد ففي مختلف المصادر التاريخية تردد ماسة أو ماسا اوماستا. كما عرفها مار مول كاربهالب “تمست”و هي نوع من النبات كان موجودا بالمنطقة .

* ماسة قبيل وبعد الفتح الإسلامي حتى نهاية الدولة الادريسية

            اقترن اسم ماسة مع الفتوحات خاصة مع عقبة ابن نافع الفهري الذي تشير المصادر إلى انه وصل سوس حيث قال ابن عداري في هذا الصدد“…و غزواته أيضا للسوس الأقصى فاجتمع به البربر في أمم لا تحصى ولا تكاثر بالحصا فقاتلهم قتالا ما سمع أهل المغرب بمثله حتى هزمهم…”. وقد كان دخول عقبة في أول الأمر من البحر حيث قال قولته الشهيرة“…فدخل فيه حتى بلغ الماء بطن فرسه ثم رفع يده إلى السماء وقاليا رب لولا أن البحر منعني لمضيت في البلاد إلى مسلك ذي القرنين مدافعا عن دينك و مقاتلا من كفر بك…”.ولا يمكن أن نجهل ما كانت عليه الأوضاع بشمال غرب أفريقيا ففي رواية الناصري لما سئل عقبة عن أوضاع السوسو أين كفار البربر؟ فقال ببلاد السوس وهم أهل نجدة وباس و قال عقبة وما دينهم؟  قال ليس لهم دين ولا يعرفون أن الله حق وإنما هم كالبهائم وكانوا على دين المجوسية يومئذ فتوجه عقبة نحوهم…”و منذ ذلك العهد اعتبرت ماسة مركزا إسلاميا معروفا

و مع أواسط القرن الثاني الهجرينهاية القرن08 م انتزع المغرب استقلاله عن الشرق فعرف عدة دويلات منها دولة برغواطة وبني مدراروقد استطاع إدريس ابن عبد الله عام172 ه أن يغزو بعساكره ماسة من اجل توحيد أقطار المغرب.وبعد وفاة إدريس انقسمت البلاد بين أفراد الأسرة وكانت السوس الأقصى من نصيب عبد الله وبذلك دخل المغرب فترة أخرى من الاضطرابات و الثورات مما أتاح فرصة النجاح للشيعة الرافضة في سوس و اتخذت مدينة تارودانت مركزا أساسيا لها والتي ستقضي عليها الدولة المرينية

لقد شهد مغرب القرن الخامس الهجري الحادي عشر الميلادي قفزة نوعية في تاريخه و تبوأ مركز الصدارة بين أقطار الغرب الإسلامي باتجاه الوحدة كما وجدت هذه الحركة الوحدوية لقاحها في الدولة المرابطية التي اعتمدت على ثلاث أسس وهي لمنونة والمذهب المالكي كأساس إيديولوجي و عبد الله ابن ياسين كزعيم و قائد.و بدأت تظهر بعض الإرهاصات الأولية للمذهب المالكي حيث تمكن اوجاج بن زلو اللمطي من أهل سوس من تكوين رباط لتعليم مبادئ الشريعة الإسلامية والتشبع بالمذهب المالكي .لهذا استطاعت أن تظهر إمارة مالكية المذهب بسوس هدفها الأساسي هو السيطرة على الطرق التجارية الرئيسية خصوصا الطريق الساحلية .     كان الأمير اللمتوني أبو بكر ابن عمر الزعيم الأول للحركة المرابطية فجعل ابن عمه يوسف ابن تاشفين في مقدمة الجيش  الذي توجه إلى سوس ففتح مدينة ماسة و مدينة رودانة و جمع بلاد السوس كما أشار المختار السوسي إلى أن المرابطين فتحوا ماسة أثناء استمرارهم في عملية الجهاد .لا يزال البرج اللمتوني بتاسنولت قائما إلى حد الآن و الذي يعد احد أبراج مراقبة السفن التجارية الآتية عبر واد ماسة .   إن المذهب الشيعي منتشر بالمنطقة إلى جانب المذهب المالكي الجديد فنشا صراع بين الفكرين ومن آثاره  بعض القصص التي ترويها العجائز عن انتصارات سيدنا علي على النصارى إضافة إلى تسميات أخرى “علي اجٌان “يطلقونه على نبات الصفصاف الكريه الرائحة .

كان مجال نفوذ الدولة الموحدية في شمال أفريقيا اكبر من سابقتها (الدولة المرابطية) و كان لزاما عليها إن تقوم بمجهودات جبارة للحفاظ على الأمن في هذا المجال الواسع إلاٌ أن هذا لم يمنع من ظهور بعض الإطراف الخارجة عن مجال الدولة .و تمثل ماسة إحدى الحركات المناهضة للحكم الموحدي و يتعلق الأمر بمحمد بن هود السلاوي الماسي الذي يسمى بالهادي .وقد تبعه خلق كثير من أهل سجلماسة و درعة وقبائل كراكة و قبائل تامسنا و هوارة و بذلك لم يبق تحت نفوذ الموحدين إلا مراكش و فاس حيث أشار صاحب الحلل الموشية إلى ذلك قائلا “…و لما توالى عليه الفتح و استوثق له الأمر قام عليه قائم ببلاد السوس الأقصى وهو محمد بن عبد الله بن هود الماسي…و قامت بدعوته أمم لا تحصى ووصلت دعوته إلى جميع أقطار العدوة حتى لم يبق منها إلا مراكش وفاس …”

             بات تهديد محمد بن هود يصل إلى جميع بلاد المغرب  الشيء الذي دفع بالسلطان عبد المومن بتجهيز جيش لمنازلة الثائر حيث أرسل يحيا بن الصحراوية فلقي هزيمة إمام الماسي فأرسل الموحدون قوة أخرى تحت قيادة الشيخ أبي الحفص عمر الهنتاثي فهزم بذلك الماسي هزيمة ساحقة و بذلك تمكن الموحدون من تهدئة الأوضاع.

            و تشير معظم المصادر إلى وقوع هذه المعركة بالقرب من واد ماسة و منها أبو جعفر ابن عطية ( الوزير السابق لعلي بن يوسف المرابطي ) الذي حضر المعركة و تنكر بصفة الجندي فبعث رسالة على واد ماسة ليخبر السلطان بهذا

أن الجنوب شكل نقطة ساخنة ليس في بداية الدولة المرينية فقط بل على طول تاريخها فبعد خروج مسعود بن كانون السفياني على عهد الأمير يعقوب بن عبد الحق 667ه جاء في انتفاضة بن يادر و مشاكل القبائل العربية .و يبدو أن الظروف الاجتماعية و السياسية كانت خانقة في القرنين السابع و الثامن الهجريين فاتجه الناس غالى المهدوية يفرغون فيها مخاوفهم .فظهر بالمغرب دعاة صوفيون يربطون دعوتهم بالفاطمي (المهدي المنتظر).ففي سنة 686ه جاء الى باديس رجل يدعى العباس يدٌعي انه خادم الفاطمي فدعا الناس إلى أمره فتبعه خلق كثير من قبائل الريف لكن فشلت ثورته . ومن بين من قدم إلى المغرب من نفس الهدف رجل يسميه ابن خلدون :التوريزري نسبة إلى توزر بتونس قرب مدينة قفصة وقد قدم رباط ماسة.

منذ ظهور المولى احمد بن محمد بن عبد الرحمان وقيام دولته بالجنوب سعى للبحث عن موارد ثابتة تمكنه من توطيد أقدامه وهكذا قام بتقوية الجانب المادي و المعنوي والعسكري نظرا للمهام التي أسندت إليه خصوصا وانه سيواجه قوتين الأولى البرتغالية والثانية الدولة الوطاسية . وفي سنة 1516م  تمكن المولى احمد من الوصول إلى مدينتين ببلاد السوس وهما تارودانت و ماسة وهكذا يعد تحريرهم من الطاغية البرتغالية. ساند أهالي  ماسة السعديين في تحرير البقية الباقية من الأراضي المغربية وبذلك تصبح ماسة إحدى الدعائم الأساسية للمخزن السعدي خلال فترة ازدهاره أي منذ سنة 1516م إلى سنة ظهور الإدارة السملالية بالسوس وبالتالي كانت صاحبة الدور الفعال خصوصا في الجانب الاقتصادي و الديني

* علاقة الزاوية بالسلطة المركزية

من خلال الرسائل التي تداولت بين السلطات أو المسؤولين السعديين ومرابطي رباط ماسة نصل إلى تحديد تلك العلاقة التي اتسمت بالإخاء و العطف والعناية ذلك أن الحكومة السعدية تقدر الشرفاء والعلماء وترفع من شانهم كما تخول لهم امتيازات اجتماعية واقتصادية كتحريرهم من جميع المطالب المخزنية والمفارم وسائر الكلف المفروضة على جميع السكان كما إن الشرفاء و رجال الزوايا يعفون من جميع الوظائف المخزنية و الكلف السلطانية مما جعلهم يحظون بتأييد تلك الفئات الدينية كما إن من حاول انتهاك حرمة هؤلاء المرابطين سوف يلقى المصير المشئوم

بمجرد وفاة السلطان احمد المنصور الذهبي تراكمت مجموعة من الأسباب أدت بالضرورة إلى تقسيم البلاد إلى كيانات سياسية  مستقلة, و بالتالي الرجوع بالبلاد إلى ما كانت عليه أثناء الانهيار الو طاسي وإذا كان المجتمع السوسي هو الأول الذي ناصر هذه الدولة وأمدها بالمتطوعين والأموال فانه ليس من الصعب إن يفكر وافي إنشاء دولة جديدة تقوم على أنقاض الدولة السعدية بعدما تبين للعوام بوادر الانحطاط والانهيار. وبالطبع ساهمت هذه الأسباب في تقلص مجال السعديين وبالتالي فتح المجال أمام محولات الانسلاخ من الإمبراطورية خصوصا تلك التي كان هدفها الأساسي هو الدافع الديني ومن بينها الحركة العياشية بالشمال وأبو حسون السملالي بالجنوب إن ظهور إمارة ايليغ على مسرح الأحداث السياسة في القطر السوسي بالجنوب المغربي له تأثير واضح على ماسة حيث اتخذها أبو حسون كمحور تجاري حيوي وذلك نتيجة اعتبارات إستراتيجية مكونها تتوفر على مرفأ مهم الشيء الذي سيساعد على ازدهار الحركة التجارية ثم كذلك بفضل طبوغرافية المنطقة التي تتوفر على أراضي زراعية خصبة وعلى شبكة هيدروليكية دائمة الجريان . عموما إن استيلاء أبو حسون على مرفأ  ماسة أحدت تحولا كبيرا، فسرعان ما انفتحت المنطقة على التجارة الدولية  وجاء في إيليغ قديما وحديتا ما نصه: “…وقد فتح بودميعة مرسى ماسة لمقايضة تجارة أوربا…”يفهم من النص إن المنطقة أصبحت في علاقات تجارية مع مختلف الدول الأوربية خاصة هولندا وانجلترا و فرنسا

لقد بنا العلويون دولتهم على أساس مادي و معنوي ، هذا الأخير يمثل في النسب الشريف و الذي مكنهم من تكوين دولتهم، مع العلم أنهم واجهوا وضعية جد مضطربة اقتصاديا و اجتماعيا إضافة إلى تقسيم البلاد بين عدة قوى مختلفة إلا أن العلويين استطاعوا في نهاية المطاف توحيد المغرب . وبذلك حققوا أمالا طالما تطلعت إليها البلاد وقد اعتبر المولى الرشيد السلطان الذي استطاع تطهير البلاد حتى قضى مدة حكمه في القضاء على تلك الإمارات المتعددة مستغلا العياء الذي أصاب بعضها خاصة الدلائين و السملالين و إذا كانت ماسة والقطر ألسوسي عامة تحت نفوذ السملاليين منذ بداية القرن السابع عشر فان المولى الرشيد تمكن من طرد السملاليين وتحرير السوس وذلك بالاستيلاء على ايليغ 1081 ه . و في ذلك يقول الناصري: ” فلما كانت سنة 1081ه  غزى المولى الرشيد رحمه الله بلاد السوس فاستولى على تارودانت رابع صفر من السنة و أوقع بهشوكة فقتل منهم أكثر من ألف و خمسمائة و أوقع بأهل الساحل فقتل منهم اكتر من أربعة آلاف و أوقع بأهل قلعة ايليغ دار ملك أبي حسون فاستولى عليها في مهل ربيع الأول من السنة ” منذ هذا التاريخ دخلت ماسة مرحلة جديدة إذ ظلت تابعة للحكم العلوي بذلك ستدخل مرحلة ازدهار و العناية من طرف السلطان المولى إسماعيل تشير المصادر الأجنبية إن قبيلة ماسة خضعت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي بتنظيمين قانونيين متباينين أولهما الشرع الإسلامي والذي يحاول الإجابة على الأسئلة المتعلقة بالأحوال الشخصية والإرث والعقود والتاني هو العرف القبلي الذي يستمد خصوصيات العامة من القبيلة .واستطاعت هذه الأعراف الإحاطة بالجوانب الأساسية و ذلك ضمن بنود تنظيمية تهدف إلى المحافظة على سلامة الممتلكات وسن نوع من المساواة. ويسهر “المقدمين ” بأمر من القائدين و الرؤساء المحليين على حسن تطبيقها و الامتثال لها.

عرفت ماسة ثلاثة أعراف كل واحد خاص بمنطقة جغرافية فهناك عرف اغبالو (109 بند) وعرف تاسنولت وعرف اداوموط . هذه الأعراف مكتوبة بالامازيغية على ألواح غير أن الفقهاء قاموا بترجمة تلك الأعراف إلى اللغة العربية .إلى حدود النصف الثاني من القرن 19 مايزال العرف يشكل المسطرة القانونية للقبيلة.

لا يمكن الحديث عن قبيلة ماسة خلال القرن 19 م دون ذكر الحروب التي أصبحت عادية سواء ضد القبائل المجاورة أو الحروب الأهلية.و تتميز هذه الحروب بكونها لا تخضع لأي ضوابط قانونية حيث يشير روبير مونطاني إلى عدم وجود زعيم يقود الحروب و أن كل من تزعم إحدى الحروب يقتل .             و فيما يتعلق بالحروب مع القبائل المجاورة التي أشار إليها المختار السوسي أنها وقعت  سنة 1895 م/1276 ه بين الماسيين  من جهة و بين الجازولين و الازغاريين من جهة أخرى و تميزت هذه الحرب بالعنف و انتهت بانتصار القوة الماسية حيث جندوا لذلك كل طاقتهم المادية و المعنوية .لقد استغرقت هذه الحرب 7 سنوات.

ونشير إلى أن البحث في أسماء الأماكن بمنطقة ماست عمل يحتاج إلى كثير من العمل والعناء بسبب شساعة الرقعة الجغرافية وكثرة الأسماء وتنوعها. وبذلك اقتصرنا فقط على عينة بسيطة منها خاصة تلك التي تهم المسالك والطرق والمياه والعيون. وكان هذا الاختيار مؤسسا على التنوع الكبير والغنى الذي يميزها عن باقي المجالات الأخرى خاصة في الشق المتعلق بالمجاري المائية والمناطق البحرية.
المتن
لقد اعتمدنا أساسا في هذه الدراسة على معرفتنا الشخصية للأماكن باعتبارنا من مواليد منطقة ماست. لكن ذلك لم يعوزنا من المعاينة الميدانية للأماكن المدروسة للإطلاع على خصائصها الطبيعية من تضاريس وغطاء نباتي وهي معلومات مهمة تساعد الباحث على تكوين فكرة عن المكان وتكون له سندا في محاولة تفسير معنى أسماء هذه الأماكن.
لكن المرجع الأساسي يبقى الرواية الشفوية لكونها مصدرا مهما وخزانا ثقافيا وتاريخيا. ففي غياب المراجع أو نقصها وعدم اعتماد المؤرخين على الرواية الشفوية التي تحتفظ بالكثير من المعلومات التي ما زالت لم تدون إلا في ذاكرة السكان، التجأنا إلى مقابلة السكان وخاصة الفلاحين والمسنين رجالا ونساء أفادونا في تفسير أسماء الأماكن وفي علم النباتات التي تزخر بها منطقة ماست.
أما المصادر الأخرى مثل الخرائط والعقود والوثائق فلم نتمكن من استعمالها أو الاستئناس بها نظرا لعدة أسباب كصعوبة التوصل إليها و طول المسطرة الإدارية وخاصة ضيق الوقت.
المسالك والطرق*
Asaka wdvar 1
مسلك يقع بمدشر أغبالو بماست على وادي ماست، جماعة ماست، حيث تقوم الساكنة بعبور النهر راجلين من هذا المكان وذلك لقلة منسوب المياه به.
ويتكون هذا الاسم من كلمتين: الأولى
Asaka وهو اسم مكان مشتق من الفعل kk الذي يفيد العبور والاجتياز والعلامة المورفولوجية الدالة على كونه اسما للمكان هي asa ( asaCa ). ونقول إن جميع الممرات الموجودة على نهر ماست بدون استثناء يطلق عليها هذا اللفظ. كما تجدر الإشارة إلى وجود مدخل معجمي مشابه وهو isiki ويراد به القطعة الأرضية التي لم يتم حرثها ولا زراعتها: iger lli issakin ويعني الحقل الذي لم يستغل أو غاب عنه الاستغلال. و ssiki فعل دال على صيغة التفعيل ومعناه ‘’لم يتناول (وجبة مثلا)، غاب عن… ويمكن أن نقول بأن هذا المدخل المعجمي ينتمي إلى المشترك اللغوي بين التحققات المختلفة للغة الأمازيغية خاصة في لهجات المغرب الأوسط وجنوب الريف.
والثانية
udvar وتعني الرجل وهي في وضعية الإلحاق الذي يدل عليه التغيير الحاصل في أول الكلمة من a إلى u (udvar / advar)، مع غياب أداة الإلحاق أو النسبة ‘n ‘. وهو إشارة تخصيصية لنوعية الوسيلة التي يجتاز بها النهر. ويفيد هذا المركب الإسمي في مجموعه المعنى التالي: الممر النهري الذي يسلكه الراجلون.
Amadl 2
Ifentar الموجودة ب Igwmdan أي الضفة الأخرى للوادي. وهو اسم يجمع على imudal ( a-a–/ i-u-a بمعنى المنخفضات. وهو علم على تشكل جغرافي يتميز بالانخفاض. من الناحية اللغوية نورد بأن بنية هذا الاسم الصرفية والمعجمية خاضعة للنظام الاسمي الغالب في اللغة الأمازيغية حيث يستهل بالصامت  المفرد و i– في الجمع. هذا الأخير الذي يطرح إشكالية على مستوى البناء أو المستوى المورفولوجي حيث الاختلاف الكبير على مستوى توزيع الصوامت بين بنية المفرد وبنية الجمع Amadl ( AcAcc) / ( IcUcAc) imudal حيث يمكن أن يكون الجمع على الصيغة التالية: imadln ( iCaCCn )i—–n/ وبذلك يكون خاضعا للصيغة الغالبة في الجموع الامازيغية.
Asawn 3
يطلق على ممر شديد الارتفاع
Tasnnult (الضفة الغربية للوادي). في اللغة الأمازيغية يطلق هذا الاسم على الشكل الجغرافي الذي يتميز بالارتفاع ويدل على ذلك المثل الذي يقول ur illi usunfu à ddu n wasawn إشارة إلى الدعوة إلى تأجيل الراحة إلى حين انتهاء الأعباء. وتأتي هذه اللفظة في صيغة الجمع هكذا دائما ( a—-n ) ويشير محمد شفيق في معجمه إلى المؤنث منها tasawnt وجمعها tisiwan. ومن حيث اشتقاقها، فهذا الاسم منحوت من الجذر الفعلي awn الذي يعني صعد. وقد اشتق اسم المكان هذا بزيادة المورفيم الدال على المكان asa– بعد حذف الفونيم a لتواجده أصلا في الجدر تسهيلا للنطق.
Tabrida 3
ينسحب هذا العلم على ممر تاريخي شديد القدم يخترق
Tasnnult و Ifentar يعود إلى فترة القوافل التجارية التي كانت تخترق ماست قادمة من الجنوب في اتجاه المدن التجارية القديمة خاصة Tassurt أو Mugadur. وما زلنا نبحث عن الفترة التاريخية التي يؤرخ لها هذا المسلك التجاري في محاولة لتسليط الضوء على العديد من القضايا المهمة في تاريخ ماست والمنطقة بشكل عام من قبيل نوعية العلاقة بين سكان ماست وهذه القوافل التجارية: المعاملات النقدية والمبادلات التجارية والثقافية، الأعراف والقوانين المنظمة لهذه العلاقات، العقود والالتزامات، النظام السياسي وحركة هذه القوافل، إلى أين تتجه ومن أين تأتي…
وتجدر الإشارة إلى أن بعض سكان المنطقة يطلقون اسم
taàarast n iraman على هذا المسلك إشارة إلى الوسيلة التي كان يتوسل بها التجار لنقل بضائعهم. والمثير للانتباه هو أن لفظ tabrida أوabrid الذي يجمع على ibridn أو iberdan الذي يعني الطريق / المسلك، الطرق / المسالك لفظ غير متداول في ماست ككل مما يحيل على القدم التاريخي على عكس taàarast n iraman الذي يبدو أنه اسم حديث.
وللإشارة، يوجد مكان آخر بمنطقة ماست بمدشر تيكمي لجديد
Tamlalt yyṛaman 4
يطلق هذا الاسم على مسلك يقع بمدشر
بجماعة ماست. ويشير السكان المحليون إلى أن سبب هذه التسمية راجع إلى أن هذه الطريق كانت سبيلا تسلكه الجمال المراعي. وهذا المركب الاسمي يتكون من: Tamlalt – ( t—-t ) وهو تذكير ل amlal الذي يعني الرمل ويجمع على imlaln / timlalin . ونعتقد أن صيغة المفرد المؤنث لها دلالة كبيرة هاهنا حيث تؤكد التقليل والندرة الشيء الذي وقفنا عليه حين زيارتنا لعين المكان حيث تبين أن لا وجود نهائيا للرمال لأن المنطقة منطقة أحراش.*
– حرف النسبة أو الإلحاق المحذوف
n والذي عوض عنه بظهور حرف y المشدد لأن الاسم يبدأ بحرف i– وهذه ظاهرة صوتية معروفة في الأمازيغية حيث يحذف حرف الإلحاق في اللغة الشفوية.
iyraman جمع ل aram أو ar3m ويعني الجمل / الجمال. وهذا الحيوان يستعمل كوسيلة للنقل والتنقل عبر الصحراء.
مما يعني أن المركب الاسمي يدل على مسلك الجمال.
ونشير هنا إلى القيمة الدلالية التي يحملها هذا الطوبونيم باعتبار أنه يحيلنا مباشرة على أن سكان المنطقة عامة كانوا من مربي الجمال.الشيء الذي انقرض منذ ستينيات القرن الماضي كما تخبرنا الرواية الشفوية

  المياه والعيون

Asif Mmasst / Asif Wwalàas 6
يطلق هذا اللفظ على النهر الكبير الذي يخترق منطقة ماست والذي ينبع من الأطلس الصغير ويصب في المحيط الأطلسي. يتميز هذا النهر بثرواته المائية والحيوانية الهائلة. يتكون المركب الإضافي من اسمين الأول:
Asif ويعني النهر ويجمع على isaffn .مؤنثه tasift. الثاني: alàas الذي أفادت الرواية الشفوية انه مجموع الأشياء الطبيعية (رواسب، طمي، تربة) التي يحملها النهر أثناء حالة الفيضان.ونعتقد أن ما يؤكد هذا الأمر هو الاسم الذي ما زالت تحمله التربة الطينية النهرية المشبعة بالماء: aslàaà.
Mmu Tbrbalt
يطلق هذا الاسم على منطقة شاطئية تقع شمال مدشر سيدي بوالفضايل على الساحل الأطلسي. ويتكون من لفظتين هما:
mmu التي ذكر محمد شفيق في معجمه أنها أداة للانتساب ونضيف أنها للمؤنث ومذكرها bu. taberbalt وهي نبات مشهور بمنطقة ماست.وسميت هذه المنطقة الصخرية الشاطئية بهذا الاسم لتواجد هذا النبات بها. لكن المثير للانتباه أن الذين أطلقوا الاسم جعلوه مؤنثا ولم يقولوا مثلا tberbalt bu ونعتقد أن النسبة هنا تعود إلى tasga التي تعني الجهة. ليكون معنى العبارة تبعا لذلكTasga mmu tbrbalt أي الجهة التي يتواجد بها نبات tabrbalt.
Bu Tasra 7
ينسحب هذا العلم على منطقة بحرية شديدة الانحدار جنوب مدشر سيدي بوالفضايل. وهو على لفظتين
Bu وهي للدلالة على النسبة إلى المذكر كما قلنا سابقا أما tasra فهي نوع من النبات يتواجد بكثرة في الأماكن الجافة. وهنا تبدو علة هذه التسمية واضحة.وهنا يتضح لنا مدى الأهمية القصوى لعلم النبات la botanique في شرح وتفسير أسماء الأماكن.حيث يجعلها الأمازيغي علما من أعلام الأمكنة التي يرتادها لملازمتها الدائمة لها. والملاحظ أن جل النباتات التي تستعمل استعمالا مضاعفا أو استعاريا هي من النباتات غير الموسمية، حيث أنها تكون حاضرة بالمكان طوال السنة.

Imi yiàzer 8
يطلق هذا الاسم على منطقة بحرية صخرية وتتكون من لفظتين
تقال لفم الإنسان والحيوان بل وحتى لفتحات الجمادات، وتعني مدخل الشيء ومخرجه، ولهذا تطلق على مصب النهر، أو مخرج طريق… وتقال كذلك لأبواب ونوافذ المنازل والخيام والقصور… كما تسمى بها مداخل القرى والمدن ومخارجها مثل Imi yàrm أوImi Wgadir الذي ترجم حرفيا إلى العامية بفم الحصن، وتطلق كذلك على فتحات الأدوات من صناديق وغيرها وعلى منافذ الجسم من الأذن والأنف وعلى الفتحات من كل نوع، ذلك لأن تصور الأمازيغ للطبيعة مستمد من تصورهم للجسم البشري ل²ا استعملوا أسماء الأعضاء البشرية لأنسنة الطبيعة..” ( المصطلحات الأمازيغية في تاريخ المغرب وحضارته. تحت إشراف محمد حمام ص 56).
yiàzer يطلق على الوادي أو الشعبة الصغيرة. ونلاحظ أن الاسم يحمل علامة الإلحاق y التي تعوض حذف حرف الإلحاق n. ونرى أن علة التسمية ترجع إلى كون المنطقة مصبا لشعبة طويلة تخترق منطقة الزور الواقعة بين الضفة الغربية والمحيط الأطلسي. وبذلك يكون الاسم وفيا للشكل الجغرافي الذي يميز المكان.
استنتاجات
من الناحية اللغوية، نرى أن أسماء الأماكن المدروسة كلها أسماء أمازيغية صرفة، مما يدل على أن الساكنة الماسية متشبثون بلغتهم من جهة وأن هذه الأخيرة سليمة لم تشبها تأثيرات لغات أخرى حيث انعدام الأسماء الدخيلة.
وتتميز أسماء الأماكن الواردة في هذا البحث ببعض الخصائص الصوتية العامة التي تميز اللغة الأمازيغية بكل فروعها، خصوصا التغيرات التي يحدثها الإلحاق في بداية الأسماء. فإذا ابتدأ الاسم بالفونيم
a– فهو يتحول إلى w مشدد أو قليل التشديد أحيانا، كما لاحظنا في المركبين الاسميين Asif Wwalàas و Asaka wḍar أما إذا ابتدأ ب i– فينقلب y مع التشديد كما لاحظنا في Tamlalt yyṛaman و Imi yyiàzr.
كما عايننا ظاهرة صوتية أخرى وهي المماثلة وتسم الأسماء التي تبتدئ بصوامت مثل
Asif Mmasst أصلها Asif nMasst حيث أثر الميم على النون وأدغم الثاني في الأول. وظاهرة المماثلة ظاهرة عامة في كل فروع اللغة الأمازيغية و تحدث أساسا عند الإلحاق.
من الناحية الصرفية والتركيبية، تتكون أسماء الأماكن المدروسة من مختلف التركيبات و أهمها:
– أسماء مفردة:
Amadl، Asawn، Tabrida
– أسماء مركبة: وصيغ التريب هنا مختلفة.
* التركيب الوصفي: ويتم بزيادة
bu للمذكر او mmu للمؤنث: Bu Tasra،:Mmu Tbrbalt. كما يصاغ بزيادة صفة مشبهة على الإسم لتدقيق الوصف والمعنى مثل
.Aàaras idranوقد استعملت الصفة المشبهة لوصف عمق المسلك أو الطريق وبالتالي تدقيق وتمييز

مسجد رباط ماسة

                                                                    

أدخلنا هذا المسجد في إطار الأساطير رغم وجوده المادي حيث ما تزال بعض جدرانه تظهر للعيانتحت الكثبان الرملية، إلا أن المكانة التي يحتلها في الذاكرة الشعبية تلبسه قداسة أكبر من مهام المسجد في الدين الإسلامي، فنجد مجموعة من الآثار و الأحاديث الموضوعة تتعلق بأفضلية هذا المسجد، وتتداول بالخصوص أيام الموسم الديني ولاشك أنها موضوعة لاسباب أقواها الترغيب في الجهاد وتحبيب المرابطة والإقامة في هذه الأرض التي كانت من ثغور الإسلام.


وأول من تحدث عن هذا المسجد هو ابن عذارى حيث يروي عن الشيخ الصالح أبا علي صالح بن أبى صالح انه لم يصح عنده أن عقبة رضي الله عنه حضر بنيان شيء من المساجد بالمغرب إلا مسجد القيروان ومسجدا بدرعة ومسجدا بالسوس الأقصى، وهذا الأخير يختلف حوله المؤرخون، هل هو مسجد بايجلي أم بماسة؟.

وقد استبعد الكثير من المؤرخين وصول عقبة بن نافع إلى هذه المنطقة، كما انه يستحيل بناء مسجد في فترة قصيرة قضاها لنشر الإسلام أساسا، ونجهل المصدر الذي اعتمد عليه المالكي عندما أكد أن عقبة بن نافع هو الذي بني مسجدا في مدينة ماسة، أما الإشارة الثانية حول هذا المسجد فنجدها عند ابن خلدون في حديثه عن التحديد الجغرافي لسوس: ” وعليه (أي المحيط الاطلنتي) مسجد ماسة وبلدتا تاكاوت ونول من بلاد سوس) وقد دعا رباط ماسة بمسجد ماسة، إلا انه كنا سنستفيد من الوصف الميداني الذي يميز كتابات ابن بطوطة إلا انه لم يعرج على المنطقة أثناء رحلته الشهيرة إلى بلاد السودان.
على أن أول من زار هذا المسجد هو الحسن الوزان الذي يقول عنه: ” ويوجد في خارج ماسة على شاطئ البحر مسجد يقدسه الناس كثيرا…” ثم يضيف في نفس المكان ” أن النبي يونس (عليه السلام) لما التقمه الحوت نبذ بالعراء في ساحل ماسة وجمع العوارض التي تحمل سقف هذا المسجد من عظام سمك ضخم ” وهنا إشارة مهمة لفتت انتباه الوزان وتتعلق بنوع الأعمدة التي وجدها أي عظام السمك، وحول مصدرها الأسطوري، يرى المؤرخ غير هذا الرأي المسيطر على الأذهان فيعلل ذلك بقوله: ” وكثيرا ما يهيج البحر فيحدث أن يقذف على شاطئ ماسة بعدد من السمكات من هذا النوع قرب المسجد إلا وماتت بسبب البركة التي منحها الله لهذا المسجد، وكان يصعب عليَّ أن أصدق ذلك لولا أنني رأيت بعيني سمكات منها يقذف بها البحر ميتة كل يوم، وقد تحيرت من ذلك غير أنى تحادثت فيما بعد مع شيخ اليهوديين من نفس المكان فأخبرني بأنه لا عجب في ذلك، إذ يوجد في البحر على بعد نحو ميلين من البر بعض الصخور العظيمة الحادة، فإذا هاج البحر ذهبت هذه السمكات هنا و هناك ومن اصطدم منها بتلك الصخور جرح ومات، ولهذا ينبذه البحر بعد ذلك على الساحل حيث نراه، فظهر لي هذا التأويل خير من تأويل العامة ” وهذه المعاينة والشهادة كافية للتأكيد على أن هذا المسجد له مكانة مقدسة في نفوس العامة بل تم ربط بركته بقوة البحر الذي يقذف بأسماك ضخمة إلى الساحل.
ويلاحظ انه إلى غاية القرن السادس عشر الميلادي كان ولا يزال الزوار يرتدون هذا المسجد لكن تراكم الرمال ف

مقالات ذات صلة

إغلاق