«الطاكسي الكبير» … سيارات للأجرة «تنشر» الموت في شوارع المملكة
«ينظر يمينا وشمالا.. يتوقف وسط الطريق.. لا يولي اهتماما لحق الأسبقية.. يتجاوز من الجهة اليمنى، لا يحترم السرعة المحددة «، سوف لن تتعب أيها القارئ الكريم لتدرك جيدا أن الأمر يتعلق بسائق متهور لسيارة الأجرة من الحجم الكبير. المشهد وإن كان من الدار البيضاء، فيمكن تعميمه على العديد من المدن الأخرى.
سلوك هذا السائق في السيارة يتسبب في الكثير من حوادث السير الخطيرة والتي تكون في أغلب الأحيان مميتة، وهو ما يجعل العديد من المتتبعين يتهمون الطاكسيات بحصد الكثير من أرواح الأبرياء بسبب التهور في السياقة، مؤكدين أن ما يهم بعض السائقين هو «الروسيطة»، وهي المبلغ الذي يكون السائق مضطرا إلى دفعه كل يوم لصاحب سيارة الأجرة.
وقال مصدر لـ»المساء» إن الثقة في النفس في أحيان كثيرة تؤدي بسائق سيارة الأجرة إلى ارتكاب الكثير من المخالفات في السياقة، وهو ما يتسبب في وقوع حوادث.
وأضاف أحد المواطنين: «راه بعض سائقي سيارة الأجرة يعتقدون أنهم لوحدهم يسوقون في الشارع العام، غير مكترثين بحركة السير، فهم يكسرون كل قواعد السياقة، حيث يكون الهم الوحيد الذي يشغل هذه العينة من السائقين هو الروسيطة».
السياقة الجنونية
خطورة السياقة الجنونية بالنسبة لبعض سائقي سيارات الأجرة تكون لها انعكاسات سلبية في الطرق الرابطة بين المدن، حيث تؤكد مجموعة من المعطيات أن سبب الكثير من حوادث السير التي يتسبب فيها النقل العمومي، بما فيها الطاكسيات، راجع بشكل كبير إلى السرعة والأخطاء البشرية، وهو الأمر الذي تقره مجموعة من المصادر في صفوف المهنيين، الذين يؤكدون أن هناك عينة من السائقين المتهورين، لا يولون أي اهتمام لخطورة السلوك الذي يقومون به، مما يجعلهم يسقطون في فخ حوادث السير المميتة.
وتضاربت الآراء حول نسبة حوادث السير التي تتسبب فيها سيارات الأجرة من النوع الكبير في الوسط الحضري والقروي، ففي الوقت الذي أكدت فيه بعض المصادر المطلعة أنه من الصعب تحديد نسبة محددة لحوادث السير التي يتسبب فيها سائقو الطاكسيات، فإن مصادر من مهنيي النقل الطرقي أوضحت أن النسبة لا تتعدى 5 في المائة من حجم حوادث السير التي تقع سنويا، وأوضح المصدر نفسه أن لحوادث السير أسباب كثيرة وليس سائق الطاكسي وحده المتهم بارتكابها، بل إن الأمر يعد مسؤولية مشتركة بين كل الأطراف.
تضارب في الأرقام
قال محمد الحراق، الكاتب العام للنقابة الوطنية لسائقي سيارات الأجرة، وهو من بين المدافعين عن هذا الرأي: «راه كل شي باين، ولا يمكن محاسبة الطاكسيات عن حوادث السير التي تقع وطنيا، راه النسبة أقل من 5 في المائة»، وأضاف أن أسبابا كثيرة هي التي تؤدي إلى وقوع حوادث السير في العديد من مناطق المغرب، من بينها تناول الخمر، وقال: «راه الخمر هو السبب».
وإذا كان الحراق أكد أن نسبة حوادث السير التي يتسبب فيها سائقو سيارات الأجرة من النوع الكبير لا تصل إلى 5 في المائة، فإن زميله، مصطفى الكيحل، الكاتب العام للفيدرالية الوطنية لمهنيي سيارات الأجرة والنقل، زاد 5 في المائة على النسبة التي تحدث عنها الحراق، حيث أوضح في تصريح لـ «المساء» أن نسبة حوادث السير التي تتسبب فيها الطاكسيات تصل إلى 10 في المائة، وقال: «النسبة حاليا هي 10 في المائة وبدأت هذه النسبة تتقلص تدريجيا».
البنية التحتية
أكد الكاتب العام للفدرالية الوطنية لمهنيي سيارات الأجرة أن وضعية الطرق في العديد من مناطق المغرب هي التي تكون وراء وقوع حوادث السير، وهو الأمر الذي يدفع الكثير من النقابات المدافعة عن القطاع إلى المطالبة بضرورة تحديد المسؤوليات أثناء وقوع حوادث السير، لأن تحديد المسؤوليات هو الذي سيمكن من الحد من هذه الحوادث، فالعديد من الطرق والقناطر تكون في غالب الأحيان السبب المباشر في وقوع حوادث سير خطيرة، إضافة إلى علامات التشوير والإنارة العمومية في المناطق الحضرية.
ولم يتردد المصدر نفسه في تحميل المسؤولية إلى وزارة التجهيز، مؤكدا أن عدم الاهتمام بواقع الطرق في العديد من مناطق المغرب هو الذي يضاعف من حوادث السير، ويحولها إلى حرب طرق تؤدي إلى قتل العشرات من الأبرياء.
مدونة السير
خلال الحديث الذي سبق بداية دخول مدونة السير إلى حيز التنفيذ في سنة 2010، كان المدافعون عن هذه المدونة، ومن بينهم كريم غلاب، الذي كان يشغل آنذاك حقيبة وزارة التجهيز والنقل، يؤكدون أن هذه المدونة ستساهم في التقليص من حوادث السير على الصعيد الوطني، لأنها تتضمن عنصرا فعالا هو تحديد المسؤوليات في وقوع الحوادث، حيث سيكون كل طرف مسؤولا من جهة عن أي حادثة وقعت، إلا أنه مع دخول هذه المدونة إلى حيز الوجود، تبين أن القضية المرتبطة بتحديد المسؤوليات ما تزال معطلة، وهو الأمر الذي جعل العديد من النقابات الممثلة لقطاع النقل على الصعيد الوطني تحتج وتطالب بضرورة تحديد المسؤوليات، لأن العديد من السائقين يتم سحب رخص سياقتهم، مما يجعلهم يتعرضون للعطالة.
ويعتبر مصطفى شعون، الكاتب العام الوطني للنقابة المغربية لمهنيي النقل، أن هناك عوامل كثيرة تكون وراء حوادث السير التي يتسبب فيها سائق سيارة الأجرة، من بينها عدم شعوره بالاستقرار الاجتماعي، عكس مجموعة من سائقي بعض وسائل النقل العمومي، حيث يستفيد السائق من فترات التكوين، كما أنه يشعر أنه مستقر اجتماعيا، وقال شعون في تصريح لـ «المساء»: «هناك أسباب كثيرة من بينها انعدام المراقبة والحالة الميكانيكية للعربات». ولم يتردد المتحدث ذاته في القول إن هناك بعض السائقين المتهورين، مؤكدا أن هذا الأمر هو الذي يدفع إلى القيام بحملات توعوية بعدم المخاطرة في السياقة، ومشيرا إلى أنه حان الوقت من أجل أن ينخرط الجميع في عملية تجديد الأسطول، وقال: «صحيح أن الحكومة لم تتشاور بخصوص تجديد الأسطول، ولكن من الضروري الانخراط في هذه العملية، علما أنه لابد من مراعاة مجموعة من الأمور لتطبيق هذا الإجراء».
غضب المهنيين
ويشعر مهنيو النقل الطرقي بأنهم أمام فوهة بركان، مؤكدين أنه في حالة عدم طي هذه الصفحة بما يرضي مطالبهم المشروعة، فإنهم مستعدون للدخول في برنامج نضالي جديد إلى حين إيجاد حل لهذه القضية، التي ستكون لها انعكاسات وخيمة على القطاع برمته.
وما أن تخرج العديد من النقابات الممثلة لقطاع النقل الطرقي من أزمة، حتى تجد نفسها في أزمة جديدة، حيث أصبحت من بين القطاعات التي تنظم أكبر عدد من الوقفات الاحتجاجية، وهذا راجع، حسب مصادر نقابية، إلى وجود الكثير من المشاكل الاجتماعية التي يعانونها، والتي تظل لحد الساعة معلقة، ويؤكد بعض النقابيين أن مجموعة من الحكومات التي تعاقبت على المغرب لها دراية كبيرة بالمشاكل الاجتماعية التي يتخبط فيها مهنيو النقل، إلا أنه لحد الساعة لا توجد أي مؤشرات على حلها، وهو ما يجعل الباب مفتوحا في كل لحظة حول تنظيم الوقفات الاحتجاجية.
تجديد الأسطول
رغم أن ولاية الدار البيضاء أعلنت، في وقت سابق، عن انطلاق عملية تجديد الأسطول، فإن العديد من السائقين غير متحمسين لهذا الإجراء، مؤكدين أن شروط الانخراط في هذه العملية لا تناسبهم، وقال مصدر مهني في تصريح سابق لـ «المساء»: «إن هناك مشاورات حاليا بين بعض النقابات الممثلة للقطاع لتحديد الموقف النهائي، إضافة إلى أننا نصر على إصلاح جميع مشاكل القطاع وعدم الاكتفاء فقط بمسألة تجديد أسطول الطاكسيات». ويعتبر مجموعة من المواطنين في الدار البيضاء الإعلان عن تجديد أسطول سيارات الأجرة من النوع الكبير قرارا مهما في الظرفية الحالية، وأنه على جميع المهنيين الانخراط فيه، لأن الصورة التي يوجد عليها الطاكسي من الحجم الكبير تزيد من تشويه صورة المدينة عموما، وقال أحد المواطنين: «لا يمكن بأي حال الارتكان إلى بعض المبررات من أجل عدم الانخراط في مسلسل تجديد أسطول الطاكسيات احتراما لكرامة سكان المدينة، حيث إن طريقة ركوب الطاكسي الحالي لا تشرف أحدا، ولابد من الاستغناء نهائيا عن السيارات المستعملة حاليا كسيارات الأجرة من النوع الكبير، لأنها بكل بساطة لم تعد صالحة لهذا الغرض، وحان الوقت لتغييرها بسيارات تحترم كرامة المواطنين، الذين ضاقوا ذرعا بالطاكسيات الحالية».
وغالبا ما تكون الحالة الميكانيكينة لسيارات الأجرة سببا في وقوع حوادث سير سواء داخل المجال الحضري أو خارجه, مايستدعي الإسراع في إخراج مشروع تجديد الأسطول إلى حيز الوجود.
بقلم أحمد بوستة جريدة المساء
العدد :2543 – 02/12/2014
ay3awn rbi koyan . kodyan manik srs tka lo9 ar ka sawal kiyin hati tfhmt bzaf taxi tiznit