ورطة الحكومة الملتحية

تعديل عليه، كما لم تستجب الحكومة لملاحظات جوهرية أبداها الفريق الاشتراكي في مجلس النواب، مثل وضع معايير للتمييز بين المؤسسات التي يعين فيها الملك، وتلك التي ترجع صلاحية التعيين فيها إلى رئيس الحكومة، هذا علاوة على ارتفاع عدد المؤسسات التي تركت بين أيدي الظهائر، والتي لم يفكر حتى أعضاء لجنة المانوني، التي وضعت الدستور، في تركها ضمن صلاحيات التعيين الملكي.ونفس الشيء يمكن قوله عن مشروع قانون الضمانات الأساسية الممنوحة للعسكريين، الذي جاء بمادة مثيرة للجدل والخوف معا، حيث نصت مادته السابعة على ضمان حصانة جنائية مطلقة للعسكريين الذين ينفذون مهام داخل التراب الوطني. فما معنى أن ينفذ الجيش مهمة داخل التراب الوطني؟ هل تعني ضد المواطنين المغاربة العزل أم المسلحين أم تعني أعداء الوطن الذين تسربوا إلى داخل التراب أم ماذا؟ ثم كيف سنوفق ما بين هذه المادة ومبدأ عدم الإفلات من العقاب الذي نصت عليه توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، أو مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، الذي نص عليه دستور البلاد…كل هذه الأسئلة لم يلتفت إليها وزراء الحكومة نصف الملتحية، وأحالوا مشروع القانون على البرلمان كما جاء به الوزير المنتدب في الدفاع، حتى إن الوزراء لم يعرفوا لماذا جاء هذا المشروع الآن، وما هي ظروف نزوله، وكيف سيدافعون عنه في البرلمان وأمام الرأي العام…أما رأس حوادث الارتباك التي سقطت فيها الحكومة الجديدة فهي دفاتر التحملات المخصصة للإعلام الرسمي، حيث عجزت الحكومة أولا عن إخراج مرسوم متفق عليه بين وزرائها، ثم عجزت عن الدفاع عن قرار اتخذه وزير الاتصال وساندته فئات عريضة من المهنيين والرأي العام، ثم عجزت عن دفع الأمانة العامة إلى نشر المرسوم الذي أحيل عليها. وأمام هذا «الارتجال»، أقدمت على سن «بدعة» جديدة في عالم الوزارات، وعهدت إلى وزير السكن برئاسة لجنة مكلفة بتعديل دفاتر التحملات التي تدخل في صلاحيات وزارة أخرى… بدعوى أن نبيل بنعبد الله لديه خبرة في هذا النوع من الدفاتر، ويعرف كيف يمررها بسلام… غدا، إذن، سننتظر أن تحال ملفات التجهيز على وزارة الثقافة، وملفات التعمير على الأوقاف، وملفات الرياضة على وزارة السياحة، وهكذا يتبادل الوزراء الاختصاصات، ويلعب كل واحد فيهم في حقل عمل الآخر!هذه نماذج فقط عن اختلالات العمل الحكومي، والأسباب هي: أولا رئاسة الحكومة التي لم تعثر بعد على منهجية منظمة وناجعة لإدارة القرار في الرواق الحكومي، وهذا طبيعي مادام بنكيران لم يحط نفسه بأطر وكفاءات وفريق عمل يساعده على ضبط الملفات وتنسيق العمل وخلق انسجام بينه وبين البرنامج الحكومي والأهداف الكبرى للأغلبية. ثانيا: هناك مفهوم «يدي ويد القابلة» الذي بدأ يربك عمل الحكومة ويضعفها أمام الرأي العام دون أن يجد مقاومة أو خطة مضادة من قبل بنكيران. ثالثا: هناك «فخ» السعي وراء كسب ثقة القصر الملكي الذي مازال رئيس الحكومة متشبثا به دون التفات إلى أن أكبر ثقة حصل عليها بنكيران هي اختياره العمل في إطار المشروعية، وهي تصويته بنعم على الدستور، وهي عدم النزول إلى الشارع يوم 20 فبراير للمطالبة بالإصلاح. إذا لم تنفعه كل أوراق الثقة هذه فما عساه يقدم أكثر؟ الخوف أن يبدأ في التفاوض على مشروع الإصلاح وليس على منهجية الإصلاح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق