سيدي إيفني: احتفالية الألوان في جداريات المدينة

باصرار المتشبتين بالأمل والغد المشرق، اعتكف ثلة من الفنانين الإفناويين لإبداع لوحات فنية تزين جدران الطريق المؤدية إلى قاعة “المسيرة الخضراء “، فأثمرت تلك الابداعات نفحات فنية تعبر عن مدارس وتوجهات مختلفة من الانطباعية والواقعية إلى السوريالية مرورا باستلهام بيكاسو حيث التكعيبية.

وبأدوات بسيطة، وبإمكانيات “على قد الحال “، كما هي العادة دائما في مدينتنا العزيزة، انبثقت فيوضات من الألوان الهادئة أحيانا والصاخبة أحيانا أخرى، كما هو الحال بالنسبة للفنان محمد بولمال، أيقونة الغناء الشعبي الذي عبر من خلال لوحته التي تحاكي منظرا طبيعيا عن صفاء سريرته وميولاته الوجدانية، باحثا عن الهدوء والسكينة، بعدما قضى فترة طويلة يصول ويجول على ظهر منصات الغناء، معانقا آلة البانجو ومرددا صرخات ناس الغيوان، وآهات إزنزارن معبرا بذلك عن آلام وآمال أجيال من شباب سيدي إفني خلال السبعينات والثمانينات من القرن الماضي .

وإلى جانب هذه اللوحة، اصطفت لوحة بألوان صاحبة وتداخل بين مكوناتها حد التماهي، تبدو للوهلة الأولى أنها فوضى عارمة، لكن امعان الناظر سيعطيه جوابا واضحا، إنها المدينىة بصخبها وبنايتها وبانسانها الذي ابتلعته حركية المدينة، وأصبح يبدو شيئا ثانويا. بكل بساطة انها انطباعات الفنان محمد شاكر، مؤطر دار الشباب بسيدي إفني سابقا قبل ان ينتقل للعيش بمدينة مراكش منذ سنتين. ولعلي لم اخطئ التقدير إذا ما قلت انه ينقل بشكل عفوي وصادق ما عاشه وشاهده في المدينة الحمراء، وهاهوذا، يعود متحررا من قيود الإدارة والمسؤولية بعد حصوله على التقاعد، مرتديا وزرة الرسام يقود هذا النشاط الفني بروح وهمة الشباب .

و بعيدا عن الصخب والألوان الفاقعة، وبهدوء وخشوع ينكب الفنان عبدالله أضرضور، بانضباط لقواعد الرسم الكلاسيكي التي تعلمها في المدارس الاسبانية خلال الفترة الاستعمارية بمدينة سيدي افني، وبنفس هادئ أبدع هذا الفنان لوحتين، الأولى ذات نفس انطباعي تعبر عن الطبيعة الجامحة بأفق لامحدود بألوانها وكل مكوناتها، لا تجاريها  سوى آمال وأحلام الفنان الحالم، الذي لم تلهيه مجريات الحياة وطلب الرزق والعيش عن الانزواء لإبداع الواقع المأمول، بعيدا عن منطق الربح والخسارة ، هذا الصدق والصفاء  يجعل المشاهد للوحة الفنية  يسرح نحو آفاق بعيدة، أما اللوحة الثانية فهي تعكس رؤيته لمدينته بعين أخرى لكن شتان ما بين خيال الفنان وواقع الحال.

وغير بعيد عن هؤلاء الفنانين الثلاثة، الذين يشكلون الجيل الأول الذي تعلم أبجديات الرسم في المدارس الاسبانية، يعتكف الشاب لحسن …. في صمت مطبق و بجديته المعهودة ، محاولا نقل اهتمامات جيله وتعقيدات الحياة عبر لمسات تكعيبة تتداخل فيها الخطوط الحادة والصرامة كحدة الواقع المعاش، وبألوان ابتدعها الفنان لنفسه كالأخضر الغامق أو الأصفر الباهت، يتيح لنا هذا الفنان التسلل الى خبايا اللوحة فتدهشنا الأسرار الكامنة في ثناياها إلى درجة يجعلك تبحث عن نفسك في اللوحة، وفي موضوع ثان تضمنته اللوحة الثانية، وبشجاعة متناهية يقتحم الفنان لحسن عالم الحرف العربي فتخال نفسك أمام لوحة للفنان الراحل الحريري، أو لوحة لفناني مدينة أصيلة في موسمهم الصيفي.

وأخيرا، وليس آخرا وقد تعمدت إدراج هذا الفنان في آخر هذا المقال لأنه فاجئني بلوحته الهادئة التي تحاكي الطبيعة بسلاسة و تناغم بين كل مكوناتها بشكل مثالي، وربما ذاك هو المكان الذي يبحث عنه الفنان عبد الله عيا ليعيش فيه ويأتيه الزوار من كل حدب وصوب، ليقاسمهم فرحة اللحظات وسعادة الأماسي بعد غروب الشمس، وفي انتظار ذلك فانه يكتفي حاليا باستكمال تحفته الفنية “مطعم Nomades “، الذي يأمل كل من مر من أمامه أن يحظى بأمسية شاعرية في احضانه مستمتعا بموسيقاه الهادئة وبأطباقه الشهية على ضوء الشموع.

أمام هذه الإبداعات، لا يسعني إلا أن أقول لكم طوبى أيها الفنانون، لأنكم اكتشفتم نبع الصفاء، وجسدتموه كما شئتم، ونحن لا نملك إلا أن نجاريكم، لعلنا نطهر أرواحنا مما علق بها ونكحل عيوننا بوهج الألوان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق