اختبارات البكالوريا أم اختبارات زجر الغش؟

تطرح الواقعة الأليمة لانتحار تلميذ بمدينة الدار البيضاء مجموعة من التساؤلات المرة على النظام التعليمي المغربي وبالأخص على طريقة تدبير اختبارات البكالوريا.

هذا الاستحقاق الوطني الذي تعيش رهابه الأسر المغربية، أمهات وآباء وليس فقط الأبناء، أصبح للأسف الشديد يجري ما بين مطرقة قانون زجر الغش وسندان اللجن المكلفة بزجر الغش محليا وإقليميا وجهويا لدرجة فُقدت معها البوصلة وأصبح كل متتبع أو مشارك في هذه العملية لا يدري هل الوزارة بصدد تنظيم الاختبارات الاشهادية للبكالوريا أم على العكس من ذلك بصدد شن حملات تطهيرية و حروب أمنية ضد ″ الغش والغشاشين ″.

والضحية دائما وكما المعتاد هي التلميذ المغربي.

السؤال الأول : من الذي أنتج هذه الظاهرة السلبية؟ أي الغش في الامتحانات.

الجواب البسيط والذي يعتمد على التفسير الأخلاقي لكل شيء يقول بان التلميذ هو المسؤول الأول عن تفشي الغش في الامتحانات، وبالتالي فيجب ردعه ومعاقبته.

لكن، وبالنظر إلى الأبحاث العلمية المتراكمة منذ القرن السادس عشر إلى اليوم حول الأنظمة التربوية والتعليمية في العالم، والتي لا يجادل فيها إلا جاهل، فجميع هذه الدراسات تجمع على أن التلميذ هو في الأخير نتاج لمنظومة تربوية معينة يعكس بفشله فشل تلك المنظومة وبنجاحه نجاحها من ألفها إلى يائها.

بمعنى آخر، فالنظام التعليمي هو الذي يفرز التلميذ وليس العكس.

الأولى إذن محاسبة الأصل لا الفرع، أي النظام التربوي بجميع أبعاده السياسية والإدارية والاقتصادية والقانونية.

ولتقريب الصورة أكثر، فعندما تطرح شركة أو مصنع ما منتوجا في السوق تظهر فيه بعض العيوب أو انه لا يحترم المعايير الأساسية المعمول بها، فمن نحاسب في هذه الحالة؟ هل نرمي بكافة اللوم على المنتوج أم نرجع إلى الشركة أو المصنع؟ لا حاجة للجواب.

لماذا إذن يعاقب التلميذ لوحده، ودون غيره؟

ولماذا سن قانون زجر الغش بعيدا عن أسوار المؤسسات التعليمية وكأن التلميذ مواطن على درجة عالية وكبيرة من الوعي القانوني والإداري؟

ولماذا ترصد كل هذه الميزانيات الضخمة لهذه الحملات التفتيشية عوضا عن صرفها على التلميذ وعلى المشاريع التربوية التي تلامس الواقع التربوي مباشرة؟

ولماذا لم تتم محاسبة المسؤولين بالوزارة عن تبديد المال العام وعن البرامج الفاشلة التي أوصلت النظام التربوي إلى الحضيض والى المراتب المتأخرة في العالم؟

لماذا السكوت على هذه الوضعية المتردية طيلة عقود من الزمن؟

متى سيتم التعامل الجدي والمسؤول مع ملف التعليم من طرف الأحزاب والنقابات بعيدا عن الحسابات والمزايدات الضيقة التي ارتهنت المغاربة منذ الاستقلال إلى اليوم؟

متى سيتم التخلي عن سياسات ذر الرماد في العيون، كحملات ما يسمى بزجر الغش، لمباشرة التغييرات الحقيقية في النظام التربوي؟

أسئلة كثيرة وكثيرة جدا نطرحها في ظل تحديات كبيرة، داخليا وخارجيا، تواجه المغرب و لا يمكن الوقوف أمامها بنظام تربوي وتعليمي ضعيف لا ينتج إلا الأزمات الواحدة تلو الأخرى.

 

محمد ازرور

رئيس الجمعية المغربية لأطر التوجيه والتخطيط التربوي

فرع سيدي افني.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق