حتـــى لا ننســـى الصحفــــي المرحوم إدريس أوشاكــــــور ..

ادريس

ولد إدريس أوشكور بتاوريرت وبنارن جماعة تاسريرت وترعرع بها وأنهى دراسته بتافراوت، ولم يغادرها إلا لإستكمال الدراسة والتكوين، وكان إدريس أوشكور رحمه الله، من العملة النادرة في مجالات اشتغاله في الصناعة التقليدية والصحافة معا، فكان قليل الكلام وكثير الإستماع، كما كان كثير القراءة والكتابة باللغة الفرنسية، إلى درجة أنه ينافس أبناء موليير في لغة أجدادهم، وقد تعرفه عدة منابر إعلامية ممن كتب لها، بغزارة إنتاجه الصحافي، عضو مكتب نادي الصحافة بتيزنيت والكاتب بموقع تيزبيرس وتبقى جريدة ليبيراسيون الصادرة بالدار البيضاء، أكبر هذه المنابر التي أغنى الرجل صفحاتها وأمتع قراءها بمقالاته الصحافية ذات المبادئ الإنسانية النادرة، والتي كان إدريس يجسدها بصدق ولا يتعب من تجسيدها إلى أن وفته المنية.

كان أبو وليد، يتابع قضايا تافراوت وإقليم تزنيت وسوس بدقة غير متناهية، وعند قراءة مقالاته الإخبارية والتحليلية تشتم من خلالها انتماءه الصادق للمنطقة، ويتأثر إدريس رحمه الله،لمجرد ذكرها.

إنسان غيور على بلده وبلدته، حنون على أبناء جلدته، محارب جسور عندما تشتد الحرب، ومتسامح عندما تضع أوزارها، لم يترك مشكلة إلا وتحدث عنها بتافراوت، رغم أنه لا يتنقل للبحث عن الخبر، لأن له مصادره الموثوقة في كل مكان، ولعل سر نجاحه يكمن في كتم أسرار المخبرين الحاملين للخبر، في مدينة يصعب فيها حتى نقل الخبر المنشور.

للصحفي إدريس أصدقاؤه كما له أعداؤه كذلك. أصدقاء بكوا يوم فراقه، وأعداء وإن فرحوا فلن تدوم فرحتهم، لم ينخدع إدريس يوما بالحياة. عاش لحظاته يراهنها باستمرا، ويواجه تحدياته الواحد تلو الآخر، ويرضى بما تأتيه به لأنه يعرف مسبقا أنه لا تمنحه إلا ما يريد هو أن يناله منها. رجل الرهانات والتحديات. بحث في الحياة على ما هو صعب المنال، وصعب التحقق، أن يكون كما هو ويحتفظ بأصالته ويفردها خارج التنميط والقولبة، التي عادة ما يخضع لها الآخرون باسم الحياة والإنتماء إلى المجموعة.. لا يتجمل كي يقبل به الآخرون بينهم، لا يجامل كي يرضى عنه الآخرون. خصاله كثيرة، وأبرز خصلة لديه تمرده ورفضه الإنصياع للظوابط والإكراهات، التي قد تقيد حريته.

لم ينخدع بالحياة، لكنه كان سهل الإنخداع بمن حوله. وفاؤه لقناعاته ولمنظوره للحب، للصداقة، للعشرة، للأخوة، للروابط الإنسانية، هذا الوفاء الراسخ والخاص يجعل منه فريس سهل الخداع. والنمر المصارع ما يلبث يتحول إلى ظبي خائف يبحث عن الحماية.

عاند الحياة. والحياة عاندته. اختار ركوب تحدي خطير حتى وهو يدرك أنه من الصعب أن يربح رهان معاندة الحياة. الإختبارات الحياتية تتوالى، اللاحق أصعب من السابق، وكان آخرها اختبار المرض. كان يسقط، وينهض. يكبو ويعاود ركوب صهوة العيش. وهو أكثر قوة، أكثر تشبثا بالعناد، أكثر عزما على الحفاظ على نفسه كما هو، أكثر راغب في مواصلة التحدي كطفل يهوى إخراج لسانه تحديا للبالغين..

أشد ما كان يكرهه هو التباكي ودر الإستعطاف. كان دائم الإبتسام. يحب الحديث في كل شيء ومناقشة كل المواضيع.

القلم بين يديه، كان يتحداه. ولا ينصاع له إلا حينما يعن له نفسه بذلك، فيكتب وحينما ينطلق في الكتابة فإنه لا يكتفي بملأ بياض الورق كما قد يفعل الكثيرون ليقولوا أو يكرروا كلاما مشروخا بل يطرح أفكارا ويثير مواضيع للنقاش..

هذا هو إدريس أوشاكــــــــــور، الصحفي، كما أعرفه وكما يعرفه عديدون ممن عاشوا معه تجربة صحافي مميز.

لن ننساه أبدا إنه يسكن جوارح عدد من أحرار تافراوت. كسب حب الناس بجميع مستوياتهم باستثناء من فضحهم طبعا.

بالفعل تافراوت فقدت صوتها، وفقد البسطاء والمهمشون من كان يدافع عن قضاياهم، بكل وجدانه، ومنذ نعومة أظفاره، “ييويس نتمازيرت”، لم يهجرها أبدا رغم الفرص، في متجره البسيط، يكتب حين يقل الزبناء آلام البسطاء، لأنه يقترب منهم دائما ليستمع إلى أنينهم، كان نزيها ومحبا للصراحة، ينتقي الأصدقاء ويعاشر البسطاء، يئن لأنين اليتامى والمرضى والأرامل والمهمشين، رجل هادئ ووسيم، صديق مخلص، لم يخذل أبدا هذه المنطقة اقتذاء بأسود تافراوت العتيدة.

قلمه إبرة ورمح وسيف، قلمه حب وعطاء ودرس، لم يظهر أبدا في كتاباته أي انتماء، إلا الإنتماء لتافراوت، أحبه من يعرف قدره، ولو اختلف معه.

اليوم نقول أن تافراوت رعاها أسدان واحد في السفح يراقب والآخر كان امامه يكتب.

إنك لم تمت، بل ستبقى حيا في قلوب الأوفياء، في ذكريات الأطفال، مهدت الطريق رغم أنه مازال شاقا، رحمك الله يا إدريس.

بقلم محمد الديواني – تيفاوتــبريس

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. صدمت وأنا أقرأ الخبر معتقدا في البداية أن الأمر مجرد تشابه في الأسماء ولم أتأكد من وفاة المرحوم ادريس إلا بعد أن انتهيت من قراءة المقال وأنا لا أزال مصدوما من الفاجعة. نعم إنها مصيبة أن نفقد رجلا من طينة ادريس يشكل عملة ناذرة في ربوع سوس . تعرفت الى المرحوم ادريس منذ أيام الطفولة ونحن زملاء الدراسة باعدادية الأطلس في بداية ثمانينات القرن الماضي حيث كا ن نجم القسم بل الإعدادية كتلميذ متخلق مقبل على التعلم وقراءة روائع اللغة الفرنسية بنهم حتى إن لغته الفرنسية الراقية تستعصي أحيانا كثيرة على أساتذتنا فتراهم يستنجدون بالمعاجم لفك رموزها. خيبتي أيضا كبيرة لأنه لم يتسن لي أن التق بصديقي ادريس منذ افترقنا عند رحيلنا من تافراوت الى تيزنيت حيث الثانوية مع أنني صرت أتابع باهتمام كتاباته الرائعة بجريدة ليبراسيون . رحلت الى تافروات لمرات عديدة للقيته إلا أن الحظ لم يحالفني قي ذلك مع الأسف. الآن وادريس يغادرنا فإن روحه تسكن في وجداننا وفي جبال وواحات تافراوت العزيزة.
    يمكن لك أن ترقد في سلام أيها المحارب الشامخ شموخ أسد تافراوت لأن ذكراك في كل القلوب والأمكنة .رحم الله الفقيد وتغمد أهله الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق