“عيد العرش” .. سِحْرُ الحسن الثاني ونداء “شعبي العزيز”

لم يكن يخطر على بال المغاربة أن يحل شهر مارس من كل سنة دون أن يجعلوا من شوارع المدن ومدارسها وساحات القُرى والمداشر مساحات زاخرة بالألوان والأعلام وسعف النخل احتفالا بعيد “تربع الحسن الثاني على عرش أسلافه الميامين”.

تُعد العُدة للاحتفال باليوم الذي خصَّ له المغاربة “قصيدة زجلية” من بيتين يقولان “هذا هو عيدنا..والله ينصر سيدنا”، قبل شهور من حلوله؛ ذلك أن الأساتذة والمعلمين كانوا يعمدون إلى تدريب التلاميذ على الأغاني الوطنية والمسرحيات الملحمية، كما يلجأ الفلاحون إلى تخصيص عجل أو خروف وتسمينه استعداد لليوم الموعود.

تلبس المدن والقرى المغربية حلة جديدة من الأعلام الوطنية وتزين مداخلها والمحلات بسعف النخل (الجْريد)، ويعمل الآباء على شراء ملابس جديدة لأبنائهم وبناتهم؛ فيما تنصب الخيام في كل الساحات وتنتشر الفرحة والفرجة، ما بين مسرحيات الأطفال وفرق فلكلورية وشعبية و”تبوريدة” تغني فعاليات “المْواسْم” التي تنتظم جنبا إلى جنب مع الاحتفالات الرسمية المقامة من طرف المسؤولين من قياد وولاة وعمال ومنتخبين.

تحكي مليكة.ف، البالغة من العمر 57 سنة، أن بيت أسرتها كان على موعد كل 3 مارس مع استقبال أفراد العائلة، ونصب خيمة كبيرة تجمع أصدقاء والدها وأعمامها، حيث تقام احتفالات يذبح خلالها عجل يسهر الوالد على تسمينه طيلة السنة، يطعم التجمع الكبير، بالإضافة إلى الفقراء والمحتاجين، مضيفة: “لا يمكن أن نتصور عيد عرش دون احتفالات ضخمة، وملابس جديدة وتجمعات كبيرة”.

وتعود المتحدثة بكثير من الحنين إلى أيام الاحتفال بعيد العرش، قائلة: “كان عيدا حقيقيا للصغار والكبار، يستعد كل المغاربة خلاله للاحتفاء بالملك أولا وأخيرا.. أغان تمدحه وتمجده، وأعلام ورايات على واجهات البيوت والمحلات، وأطفال يرددون أناشيد تتغنى به وتدعو له بالنصر والتمكين”.

الملك و”شعبي العزيز”

ولا يَستوي مرور “عيد العرش” دون أن يطل الملك الراحل الحسن الثاني على “شعبه العزيز” عبر شاشة التلفزيون، مُمسكا بقلمه الذهبي، ومُستعيضا عن الارتجال المعتمد في كل الخطابات الملكية في مناسبات مُغايرة بخطاب مُعد سلفا، يتلوه بكل تؤُدة وثبات.

عام 1983 فاجأ الحسن الثاني المغاربة بخطاب يقول فيه إن “المغرب استقبل صديقنا الكبير وشقيقنا العزيز صاحب الجلالة الملك فهد بن عبد العزيز عاهل المملكة المغربية”، ما ظنه المشاهدون هفوة، ليعيد الملك الراحل التأكيد على توصيفه، مشددا على مكانة خادم الحرمين ومنزلته لدى الملك والشعب المغربي، ليكون الخطاب تاريخيا يسطر على قوة العلاقات المغربية السعودية.

أما الذكـرى الواحدة والثلاثين لتربع الحسن الثاني على العرش فكانت مناسبة ليتلو خطابا طويلا، مذكرا خلاله بالإنجازات والرهانات الممتدة على مدى 3 عقود، قائلا: “تغمرنــا نشوة العزة والفخار بما حققنا معا من منجزات طيلة العقود الثلاثـة الماضية، حيث عملنا لإنجازهـا بإرادة مشتركة وصادق يقيـن، وبعزم لا يكل ولا يليـن”.

وأضاف الملك: “.. كان من بين الإنجازات تحرير الاقتصاد الوطني من التبعية، وإقامة ليبرالية سياسية عن طريق التعددية التي أمسكنا بقصب السبق إليهـــا داخل عالم الجنوب في وقت مبكر. عندما نص دستور سنة 1962 على أن الحزب الوحيد ممنوع، ودستــور سنة 1970 ودستور سنة 1972 على أن الحزب الوحيد نظام غير مشروع”.

وختم العاهل الراحل عن الدنيا قبل 18 سنة خطابه داعيا: “اللهم إنك عليـم بذات الصدور، وأنت تعمل كوامن صدري، وتعلم أني نذرت لشعبي قلبي، وأخلصت له حبي، وأني منذ أوليتني أمره سعيت ـ ما استطعت ـ على إسعاده، وأني ما أزال أطمح إلى أن أعطيه أكثر، وأوفر لـه من التقـدم والنمـاء ما هو أوفر، فاجعل لي اللهم منـك وليا ونصيرا، وقونـي، وكن لي معينـا وظهيرا”.

هسبريس

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق