اعمو ينعي حسن الجندي

تلقيت بعميق التأثر وبالغ الأسى، النبأ المحزن لوفاة المشمول بعفو الله ورضاه، الممثل والمؤلف والمخرج المغربي محمد حسن الجندي الذي وافته المنية يوم السبت الماضي عن سن يناهز 79 سنة.

وبهذه المناسبة الأليمة أعرب لأسرة الفقيد المهنية، ولطلبته ومحبيه وأصدقائه، ولكل أقاربه وذويه، عن أحر التعازي وخالص عبارات المواساة مقدرا فداحة الرزء في رحيل أحد أبرز رجال الشاشة وخشبة المسرح الذين أنجبتهم بلادنا.

إن هذا المصاب الجلل هو خسارة للإبداع الفني المغربي والعربي ككل، حيث تفوق الفقيد في أعمال كثيرة منها فيلما “الرسالة” الشهير للمخرج السوري الراحل مصطفى العقاد، و”القادسية” للمخرج المصري صلاح أبو سيف، ومسلسل “آخر الفرسان” مع المخرج السوري نجدت إسماعيل أنزور، ثم مسلسل “الخنساء” حيث أدى دور صخر، إضافة إلى مسلسل “فارس بني مروان” ثم مسلسل “عمر” الذي أدى فيه دور عتبة بن ربيعة. ومن أعماله التلفزيونية رحمه الله مشاركته في مسلسل “صقر قريش” لوليد سيف وإخراج حاتم علي، والذي لعب فيه دور الأمير يوسف الفهري أمير قرطبة.

كما فقدت الساحة الفنية الوطنية فنانا واسع المدارك متعدد المناقب، حيث سبق لمحمد حسن الجندي أن عمل بإذاعة “بي بي سي” البريطانية بالسبعينيات في لندن معدا ومقدما لبرنامج “كشكول المغرب” . كما ترأس مندوبية الثقافة الجهوية بمراكش من 1992 إلى عام 1999. واشتغل محاضرا في مادة الإلقاء بالمعهد العالي للتنشيط الثقافي والفن المسرحي في الرباط. كما اشتغل الراحل كذلك في مجال الإنتاج بتأسيس شركة جندي للإنتاج الفني، وأنتج عبرها مسرحيات “شاعر الحمراء، المتنبي في جامع الفنا، وفيلم “ثعلب أصيلة” وغيرها من الأعمال الفنية.

فأبان رحمه الله خلال مساره المهني عن كفاءة مهنية عالية ومعرفة علمية وخبرة واسعة، نالت الإشادة داخل وخارج الوطن، حيث نال الراحل خلال حياته المهنية عددا من الأوسمة، منها وسام الثقافة من جمهورية الصين الشعبية، ووسام “عملة باريس” من مركز العالم العربي بباريس عام 1999، كما حصل على “نجمة مراكش” بالدورة الثانية من مهرجان مراكش الدولي للفيلم.

وبعد رحيل عدد من رموز الإبداع المغربي في المسرح والسينما من أبناء جيله، مثل أحمد الطيب لعلج والطيب الصديقي، رحل اليوم محمد حسن الجندي كأحد “آخر الفرسان” … وليس منا من لم يسمع أو يتذكر صوته الجوهري الرائع والمتميز عبر الشاشة وأمواج الإذاعة ومنها ملحمة الأزلية (سيف ذو يزن)، حيث ارتبط اسمه، رحمه الله، بقوة اللغة العربية الفصيحة والصرامة في الأداء والإلقاء، وقد استطاع أن يبني جسورا فنية راقية بين المغرب والمشرق من خلال أعمال فنية خالدة، سيكون من المفيد إعادة تقديمها للجمهور المغربي بمناسبة رحيل هذا الهرم الفني المتألق.

كما خسرت بلادنا إنسانا وفنانا متشبثا بوطنيته، ومدافعا مستميتا عن القيم المثلى للإنسانية معروفا بتبنيه للقضايا الفكرية والسياسية المناهضة للعنف والإقصاء ومدافعا عن قيم العدل والحرية والكرامة. وارتبط اسمه رحمه الله، مثل عدد كبير من الفنانين المغاربة والعرب، بالدفاع عن القضية الفلسطينية في إبداعاته، ونصرتها كقضية تحرر عادلة لا تقبل المساومة.

وكان نموذجا للإنسان المتواضع وللفنان اللطيف والمؤدب والمنفتح على الجميع. وحول تصوره للهوية قال رحمه الله – إن لم تخني الذاكرة – “أنا أمازيغي وإفريقي وعربي ومسلم. ولا أتسامح في أصالتي ولا في ديني ولا في ثقافتي…”

وإننا إذ نستحضر بهذه المناسبة الأليمة، هذا الرصيد الفكري والإنساني، للراحل محمد حسن الجندي، الإنسان، والفنان والمؤلف. وما كان يتميز به الفقيد من معرفة فكرية غزيرة ومن خصال إنسانية عالية. نحيي فيه، رحمه الله، وفاءه للمثل العليا، ووطنيته وسمو أخلاقه. ونرجو من العلي القدير أن يوفي الفقيد الكبير أحسن الجزاء، على ما أسدى للوطن من خدمات جليلة، وأن يتقبله في عداد الصالحين من عباده، ويشمله بمغفرته ورضوانه، ويسكنه فسيح جنانه.

وإذ نشاطر، أقارب الفقيد ومحبيه، أحزانكم في هذا المصاب الأليم، الذي لا راد لقضاء الله فيه، نسأل الله عز وجل أن يلهم أسرته المهنية والأكاديمية وأقرباءه وذويه جميل الصبر وحسن العزاء.

عبد اللطيف أعمو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق