يوميات صيفية من تيزنيت (9) : طقوس السهرات الفنية بتيزنيت.

IMG-20160731-WA0007

على الرغم من أنني لست من هواة السهرات الصاخبة و التجمعات البشرية الكبيرة ، قادتني الصدفة أمس لحضور بعض أطوار السهرة الثانية للمهرجان المقام بتيزنيت هذه الايام . سهرة فنية على غرار كل السهرات التي تقام في أي مكان أو زمان : أصوات صاخبة ، أنوار و أَضواء مثيرة و جمهور غفير . هذه هي مقومات أية سهرة فنية و قد توفرت لمنظمي المهرجان و ضيوفهم .
غير أن ما يبدو على أنه تجمع بشري عادي لحضور حفل فني و مشاهدة فنانين لأول مرة ، هذا كله يخفي مجموعة من الطقوس و الممارسات الخفية و التي تعكس المستوى الفكري و الاجتماعي للجمهور . ممارسات غريبة و طقوس خيالية ساحاول ابراز البعض من ما احتفظت به الذاكرة المرهقة من سهرة أمس.
ما ان تلج الساحة الكبيرة ( المصلى يوم لعيد) حتى تجد أمامك تنوعا بشريا رائعا : نساء ـ رجالا – شبابا – فتيات – أطفال و شيوخا ، الكل طردته حرارة المنازل لتقدف به الى طريق أكادير حيث الفرجة . كل هؤلاء تجد البعض جالسا على الارض أو كراسي من البلاستيك أو واقفين لساعات و ساعات ينتظرون الطلة البهية للمنشطين و الفنانين .
تنتظر كغيرك هناك و قد نلت نصيبك من التدافع و كثرة ” سمح ليا “، تتساءل عن جدوى مجيئك أصلا فتحاول اقناع نفسك أن الجميع جاء هنا لحاجة في نفسه .
ما أن يعتلي المقدمون المنصة حتى يخف ضجيج موسيقى الدي دجي( بالمناسبة برافوا السبتي و بدر الدين). يبدأ العرض الاول و هنا يبدأ الهرج و المرج لأن جمهورنا لا يفرق بين الموسيقى و الرقص فتجد البعض يرقص رقصات غريبة على نغمات لا تتوافق مع حركاته : المهم الشطيح.
شباب يبدو من قصات شعرهم و ملابسهم أنهم في طريق التشرميل ، بعضم ربما لا يتجاوز عمرهم الخامسة عشرة . رؤوسهم أشبه بلوحة فنية من كثرة الاشكال الهندسية التي تفنن الحلاقون في رسمها. مفردات بعضم يشمئز منها المرء خاصة المرافقين لذويهم و عائلاتهم : سب وشتم بأبشع النعوت بينهم و تدافع يطال الفتيات و النساء .
نوع أخر من مرتادي السهرات الفنية ، هو فئة المتحرشين جنسيا . فهذه الفئة تعتبر اي امرأة أو فتاة مشروع قصارة أو “همزة” بمفهومهم .تبدأ اشارة الغمز و اللمز و طلب أرقام الهواتف بشتى الوسائل. حشوما . أشخاص يملكون وجوها من الزنك أو القصدير، فعوض توجيه كاميرات وجوههم نحو المنصة تجدهم يتسمرون في مواجهة امرأة و بناتها أو مجموعة من القاصرات . غير أن هذه فئة المتحرشين لا تقتصر فقط على الذكور دون النساء. فهناك فتيات و نساء جئن الى السهرة من أجل اصطياد فريسة أو فرائس محتملة . حركاتهن و سكناتهن تدب عليهن و لا يجدن حرجا في الحديث الى هذا أو ذاك مع بعض التمييز : فالبراني “الغريب” أولى من اولا البلاد هذه الايام .
تستمر السهرة بصعود الفنانين الواحد تلو الأخر، و هنا تظهر فئة أخرى بعد أن أعطت الخمرة مفعولها . فيبدأ مسلسل أخر من الفرجة . تجدهم فرادى و جماعات يتنقلون بين الجمهور غالبا ما يترنحون و ينطقون كلاما عير مفهوم و بين الفينة و الاخرى يرددون ما يغنيه المغنون .و كأنهم يريدون اظهار انسجامهم مع ما يحيط بهم . يدفع أحده واحدا من الجمهور فتبدأ المشادات الكلامية و السب و الشتم و العراك الذي غالبا ما ينتهي في سيارات الامن . المثير في الامر أن تجد من بين السكارى قاصرين . أين الاباء و أولياء الامور؟ أم أنكم ستلصقونها مجددا في المدرسة ؟
أما فيما يخص المفردات المتداولة داخل فضاء السهرة فقد تجعل المتمعن فيها يفقد صوابه للحظات و فيما يلي بعض ما استرعى انتباهي : ” هز يديك الفوق” ” فوق الشواية ” ” الله اينعل …….موك” “وتا سير ت……….” ” بالصحة و الراحة ” ” واش وصلاتكم النغمة” ” نغنيوها كاملين” ” واش كاينين” ” ايمازيغن ” ” كنتي راجل تبعني لبرا” ” سير يا الز…………” ” سيري يا ال…….” كلها مفردات و مصطلحات تشنف اذان الحاضرين و تعطيهم صورة رائعة عن و عيينا و مستوانا الفكري.
خارج الساحة و بعيدا عن كل هذه المظاهر القديمة الجديدة ،و في الجهة المحادية للطريق الوطنية رقم 1. تجد مجموعة من العربات المتنوعة ، المأكولات و المشروبات ، الهندية و أصحاب العصير. هؤلاء يستحقون قليلا من الرواج هذه الايام فالدخول المدرسي و العيد على الابواب .قد يتعرضون للمضايقات بين الفينة و الاخرى غير أن ذلك لا يمنعهم من جني بعض الدراهم لأداء مصاريف الحياة اليومية .
تنتهي السهرة و تتدفق افواج بشرية نحو الشارع الرئيسي مع ما يشكله ذلك لرجال الامن من حيث تنظيم المرور . تستمر نفس الطقوس من تحرشات و مضايقات على طول الشوارع الرئيسة هذه المرة من أصحاب السيارات . حيث أن اي شخص يكتري سيارة يعتبر نفسه في قمة الهرم الاجتماعي و يحاول مضايقة الاخرين : غدا ترجعها و تجي تكمش حدا الشعب فلا داعي للغرور .
يعود الكل الى بيوتهم و يبقي رجال الامن و السلطات المحلية ساهرين على أن يمر الكل بسلام و يصل الجميع الى بيته سالما . وتبقى الازبال التي خلفها الجمهور لرجال النظافة الذين يستحقون أن يشكروا أثناء شكر المدعمين و الساهرين على التنظيم .
مجرد ملاحظات .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق