ليلة القبض على الأقلام المتمردة. بقلم:سليمان لبيب

pen

كعادتها حينما تكون شوارع المدينة مفعمة بالأحداث الجديدة ،تجتمع الأقلام المشاغبة السبعة في شقة ريسون شحنون بعمارة الزيزفون زقاق حيدرشقندي بمدينة سيسبان المطلة على بحر هيزبار العظيم، وفي إحدى الليالي الباردة التأمت المجموعة في لقاء طارئ لكون أحد الأقلام البارزة في المدينة تعرض لمحاولة اغتيال نجا منها بأعجوبة من طرف عصابة مجهولة وهو في طريقه إلى إحدى المنابر الإعلامية التي استدعته بمناسبة إصدار ديوانه الشعري الجديد(كواكب تغتال تحت ضوء القمر)،فكان الحوار بين أفراد المجموعة القلمية هذه المرة شديد اللهجة لأن الأمر يتعلق بأحد أعضائهم الذي كان من الممكن أن يغادرهم إلى الأبد، لولا تدخل صرخة طفلة صادفتها الأقدار بجانب الطريق ،مما عرقل عناصر العصابة من إتمام عمليتهم الإجرامية.فكان موضوع الإبداع في علاقته بحرية التعبير هو المسيطر على زمن النقاش الساخن رغم برودة الطقس داخل الغرفة،لأن هذا المنتدى يجمع بين خلفيات ومرجعيات مختلفة،فاختلط في مكان واحد شيعي، مع سلفي، مع حداثي، مع ملحد، مع علماني …وفي كثير من الأحيان تشتد الخلافات تبعا للمحددات الثقافية والفكرية لكل واحد، فتثار مع كل نقطة في الحوار ثائرة معركة كلامية خطيرة تكاد تؤدي إلى نسف اللقاء ،لولا تدخل أحد الحكماء من حين لآخر من أجل امتصاص غضب زملائه عبر نكت طريفة بغاية المرح واسترجاع أجواء الهدوء إلى القاعة التي تنبعث منها أصوات تكاد تزعج الجيران في الشقق المجاورة من العمارة.تحول اللقاء إلى محكمة أدبية ،كان المتهم فيها هو حرية الإبداع والقاضي هو المبدع مما جعل المحاكمة شيقة في مرافعاتها ومداولاتها،فالبعض يرى أن الحرية التي يحتاجها الإبداع إنما هي حريتان،حرية من الخارج ،أي تحرر المثقف من قمع السلطات الثلاث، الحكومية،والدينية،والمعرفية،وهذا يعني أن الديموقراطية هي حاضنة الإبداع الثقافي،وحرية أخرى من الداخل،وهي تعني قابلية المثقف على تحرير نفسه من زنزانات الموروثات والمشهورات والمألوفات، وهذا يحتاج إلى أن يعيش المثقف قلق الإبداع والتجديد،وأن يعيش في العمق روح التمرد وتكسير المألوف،في حين ينظر البعض الآخر إلى الإبداع من زاوية المسؤولية وإن كانت تمثل قيدا من قيود الحرية،إلا أنها ينبغي أن تنبع من الداخل ،ولا تفرض من الخارج بأدوات القمع الخارجي بمختلف تلويناته ومرجعياته،فكان النقاش ملتهبا بين المؤيدين لفكرة التحرر الكلي من قيود الذاكرة المعرفية ،والمترددين بين التجديد الجزئي والتمسك بالثوابت دون المساس بالخطوط الحمراء ،مما أفضى إلى خلافات حادة تسلل دخانها إلى الجيران الذين نفد صبرهم، إثر الضجيج الذي غيب عنهم سكون الليل وطمأنينة السبات ،فبادر أحدهم إلى استدعاء رجال الأمن الذين حضروا على الفور،فاقتحموا الشقة،ليجدوا المجموعة في حالة تلبس وهم يناقشون المحظور من الكلام دون ترخيص مسبق،فأمسكوهم إلى مخافر الشرطة للتحقيق معهم قبل إحالتهم على المحكمة الزجرية ،لمتابعة فصول هذه المحاكمة التي قدر للمبدع فيها أن يحاكم مرتين ، في الأولى من بني جلدته في الشقة رقم5 والثانية لدى سلطة الرقيب التي ينتظر الجميع فصولها ،آملين أن تكون نزيهة ومنصفة حتى يتدفق حبر القلم من جديد ليزيل غمامة العقم في المشهد الثقافي المكبل أصلا بسياج من الممنوعات.

                                                            سليمان لبيب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق