الجمعية المغربية لحقوق الإنسان.. ديمقراطية على المقاس . بقلم : سناء العاجي

hqdefault

حسني مبارك ديكتاتور عظيم، لأنه كان يغير القوانين والدساتير لكي يحافظ على كرسيه. بنعلي أيضا كان يفعل ما يشاء بالدساتير لكي يضمن بقاءه على العرش الرئاسي. حافظ الأسد غيّر الدستور السوري لكي يضمن لابنه مكانا في سلسلة توارث العرش على الطريقة الجمهورية. الحسن الثاني أيضا لم يكن يحترم الدساتير ولا المؤسسات. ومحمد السادس انقلب على المنهجية الديواقراطية حين عيّن ادريس جطو وزيرا أولا سنة 2002 رغم أن “الاتحاد الاشتراكي” (أيام كان “الاتحاد الاشتراكي” طبعا) حصل حينها على المركز الأول في الانتخابات التشريعية.

كل هؤلاء يستحقون الانتقاد الشديد لعدم احترامهم للقوانين والمؤسسات والدساتير…

إلا الجمعية المغربية لحقوق الإنسان… وحدها يمكن أن تغير قوانينها وتصوت في مؤتمرها على مقرر تنظيمي “استثنائي” يغير القانون الداخلي للجمعية، لكي يصبح بإمكان عضوين هما الطيب مضماض ومحمد الهايج، إعادة الترشح لولاية رابعة في اللجنة المركزية، في أفق انتخاب الهايج رئيسا جديدا للجمعية ومضماض أمينا عاما. لتحقيق هذا الهدف “الاستثنائي” النبيل، لا بأس إذن من إصدار مقررات “استثنائية” تغير القوانين الداخلية… من أجل عيون “نهجنا” الديموقراطي الرشيد.

هذا المقرر التنظيمي “الاستثنائي” يُمَكِّن إذن من تمديد عمر المكتب المركزي واللجنة الإدارية لولاية رابعة، خلافا لما تقره المادة 12 من القانون التنظيمي للجمعية والتي تحدد الترشح لعضوية المكتب المركزي في ثلاث ولايات فقط… لكننا نريد الرفيق الهايج والرفيق مضماض. وهذا يعطينا الحق في أن نصدر المقررات الاستثنائية… بشكل ديمقراطي.

أتساءل طبعا ماذا كان سيحدث لو فعلها محمد السادس مثلا… ماذا كان سيحدث لو فعلها حزب من الأحزاب؟ “التجمع الوطني للأحرار” أو “الأصالة والمعاصرة” أو “الاتحاد الدستوري” أو غيرها… لست أذكر “العدالة والتنمية”، ليس لأنه أكثر ديموقراطية؛ بل فقط لأن الأمانة العامة للحزب الذي يقود الإئتلاف الحكومي تتدارس على ما يبدو تمديد ولاية عبد الإله بنكيران، ليس لولاية ثالثة كاملة بل لسنة واحدة فقط… هكذا، من المتوقع أن تدعو الأمانة العامة البيجيديين لمؤتمر استثائي في يونيو أو يوليوز المقبلين، لتجديد ولاية عبد الإله بنكيران لسنة واحدة فقط… يفوز خلالها الحزب بالانتخابات وبنكيران برئاسة الحكومة… ثم نعود للديمقراطية… غير بالشوية علينا… وفي القفز على القوانين للاحتفاظ بالكراسي يلتقي اليساري والإسلامي والحداثي والليبرالي والملكي.

هذا طبعا لا يعني قبولا لهذه الممارسة من أطراف دون أخرى. في النهاية، فهي ممارسة غير ديمقراطية مهما كان الفاعل. وهذا لا يعني أيضا القبول بالضغوطات التي تمارَس في أحيان كثيرة ضد الجمعية المغربية لحقوق الإنسان لأننا، مهما اختلفنا معها، فهي تبقى فاعلا أساسيا في النقاش الحقوقي والديمقراطي في المغرب. لكن، على الجهات التي تنادي بقيم معينة حتى تبح أصواتها، أن تشبه نفسها على الأقل.

المشكل أن بعض الأحزاب وبعض الأشخاص وبعض الجمعيات تعتبر نفسها فوق كل الانتقادات؛ وفوق القوانين والمؤسسات. تغير قوانينها الداخلية وتنظم مؤتمرات استثنائية تلغي القوانين الداخلية وتقرر ولايات مؤقتة… لبقاء زعمائها في القيادة. وهي نفسها تلك التي تطالب باحترام القوانين والمؤسسات. ألا يقول المثل الشعبي بأن “الجْمل كيشوف غير حدبّة صاحبه”؟

الآن، لنعد للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ولنشر لتفصيل “صغير” آخر يتعلق بالمصادقة على التقرير المالي بالإجماع. لست هنا أشكك في النزاهة المالية للجمعية، بل أطرح تساؤلا يبدو لي مهما: ألا يفترض أن الديمقراطية لا تعني الإجماع، بل التدبير السلمي للاختلاف؟ الإجماع مبدأ مخالف للديمقراطية. لقد كتبت في 31 يوليوز 2014 في هذا الركن بالذات دفاعا عن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وعن نزاهتها المالية. كتبت حينها: “الكثير من المتابعين للشأن الحقوقي والجمعوي في المغرب، قد يختلفون في أحيان كثيرة مع مواقف الجمعية المغربية لحقوق الإنسان. لكننا كثيرون ممن نؤمن بأن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان قد يعاب عليها أشياء كثيرة، إلا عدم النزاهة. وهي في جميع الأحوال ليست مقدسة وليست منزهة عن الانتقاد”. ومن هذا المنطلق بالذات، فإن على الجمعية أن تقنعنا بخصوص سؤال الإجماع، هي التي طالما وقفت في وجه كل أشكال الإجماع السياسي والاجتماعي (عن حق) لأن تأطير الاختلاف هو جوهر الديموقراطية.

نقطة أخيرة تستحق أن نتوقف عندها، وهي تلك المتعلقة بتمثيلية بعض الأحزاب داخل الجمعية. من حق أي عضو في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن ينتمي لهذا الحزب أو ذاك. لكن، حين تعلن الجمعية بشكل رسمي بأن حزبي “اليسار الاشتراكي الموحد” و”الطليعة” حصلا على 14 مقعد لكل منهما داخل اللجنة الإدارية، كما حصل “المؤتمر الوطني” على مقعد واحد بينما باقي المقاعد الستة والستون عادت لحزب “النهج الديمقراطي”، فهذا يعني أن الأمر لا يتعلق بانتماء حزبي فردي لمجموعة من الأعضاء، بل بانتماء أو تبعية رسمية للجمعية، لمجموعة من الأحزاب… هنا يبقى السؤال مشروعا: هل يتعلق الأمر بجمعية “حقوقية” مستقلة، أم بجمعية سياسية يسيرها تيار حزبي معين؟ في هذه الحالة، ألن يكون من الأفضل أن تغير اسمها لـ: “النهج الديمقراطي لحقوق الإنسان”؟ فقط في إطار الشفافية والوضوح الذين تطالب بهما الجمعية.

سناء العاجي

www.ahdath.info

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق