فستيفال تيفاوين في دورته الثامنة يعيد الإعتبار لفنون قروية عريقة أصبحت مهددة بالإندثار

تيفاوين

فستيفال تيفاوين، هذا المهرجان الأمازيغي ذي الأبعاد المتعددة: الثقافية والتنموية التضامنية والإجتماعية والفنية والرياضية، يتميز بكونه من التظاهرات الرائدة على المستوى الوطني التي استطاعت كسب رهان الإستمرارية، وتحقيق النجاح كما وكيف. هذا المهرجان الذي تحدى إكراهات المجال الطبيعي القروي فاستطاع أن يرسخ نفسه كتظاهرة راقية داخل خارطة المهرجانات الوطنية.

كما كان “الإنتصار لفنون القرية” شعارا عملت جمعية فستيفال تيفاوين على بلورته وترسيخه عبر سبع دورات من عمر هذه التظاهرة المتميزة. وذلك من خلال برمجة مجموعة من الفقرات والأنشطة التي تسعى للإنتصار الفعلي والقوي لما جادت به القرية المغربية منذ القدم من فنون وأشكال فرجوية وفلكلورية واحتفالية تعدا موروثا ثقافيا وفنيا ينبغي الحرص على صيانته وتثمينه عبر تسويقه من خلال الفستيفال وإظهاره في أبهى حلة. ومن هذا المنطلق ارتأت جمعية فستيفال تيفاوين التركيز بشكل أكثر عمق على فنون القرية خلال الدورة الثامنة للفستيفال، هذه الفنون التي تتنوع من منطقة إلى أخرى في مغربنا العزيز. فبالإضافة إلى أنواع فن أحواش المعروفة بمنطقة سوس :”الدرست، أهنقار، أسداو، أجماك، العواد”، تمت برمجة مشاركة فرق شعبية تؤدي أنواع أخرى من فنون وفرجات القرية كفن الدقة الهوارية، إسمكان، تاغزوت/الفروسية، الرمى، هرما/بوجلود، إهياضن/أولاد سيدي حماد أوموسى. إلى جانب مشاركة فرقة لرقصة النحلة/تزويت بقلعة مكونة، وفرقة أحواش إمي نتانوت.

وإذا كانت جل هذه الفنون تصارع من أجل البقاء وضمان الإستمرارية وهو الشيء الذي توفقت فيه نسبيا، بفضل مجهودات المجتمع المدني والنسيج الجمعوي والغيورين على صيانة الموروث الثقافي والحضاري. فإنه مع ذلك، نجد من بين هذه الفنون القروية العريقة هناك فنين أصبحا اليوم مهددان بالنسيان والإنقراض بسبب عوامل عدة، وهما فني أحواش بوجلود، وفرجة الرمى. فالأولى رقصة شعبية معروفة بالأطلس الصغير الشرقي، كان شباب القرى وشيوخها يؤدونها خلال احتفالات عيد الأضحى التي كانت تدوم أزيد من خمسة أيام. وتتميز رقصة “هرما” بإيقاعاتها وألحانها التي تختلف عن إيقاعات وألحان رقصة أحواش، رغم أنهما من حيث الشكل يتشابهان، فالراقصون يتموقعون في شكل دائري، ويلبوسون  الجلابيب البيضاء، ويؤدون حركات منسجمة ومتناسقة بحضور “هرما” وهم رجال يلبسون ويغطون وجوههم بجلود الماعز خصوصا، ويشاركون الراقصين في أداء حركات الرقص. كما تتميز رقصة “هرما” بكلماتها وأشعارها التي تكاد تكون موحدة بين مجموعة من القبائل بسوس، والتي تتمحور أساسا حول المعيش اليومي للإنسان القروي، ووصف فرحته بالعيد، وسعادته بالرقص كتعبير عن تلك الفرحة، وأمله في جودة الموسم الفلاحي. وهي أشعار قارة تختلف عن أشعار رقصة أحواش حيث تحضر المبارزة الشعرية “تنضامت” ويكون مجال الإبداع مفتوحا بين الشعراء. وتختلف رقصة “هرما” هذه، عن كرنفال “بوجلود” الذي مازال ينظم بعدة مناطق خاصة مدينة أكادير وضواحيها، والذي يختلف شكلا ومضمونا عن هذه الرقصة العريقة، غير أنه شكل مستلهم من هذه الرقصة التي هي الأصل. وللأسف الشدديد فرقصة “هرما” اليوم أصبحت معرضة للإندثار، وأصبحت القرى التي تحافظ على هذا الطقس الإحتفالي قليلة، مما حذى ببعض الغيورين عليها إلى تأسيس إطارات للمحافظة على فن “هرما” وكنموذج على ذلك جمعية أيتماتن للفنون الشعبية بإقليم تارودانت، والتي أسست فرقة أيتماتن لفن بوجلود”هرما” وسيتشارك بها ضمن فعاليات الدورة الثامنة لفستيفال تيفاوين.

وإلى جانب رقصة “هرما”، عمدت جمعية فستيفال تيفاوين إلى برمجة فن آخر من فنون العمق القروي المغربي، وهي رقصة يمتزج فيها الرقص والشعر بالرياضة والإستعداد الحربي.

كلمة “الرمى” تدل على “الرماة”، أي المحاربون والمقاومون الذي كانوا يرمون العدو للذود عن ديارهم وأملاكهم. ولأن الإنسان الأمازيغي في القرى والجبال كان رمزا للصمود والمقاومة، فقد ابتدع أشكالا متميزة للتدريب والبقاء طوال الوقت على أهبة الإستعداد لمقاومة العدو. ومن هذه الأشكال الإبداعية، نجد رقصة “الرمى”، التي يؤديها رجال القرية في شكل دائري، وبلباس تقليدي “جلابيب بيضاء” مع حزم  وسطهم بحزام أسود كتعبير عن قيم الحزم، وكإشارة إلى حزمة البارود وحاملة الرصاص, ويحملون بنادق من خشب، ويؤدون حركات سريعة متناسقة ممزوجة بأشعار حماسية ودينية على العموم، ويقود كتيبة راقصي “الرمى” قائد يتبعه الراقصون في أداء الحركات السريعة، ويقوم هذا القائد بمعاقبة رمزية لأي راقص أخطأ في أداء حركة معينة وذلك بجعله أسيرا وسط الساحة “أسايس” إلى أن يفتديه أحد أصدقائه أو أقاربه بفدية رمزية، وقد كانت هذه الفديات تخصص أيضا لميزانية الرماة المحاربون.

وقد أصبح هذا الفن بدوره معرضا للزوال، وقد تنذر اليوم القرى المغربية التي ما زالت تحافظ على تنظيم موسم الرمى حيث تؤدى هذه الرقصة المتميزة، التي لا تنفصل عن موروثنا الثقافي الغني. ومن هذا المنطلق تمت كذلك برمجة مشاركة فرقة تنحدر من إقليم تارودانت لأداء رقصة الرمى لتسليط الضوء عليها والتعريف بها والدعوة إلى المحافظة عليه، انسجاما مع شعار الفستيفال الدائم “الإنتصار لفنون القرية”.

 لحسن السعدي، تافراوت

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق