ماذا نريد أصلا من المدرسة ؟ بقلم ابراهيم الكبوس

إبراهيم الكابوس

ان المتتبع للشأن التربوي المغربي و خاصة الممارسين الفعليين في هذا الحقل المليء بالتناقضات ، سيلاحظون الانتكاسات المتتالية لهذا القطاع الذي حكم عليه بالفشل المقصود منذ سنوات عديدة . فكل اصلاح غير مقرون بإرادة سيا سية و حس وطني عال يبقى اصلاحا مشكوك و بنسبة جد عالية في فشله حتى قبل اتطلاقه .
غير أن الحديث عن المدرسة المغربية و خاصة العمومية منها ، يستوجب البحث و التنقيب عن ا لنظرة الى المدرسة وقيمتها المادية والمعنوية لدى المجتمع الذي تنتمي اليه . فنحن لازلنا لم نحدد وبشكل واضح ماهية المدرسة بل وحتى رمزيتها لدى فئة كبيرة من المجتمع ، كما أن جيوش الثلاميذ الذين يقصدون المدارس صباح مساء انما يقصدونها لان فعل التوجه الى المدرسة أصبح من عاداتهم اليومية تماما كما الأكل و الشرب و النوم و أشياء أخرى . أضف الى ذلك أن الاباء و الاولياء انما يعتبرون المدرسة مكانا يتوجه اليه الابناء لافراغ المنازل تفاديا للضوضاء ، ويعتبرون الاساتذة حراسا عليهم . أما فئة عريضة من المجتمع فلا تذكر المدرسة و المدرسين الا للحديت عن أسباب تخلف البلاد و ينسبون كل ذلك الفشل الى المدرسين وينسون أن تقدم بلد ما لايبنى فقط بالمدرسة وحدها و انما بتظافر جهود المدرسة والاسرة و المجتمع وكافة أطياف المجتمع.
ان المستوى الفضيع الذي وصلت اليه المدرسة المغربية العمومية والخصوصية على حد سواء لايبشر بالخير رغم التهليل و التصفيق تارة هنا وهناك ، فمستوى تلاميذتنا في القراءة والحساب و الكتابة لا يبشر بالخير والكوارث التي نعايشها يوميا خير دليل على هذا المستوى . كم من تلميذ(ة) باستطاعته(ها) كتابة نص بسيط بلغة سليمة وواضحة ؟ كم من تلميذ(ة) باستطاعته(ها) تقديم عرض شفوي بلغة سليمة ؟
أظن أن الجواب لن يتعدى فئة معدودة على رؤوس الاصابع . هذه الفئة التي تصارع من أجل البقاء ومواصلة التمييز في مدرسة مغربية تحمل اسم مدرسة النجاح لكنها غالبا لا تحتفي بالنجاح .
الجزء الكبير من فشل المدرسة المغربية تتحمله الدولة و الحكومات المتعاقبة بسياساتها الغير الواضحة المعالم و الفاشلة ، فمنذ الخمسينات والستينات لم تكن هناك سياسة تربوية واضحة بأهداف واضحة وقابلة للتطبيق. فكل حكومة تأتي إلا وتأتي بسياسة في المجال التعليمي تعيدنا الى نقطة الصفر ليبدأ اصلاح تم ينتهي قبل اتمامه وهكذا الى أن تأتي حكومة أخرى وتبدا اصلاحا أخر دون مراعاة ما تم البدء فيه ليبقى التلميذ و رجل التعليم و المجتمع برمته ضحايا أناس لاتربطهم بالقطاع الا صناديق الانتخابات التي غالبا ما تكون مشكوكا في مصداقية الفائزين بأصواتها .
رجال التعليم ، ورغم تضحيات الشرفاء والشريفات منهم يتحملون أيضا جزءا مهما من فشل المنظومة . فلا تطور للتعليم دون تطور الممارسين في هذا الحقل الهام . تكوين مستمر على طول السنة ، ليس بالضرورة أن يكون مؤسساتيا من طرف الوزارة او النيابات و انما أن يكون تطويرا شخصيا للذات و المعارف التربوية ليس فقط لاجتياز امتحان مهني لغرض الترقية أو لاجتياز مباراة لتغيير إطار. والطامة الكبرى في السنوات الاخيرة أن بعض رجال التعليم أصبحوا يقصرون حتى في واجباتهم المهنية فبالاحرى التطور الشخصي و المعرفي . بعضهم أصبح يزاول مهنا مربحة أخرى ويعتبرون الاقسام الدراسية مجرد هواية والحضور ضرورة حتمية لعدم توقيف الاجرة سامحهم الله.
للاسرة أيضا جزء كبير في فشل المدرسة المغربية ، فجل الاسر تربط التحصيل الدراسي بالحصول على وظيفة عمومية .و هو الخطأ الفادح الذي يسقط فيه أغلب الناس .اذ لايمكن توظيف الجميع ما لم يتوفر التلميذ على مشروع شخصي منذ السنوات الاولى لالتحاقه بصفوف الدراسة حتى يكون على دراية بمساره الدراسي و التكويني . فلا يمكن أن يصبح الجميع أساتذة أو مهندسين أو أطباء فالمجتمع في حاجة الى وظائف أخرى.
ان النهوض بأوضاع البلاد يقتضي بالضرورة و بالسرعة القصوى النهوض بقطاع التعليم من خلال رؤية واضحة وبأهداف واقعية وقابلة للتطبيق وبمواعيد واضحة . أضف الى ذلك تشجيع الكفاءات الشابة من رجال ونساء التعليم على الابداع والخلق من خلال فتح آفاق أرحب في وجههم . كما أن تشجيع التلاميذ على بناء شخصية قوية متشبعة بالفكر النقدي وقبول الاختلاف ونبذ التطرف سيجعل من مدرستنا مشتلا لمواهب و طاقات ستكون لا محالة من ينقد البلاد من الحالة المزرية التي تعيشها .
والى ذلك الحين تبقى المدرسة المغربية حقلا للتجارب الفاشلة على الصعيد الكوني .

ذ.ابراهيم الكبوس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق