مراجعة مقررات التربية الإسلامية واستغلال العلمانيين للأوامر الملكية.. من سيدافع عن الملة والدين؟؟؟ بقلم ابراهيم الطالب

ذ. إبراهيم الطالب

هوية بريس

أعطى العاهل المغربي خلال المجلس الوزاري الذي انعقد بمدينة العيون السبت 06 فبراير 2016، تعليماته لكل من وزيري التربية الوطنية والأوقاف والشؤون الإسلامية بـ”ضرورة مراجعة مناهج، وبرامج مقررات تدريس التربية الدينية” في المغرب، في “المدرسة العمومية أو التعليم الخاص، أو في مؤسسات التعليم العتيق” من أجل إعطاء “أهمية أكبر للتربية على القيم الإسلامية السمحة”، وفي أولوياتها “المذهب السني المالكي”، الداعية إلى “الوسطية والاعتدال”، وإلى “التسامح والتعايش مع مختلف الثقافات والحضارات الإنسانية”.

لم يمر الأسبوع عن تاريخ صدور هذه التعليمات الملكية، حتى هرولت جهات علمانية إلى استغلال هذه التعليمات لدعم مشروعها في علمنة البلاد والعباد، حيث دعت الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة -في بيان لها- إلى جعل تنمية الفكر النقدي والتربية على المساواة بين الجنسين وتحقيق الإنصاف في قلب إصلاح ومراجعة مناهج البرامج والمقررات التعليمية وجوهر التربية الدينية بالمغرب، مؤكدة أنها تعتبرها -أي القرارات الملكية- “استجابة لمطالب الحركة الحقوقية بشكل عام”، والتي ناضلت عليها منذ سنين، كما أكدت كذلك “على أهمية وإيجابية هذه الخطوة في مجال إصلاح المشهد الديني بالمغرب”.

فهل فعلا استجاب العاهل لمطالب الحركة الحقوقية العلمانية؟؟

إدريس اليزمي رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، صاحب توصية المساواة في الإرث صرح -حسب جريدة أخبار اليوم-: “قد طلبنا إشراكنا في اللجنة التي ستقوم بمراجعة هذه المناهج التعليمية” ، مؤكدا أنه طلب من وزير التربية الوطنية تمكين المجلس من عضوية اللجنة بهدف إضافة البعد الحقوقي في المناهج المقبلة.

هرولة العلمانيين إلى استغلال التعليمات الملكية وجريهم للحصول على عضوية اللجنة التي ستتكلف بمراجعة المقررات الدراسية، ينبئ أنهم يعتبرون ما تبقى من الدين في تلك المقررات يحول دون حصول علمنة كاملة للمغرب والمغاربة، الأمر الذي يتطلب يقظة خاصة وكبيرة من طرف من يهم بقاء الإسلام وقيمه وشريعته مقوما من مقومات الهوية المغربية.

العلمانيون لهم المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، ولهم الميزانيات الضخمة والتمويلات الكبيرة، ولهم كذلك الحرية الكاملة في إبداء آرائهم وإن كانت تصل حد الكفر والفسوق والعصيان حسب الثابت المتفق عليه  في المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية وسلوك الجنيد، ولهم الحماية الداخلية والخارجية حتى يلعبوا الدور المنوط بهم في الإلحاق الحضاري والثقافي للمغرب والمغاربة بالغرب، من خلال أحزابهم ومنظماتهم وصحفهم التي تمول من الداخل والخارج.

جريدة “آخر ساعة” التي يصدرها حزب “البام” الذي صرح قادته مرارا أنهم جاؤوا لمحاربة أسلمة المجتمع المغربي، خصصت ملفا عنونت له بـ”إصلاح المقررات والمناهج.. الطريق نحو تجفيف منابع التطرف”، استندت فيه إلى ما أسمته “دراسة”، كلّها محشوة بالحقد والكراهية على ما تبقى في المقررات التعليمية من تعاليم الإسلام وقيمه.

الدراسة هي للأمازيغي المتعصب للعلمانية الشاملة أحمد عصيد، الذي وصف رسائل النبي صلى الله عليه وسلم بالإرهابية، لكن دراسته وإن كانت قديمة جداً، حيث مرّ عليها أكثر من 11 سنة، إلا أنها لخصت فعلا مطالب التوجه العلماني الذي يحرص على استغلال الأوامر الملكية للتمكين لمشروع العلمنة الشمولية والكاملة للشعب والدولة.

ولنلق نظرة على ما خلصت إليه دراسة عصيد التي اعتمدتها جريدة الأصالة والمعاصرة في ملفها المذكور:

– النظام التربوي المغربي من ناحية القيم نظام متناقض تناقضا تاما، حيث يتضمن إلى جانب القيم الحداثية وقيم المواطنة قيما تقليدانية تنفي تلك القيم الأخرى وتعارضها.

– القيمون على النظام التربوي لم يقوموا بالجهد المطلوب لملاءمة المادة الدينية مع حاجات المدرسة العصرية الحديثة ومع الأهداف البيداغوجية لهذه المدرسة.

– مقررات التربية الإسلامية بها مضامين كثيرة تتعارض مع التزامات الدولة المغربية في مجال حقوق الإنسان لما تحتوي عليه من  قيم لا تصلح للتمدرس السليم.

من بين تلك المضامين  المنتقدة والتي يجب تغييرها حسب الجانب العلماني ولا تتلاءم مع الشخصية السليمة للطفل:

– تحريض التلاميذ وتأطيرهم ضد من يختلف عنهم، والتعامل بعنف مع الحق في الاختلاف وتكوين التلاميذ على كراهية الاختلاف، وعلى أن الدين الإسلامي هو أفضل الأديان وأصحها، وأن الأديان الأخرى محرفة وغير صحيحة ومزيفة، وهو شيء يحث على كراهية المسلمين للأديان الأخرى. وهذا تحريض على كراهية الشخص الذي لا يؤمن بنفس الدين الذي نؤمن به.

– مضامين محرضة على العنف: هناك تمييز خطير ضد المرأة باعتبار أنها مختلفة بيولوجيا عن الرجل فنجد أنه يتحدث كثيرا عن دم الحيض والنفاس، وهو حسب عصيد كقول “آخر ساعة”: دليل على أن المرأة لا يمكنها أن تساوي الرجل وبأنها مختلفة بيولوجيا، وهو أمر يتعارض مع التزامات الدولة في مجال حقوق الإنسان.

وأكدت الجريدة أن “الدراسة” تناولت جانبا آخر يتعلق ببعض المفاهيم الحقوقية التي تم تغيير مضمونها، مثل مفهوم التسامح في مقررات التربية الإسلامية الذي اعتبره تسامحا مع أخيك المسلم، بينما هو تسامح مع أخيك الإنسان عموما.

كما تحدثت الدراسة عن العنف في تربية الطفل على العقائد لتخويفه من النار والجحيم والعذاب، واعتبار أن الطفل لكي يؤمن ينبغي أن يخاف، وهي حسب الباحث مضامين تتعارض وأهداف البيداغوجية العصرية للمدرسة الحديثة ولا تصلح أن تكون في المدرسة.

فما هو المطلوب؟

حسب عصيد: “المطلوب هنا تغيير هذه المضامين أي تدريس الدين على أنه قيم إنسانية نبيلة مثل أن الدين يدعوا إلى حب الأبوين وتقديرهما واحترامهما، وأنه يدعوا إلى حب الطبيعة واحترام البيئة والنظافة، وكذلك احترام الحيوان وعدم تعذيبه”.

إذًا، فالمطلوب من عملية مراجعة مقررات مادة التربية الإسلامية، -حسب العلمانيين ولا يخرجون عما قاله عصيد- أن نقزم الإسلام فيها ونحرفه حتى يستجيب لمقتضيات التزاماتنا الدولية، الحرفية منها والمفهومة، ليصبح إسلاما تعبديا طقوسيا، تماما مثل ما وقع للنصرانية، لا يقدم من القناعات إلا ما يخدم تصور العلمانية العالمية للكون والإنسان والحياة، بعيدا عن عقيدة الولاء والبراء التي لا وجود للإسلام بدونها، وبعيدا عن العقيدة الإسلامية السلفية منها والأشعرية، التي تعتبر كل من صحح دين اليهود والنصارى كافرا كفرا مخرجا عن الملة، وفتاوى المالكية المغاربة أكبر وأكثر من أن تحصى.

إنها محاولة لطرد ما تبقى من الإسلام في المقررات التعليمية، حتى يوضع آخر مسمار في نعش الشريعة الإسلامية التي أزاحها ليوطي من دفة قيادة السياسة بالحديد والنار، ليأتي أحفاده العلمانيون لينتشلوا بالمناقيش ما تبقى منها في نظامنا التعليمي بدعوى ملاءمة المقررات مع التزاماتنا الدولية.

صحيح أن التوجيهات الملكية صرحت أن مراجعة مناهج وبرامج مقررات تدريس التربية “الدينية” هي من أجل إعطاء “أهمية أكبر للتربية على القيم الإسلامية السمحة”، وفي أولوياتها “المذهب السني المالكي”، الداعية إلى “الوسطية والاعتدال”، وإلى “التسامح والتعايش مع مختلف الثقافات والحضارات الإنسانية”.

لكن من يضمن لنا أنه سيتم اعتماد أصول المذهب المالكي في تحديد مفاهيم ما تم التنصيص عليه من مصطلحات غلبت عليها في التداول السياسي والصحافي والحقوقي دلالات علمانية هي جوهر الصراع بين الإسلام والعلمانية؟

من سيفصل بين الفرقاء في حالة الاختلاف وهي واقعة لا محالة؟

ومن سيضع الإطار المنهجي والأسس التي ستبنى عليها محاور مقررات مادة التربية الإسلامية؟

وهل ستخرج مراجعة مقررات التربية الإسلامية على أهداف الحملة الأمريكية على المقررات التعليمية في العالم الإسلامي والتي بدأت مع غزوها لأفغانستان والعراق للحد من الممانعة والمقاومة لدى الشعوب، لسياسة أمريكا التوسعية في بلاد المسلمين، خاصة في بلدان ما تسميه الإدارة الأمريكية الشرق الأوسط الكبير والذي يضم المغرب أيضا؟

وأية قِيَمٍ جديدة سنُضَمِّنها مقرراتنا ومناهجنا، آلقيم الدولية التي تحدد مضامينَها العلمانيةُ الغربية التي تؤمن بنظرية داروين التطورية التي تجعل الإنسان حرا لا قيد عليه إلا ما قيد به نفسه، أم القيم الإسلامية التي تؤمن بنظرية الخلق وتنظر إلى حرية الإنسان في إطار مقتضيات العبودية لله؟

وأي مواطن نريد تكوينه؟

هل نريد تكوين مواطن مغربي مسلم يعتز بدينه وهويته الإسلامية؟؟

أم نريد مواطنا علمانيا يشكك في مسلمات الدين القطعية باسم الحداثة والمرجعية الكونية، والمواثيق الدولية، ويصحح تثليث النصارى، ويقبل أن يؤمن ابنه بأن عيسى عليه السلام هو ابن الله، ويقول كما تقول اليهودية عزير ابن الله، ويقبل دعاة التنصير في المغرب ليحولوا عقيدة أبنائه وإخوانه الحنيفية المسلمة إلى عقيدة الصليب الوثنية بدعوى احترام الأديان والقبول بالآخر، وذلك استجابة لمقتضيات حرية الاعتقاد بمفهومها العلماني؟

هل نريد تكوين مواطن يسوِّي بين اليهود والنصارى والمسلمين في العقائد والحقوق والواجبات، ويتخلى عن الولاء للمسلمين والبراء من الكفار والمشركين، بدعوى سقوط دولة العلماء، وتطور الدولة الحديثة التي أصبحت المواطنة الرابطة الوحيدة والقانونية التي تحدد العلاقة بين الأفراد، وعلاقتهم بالدولة وأجهزتها وقوانينها، والتي حلت محل رابطة العقيدة والدين؟؟؟

هل سنُضَمِّن مقرراتنا الجديدة مضامين تُقوّي لدى التلاميذ التشبث بالقيم الإسلامية الكبرى، كالأخوة العامة بين المسلمين، بغض النظر عن الجنسية أو المواطنة، أم ستجعل اليهودي المغربي أقرب للمغربي المسلم من المسلمين العراقيين والفلسطينيين والسوريين؟

أي، هل سيبقى مفهوم الأمة الإسلامية التي أسسه النبي صلى الله عليه وسلم على الوحي؟ أم سيغيب ليترك المجال رحبا لمفهوم المواطنة بحمولته العلمانية كي يؤسس عند التلميذ المغربي المسلم انتماءات جديدة وروابط حادثة على حساب مقوماته الدينية؟

هل سيُمْكن في ظل التوجه المبدئي لدعاة “إصلاح” ومراجعة مادة التربية الإسلامية أن نلقن لأبنائنا أن الصهاينة وهم ممثلو اليهود اليوم قتلة الأنبياء سابقا وقتلة الفلسطينيين يوميا، هم إخواننا لا ينبغي أن نشعر اتجاههم بعواطف الكراهية والبغض والعداء ولا أقصد اليهود المغاربة الذين لم تتلوث أيديهم بدماء المسلمين؟؟؟

وهل سنربي أبناءنا على المفاهيم الإسلامية الأساسية التي تؤسس لقناعات الممانعة والجهاد لحماية الدين والأوطان والأعراض، التي لا شك أن دولنا ستكون في أمس الحاجة لها خصوصا مع هذا التطور الهائل للإمبريالية المتوحشة، الرامية مرة أخرى إلى الهيمنة على بلداننا وشعوبنا؟

كيف سيتم تحديد الأهداف السلوكية التي سنتوخاها من المضامين الجديدة لمادة التربية الإسلامية؟؟

فإذا كانت الأهداف السلوكية غاية من الغايات الأساسية التي يحددها واضعو المناهج التعليمية للتربية الإسلامية، فلنا أن نتساءل:

هل سنغرس من خلال المقررات الجديدة مفهوم العفة المستمد من القرآن والسنة، حتى نحارب تفشي الظواهر التي أفرزتها القوانين العلمانية بعد تعطيل الشريعة الإسلامية، مثل: الأطفال الناتجين عن الزنا والسفاح والدعارة، وأمهاتهم اللائي يعانين من غياب مقاربة شمولية لملفهن تجمع بين التكفل بهن وإعادة إدماجهن من خلال قيم العفة الإسلامية؟

هل سنُنَمِّي الوازع الديني من خلال آلية الوعي الإسلامي بالذات والمحيط، المرتكزة على الخوف من الله والسعي لرضاه، في إشباع الشهوة الجنسية حتى نحد من الانتشار المهول لحالات الحمل من الزنا في صفوف التلميذات القاصرات وكذا الطالبات؟

أم أننا سنغيب كالعادة مفاهيم العفة حتى نتجنب اصطدام المقررات مع مفاهيم الحرية الجنسية والحريات الفردية المتعلقة بالجسد والشهوة وممارسة الجنس، التي تنص عليها المواثيق الدولية، والتي تطالب بالخضوع لها أغلب الأحزاب والمنظمات والجمعيات العلمانية الضاغطة من أجل تغيير مناهج ومقررات التربية الإسلامية حتى نلائمها مع التزاماتنا الدولية؟

لقد بات واضحا في ظل غياب حرية العلماء وتحنيط دورهم، وتكميم أفواه الخطباء والوعاظ، وهيمنة المقاربة العلمانية لوزير الأوقاف على الشأن الديني، والحياد المقيت للرابطة المحمدية للعلماء، وتسلط العلمانيين من خلال المؤسسات الدستورية والرسمية، أن الغلبة ستكون -لا قدر الله-  للمد العلماني الزاحف من بلاد الأمريكان، على حساب دين المغاربة ومذهبهم وعقيدتهم وسلوكهم.

فمن سيدافع عن الملة والدين؟؟؟ وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم

 

ذ. إبراهيم الطالب

هوية بريس

[email protected]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق