مزوار : رئيس الحكومة نقلنا من أعداء إلى حلفاء إلى خونة !

كلمة صلاح الدين مزوار في المهرجان الخطابي للأحرار بتيزنيت

الكملة التي ألقاها الأمين العام لحزب التجمع الوطني لأحرار اليوم 13 فبراير 2016 بمناسبة المجلس الوطني  للحزب بمدينة الصخيرات:

بسم الله الرحمان الرحيم

الأخوات والإخوة مناضلات ومناضلي التجمع الوطني للأحرار
يغمرني شعور باﻹعتزاز وسعادة كبيرة بالحضور بينكم اجتماع المجلس الوطني لحزبنا.
أرحب بكم جميعا باسمي وباسم أخواتكم وإخوانكم في المكتب السياسي للحزب.
واسمحوا لي أن أرحب باسمكم جميعا، بأولئك الذين تحملوا مشاق بناء هذا الصرح الحزبي الذي يجمعنا اليوم ويلم شمل عائلة سياسية مغربية ساهمت بكل وطنية وصدق واجتهاد في بناء المغرب الحديث وفي ترسيخ مسيرة المغاربة نحو الحرية والديمقراطية والعدالة.
وباسمكم كذلك، أترحم على أرواح الذين افتقدناهم، تقبلهم الله بواسع رحمته.

إخواني المناضلين أخواتي المناضلات،
ينعقد المجلس الوطني لحزبنا في لحظة سياسية دقيقة وفارقة :
– بين محطتين انتخابيتين: بعد الانتخابات الجماعية والجهوية وقبل الانتخابات التشريعية
– بين حكومتين: فالحكومة الحالية تعيش شهورها الأخيرة، ونحن على عتبة التأسيس لأغلبية حكومية جديدة بعد إجراء الإنتخابات التشريعية في اكتوبر المقبل.

لذلك، سيكون اجتماعنا اليوم فرصة للوقوف عند أهم محطات عملنا وتقييم إنجازاتنا في المرحلة الأخيرة على الصعيدين الحزبي والحكومي.
سنكون أمام نوع من تقييم أدائنا الحزبي، جزئيا على الأقل، سواء ما تعلق بفترة المعارضة أو فترة الانضمام للأغلبية، ولا يجب أن نغفل أداءنا على المستوى الحزبي الداخلي.

حصيلة الانتخابات الجماعية

أخواتي المناضلات، إخواني المناضلين،
لقد بينت الانتخابات الأخيرة بكل وضوح:
– على المستوى العام: نضج التجربة الديمقراطية المغربية، فقد تجاوزنا بشكل نهائي الجدل حول: النزاهة ودور الإدارة، مع تسجيل دور حيوي للقضاء من خلال التفاعل مع الطعون.
– وعلى الصعيد الحزبي : سجلنا نوعا من الاستقرار على مستوى المواقع مع متغيرات طفيفة على مستوى الحضور بالمقارنة مع جماعيات 2009.

غير أنه لا يمكن أن نغفل التراجع في ما يخص مضامين الحملات الانتخابية، سواء:
– تراجع العروض البرنامجية، أو
– تراجع النقاش السياسي الوازن، مقابل حضور وتصاعد شخصنة الصراعات والابتعاد عن الملفات ذات الصلة بمهام الجماعات والجهات. وقد أدى هذا إلى حضور خطاب افتقد في كثير من الحالات للرصانة والتعقل.

في ما يخصنا كتجمعيين، من حقنا أن نعبر عن الارتياح لتميز حزبنا في هذه الأجواء:
– حملة انتخابية رصينة ومتزنة
– ابتعاد عن الصراعات السياسية الضيقة
– خطاب سياسي مرتبط بالأوضاع على الأرض وآفاق تطوير التجربة الجماعية والجهوية بعيدا عن خطاب الإثارة وحرب المواقع.
– نتائج إيجابية أدت إلى ارتفاع عددي حافظ عموما على موقع الحزب حيث عرف إحراز الثقة لرئاسة جهتين من أصل 12 جهة بالمملكة.
– تشبيب وتجديد للنخب وتجديد للثقة: انتخاب عدد من الشباب يدخلون التجربة التمثيلية لأول مرة وإعادة انتخاب مناضلين تحملوا مسؤوليات تمثيلية في السابق كدليل على تجديد الثقة وعلى النتائج الإيجابية للتجربة السابقة.

إخواني المناضلين أخواتي المناضلات،
تعلمون أن هذه المحطة تخللها شد وجذب داخل الأغلبية، خاصة ما يتصل بمسألة التحالفات، وهنا لا أخفيكم سرا أنني شخصيا مثلكم اندهشت لما آل إليه النقاش السياسي من تدن بسبب لجوء البعض لأساليب غير حضارية وغير مألوفة في المشهد السياسي المغربي… أساليب عكست نزوعا نحو الهيمنة وإرادة التحكم في قرارنا الحزبي المستقل.
لا أريد أن أعود إلى التفاصيل التي تعرفونها جميعا، وإن كانت هناك محاولات لطمسها، وعلى رأسها كون الجهة التي هاجمتنا كانت أول من أعلن صراحة، ومن خلال وثائق رسمية، قرار توسيع التحالف خارج الائتلاف الحكومي.
ومع ذلك فوجئنا ، كما فوجئ الفاعلون السياسيون وعموم الرأي العام بخطاب دخيل على تقاليدنا السياسية، خطاب عنيف، خطاب لا أخلاقي، خطاب بلغ درجة التعرض للحياة الخاصة للأفراد، ونحن جميعا نعرف مدى تقديس المغاربة لحرمة الحياة الخاصة.
لأول مرة في الحراك السياسي ببلادنا نسمع عن شيء اسمه الخيانة، هذه الكلمة التي استعملها المغاربة مرة واحدة في تاريخنا الحديث، إبان الاستعمار لنعت المتواطئين القلائل مع المستعمر، أي أولئك الذين خانوا المغرب، وكان تعبيرا وطنيا صريحا للتمييز بين من كانوا مع المغرب ومن كانوا مع المستعمر ضد المغرب.
اليوم بكل بساطة، يتحول هذا الخطاب إلى كلام سهل يتم استعماله باستخفاف لنعت من لا يتفق معك أو لا يذعن لخططك، أو يتشبث باستقلالية قراره، هذا علما أن التجمع بقي وفيا للائتلاف الحكومي، وحتى وهو مجرد ائتلاف وليس تحالفا يجمع أحزابا على مستوى الرؤى السياسية و الاختيارات الأيديولوجية، فالائتلاف السياسي في إطار الأغلبيات كما هو متعارف عليه في العالم كله يقوم على البرنامج الحكومي المشترك، فيما التحالف يكون شاملا ويربط سياسيا حزبين أو أكثر .
كما لا يوجد في اللعبة السياسية قاعدة تنص على “إما أن تكون معنا وإلا فإنك ضدنا”! على سبيل الذكر، عندما آراد البعض على الساحة الدولية فرض هذه القاعدة بالقوة قبل بضع سنوات، دُمرت بلدان وشُردت شعوب وفقد أشقاء لنا نعمة الأمن والإستقرار…
هذا كله والحال أن التجمع لم يخرق الاتفاقات داخل الأغلبية، بل قام فقط بحقه ، بل وبواجبه، في تدبير تحالفاته الانتخابية وفق المعطيات الموضوعية ونوعية حضور الفاعلين على المستوى المحلي في كل جماعة أو جهة.
لذا، فإن التزامنا الكامل بوجودنا داخل الإئتلاف الحكومي لا يلغي أبدا حقنا في الإنفتاح على باقي الفعاليات السياسية في مواقع بعينها ووفق الظروف السائدة في كل موقع. هذه معادلة بديهية في كل الأنظمة التي تعتمد اللامركزية.
الأخطر من ذلك كون هذا السلوك لا يتحرج من تقسيم الساحة السياسية إلى حلفاء وأعداء، وهو منطق هيمني خطير قد يؤدي، إن هو استفحل، لا قدر الله، إلى نوع من التفرقة، والتفرقة من بذور الفتنة، وهو منطق مناقض لروح لديمقراطية، لأن المؤسسات الديمقراطية كما عرفها العالم المتحضر، وكما بنتها وتبنيها بلادنا، لم توجد إلا لتجميع كل فاعلي المجتمع لتكون فضاء للتنافس الحر ولاختيار الأصلح لمصلحة البلاد دون إقصاء ودون تفرقة ودون تقسيم المجتمع على أسس سياسية أو مذهبية أو إيديولوجية.
الساحة السياسية ليس فيها أعداء. الساحة السياسية فيها متنافسون،فيها توافقات ،اختلافات، مصالح ، تدبير الاختلاف، فيها تدبير التحالفات حسب الظروف والمواقع. .. واش ماشي هاذ التدبير هو اللي جعل رئيس الحكومة يقترح علينا الانضمام للحكومة بعدما كانت العلاقات معنا لا تكتسي طابع الود؟ إلى كان هكدا، معناه أننا انتقلنا من أعداء إلى حلفاء إلى خونة.
لذلك، علينا جميعا التحلي بالحكمة وتغليب المصلحة العليا لبلادنا على المصالح والحسابات السياسية الضيقة.، ونبذ ازدواجية الخطاب، خطاب على مواقع التواصل الاجتماعي وخطاب آخر على المستوى الرسمي.
أقول هذا وأنا أستحضر أننا نعيش وسط ظروف إقليمية ودولية دقيقة وخطيرة إلى أبعد الحدود…والمغاربة ينظرون إلينا، يراقبوننا وينتظرون منا العمل الجاد لنكون في مستوى الثقة التي شرفونا بها وفي مستوى تطلعاتهم وطموحاتهم نحو الأمن والإستقرار والعدالة وحل مشاكل المواطنين.

تقييم العمل الحكومي

إخواني المناضلين أخواتي المناضلات،
لقد كان دخولنا الحكومة في ظروف صعبة الجميع يعرفها ، كانت هناك تراجعات على مستويات عدة ، كان هناك تهديد بانهيار مكتسبات وطنية بناها المغرب عبر عقود ، وكانت مهمتنا الأولى استرجاع الاستقرار في عمل الحكومة وإيقاف النزيف.
الآن بالإمكان النظر إلى النتائج على الأرض: استعدنا استقرار العمل الحكومي وأخرجنا الحكومة من حالة الجمود والبلوكاج. ساهمنا بفعالية في إيقاف النزيف والحفاظ على المكتسبات ..كل المؤشرات الرقمية تؤكد ذلك: مؤشرات مالية، اقتصادية، والمؤشر الأهم أي السير الحكومي بوتيرة منتظمة وبديناميكية أكبر.
▪ لذلك فحتى في لحظات الهجوم علينا اعتبرنا أن من واجبنا أداء مهامنا الحكومية بغض النظر عن الوضع غير المريح، لماذا؟ لأن الالتزام بالعمل الحكومي ليس التزاما مع حزب أو أحزاب، بل هو التزام مع الوطن، مع الملك، مع الشعب، مع مختلف الفئات الاجتماعية: الفقير، الغني، المرأة، الأسرة، الأستاذ، الفلاح، رجل الأعمال المقاول، الشاب والمسن…
باختصار العمل الحزبي في الحكومة ليس مجرد تواجد في السلطة أو منظومة الحكم، إنه التزام مع المغرب، ونحن لا يمكننا الاستهانة بالمغرب، لا يمكننا إسقاط الحسابات والطموحات الحزبية على مصير المغرب ومستقبل المغاربة ، لن نكون نحن من سيدفع المغرب إلى الهاوية التي سقطت فيها بلدان غير بعيدة عنا.
هادشي ما كنقولوهش غير كلام، هاذ الشي كنمارسوه يوميا، التزامنا الحكومي مع المغاربة نعكسه من خلال التفاعل مع قضايا المجتمع، مجتمعنا متعدد ومتنوع وفيه طموحات ومصالح متباينة ككل المجتمعات المتحضرة. وككل الحكومات المتحضرة نحاول التوفيق بين كل هذا، بقدر ما نستطيع، وبقدر ما يسمح به موقعنا الحكومي، وبقدر ما يسمح به موقعنا في اتخاذ القرار، لذلك فنحن نقول كلمتنا من داخل الحكومة على قدر ما تسمح به التوافقات داخل الحكومة، ونقول كلمتنا من خارج الحكومة كحزب لديه هوية وتاريخ ومبادئ، حزب يتبنى الدفاع عن التعدد وعن الحرية ويحترم اختيارات المواطنين في حياتهم الخاصة، ويؤمن بدور المرأة الحاسم في بناء مجتمع العدالة والمساواة، ويراهن على الطبقة المتوسطة لأنها الأكثر طموحا لبناء المغرب المتقدم ، هذا لأننا في ائتلاف حكومي وماشي في تحالف حكومي يتبنى مواقف موحدة من جميع القضايا.
لذلك لا نعتبر أن الدولة قد وفرت أقصى ما يستحقه الأستاذ، أو الطبيب، أو الإطار الإداري، أو التقني، أو العامل في القطاع الخاص، أو الفلاح، بل نحن مع تحسين أوضاع هذه الفئات ،نحن مع تقليص الفوارق بين الغنى والفقر، والأسلوب هو العدالة في اقتسام الثروة، أي الرفع من الوضع المعاشي للفئات الهشة ولملايين المغاربة في الهوامش والبوادي والمناطق الجبلية وتحقيق تكافؤ الفرص، والرفع من الوضع المعاشي للفئات المتوسطة في إطار سياسة تنموية وتضامنية. نحن لسنا مع فكرة أنه لدينا فقراء وبالتالي يجب تفقير الطبقة المتوسطة لتقليص الفوارق، لا، نحن نقول يجب القضاء على الفقر دون تفقير الجميع، يجب أن ندفع الجميع إلى الأعلى وليس إلى الأسفل.
ولكن لنكن صرحاء، فالمسؤولية تقتضي الصراحة. لقد انتهى منطق العام زين، والنجاحات التي حققناها لا تخفي الإخفاقات، لا يمكن التعبير عن الارتياح والحال أن:
– البطالة في صفوف الشباب دون سن ال 35 تقارب ال 40 في المائة،
– الاستثمارات الخاصة في تراجع،
– القطاعات الاجتماعية لم تعرف تقدما، في التعليم، في الصحة، في السكن (العشوائي أو الآيل للسقوط)؛
– العالم القروي لا زال مرتبطا بشكل شبه كلي بالفلاحة، وبالتساقطات المطرية مع تدني فرص التشغيل في السنوات العجاف، فرغم النتائج الإيجابية جدا لمخطط المغرب الأخضر، بقيت باقي القطاعات المتدخلة في تنمية مناطق قروية يعيش فيها نصف المغاربة دون المستوى، إذ يمكن اعتبار تنمية العالم القروي من النقائص الكبرى في عملنا الحكومي،
وهنا لا بد من التنويه بالمبادرة الملكية السامية وبسرعة تجاوبه مع الوضع الاستثنائي الذي خلفه الجفاف هذه السنة، حيث أشرف شخصيا على وضع التدابير الاستعجالية لمواجهة الآثار السلبية وأعطى تعليمات واضحة للحكومة في هذا المجال.
ثم علينا أن نتساءل: هل استطعنا كحكومة أن نستثمر أحسن استثمار الظرفية المناخية المناسبة قبل هذه السنة، وظرفية الأسواق الدولية التي نزلت فيه أسعار المحروقات إلى مستويات غير مسبوقة؟ هل استثمرنا السنة الفلاحية الاستثنائية العام الماضي؟ هذا إضافة إلى هبات الدول الصديقة؟
لهذا ليس غريبا أن يعرف الشارع المغربي حركات احتجاجية تبقى في مجملها مبررة ومشروعة، فمن حق المغاربة أن يعبروا عن غضبهم حين لا يصادف عمل الحكومة طموحاتهم وانتظاراتهم، ومن واجبنا كسياسيين وكمسؤولين الإنصات إليهم وأخذ كل التعبيرات الاجتماعية بعين الاعتبار.
كل هذا لأقول إن الصورة ليست بالشكل الذي نتمناه، كان بإمكاننا إنجاز أكثر بكثير مما أنجزنا. وفي هذا كلنا مسؤولون كحكومة، وبالتالي علينا التفكير في سبل تدارك النقائص في ما تبقى من عمر الحكومة، وكذلك استخلاص الدروس لمواجهة المرحلة المقبلة وبناء تصور أكثر مصداقية للسياسات العمومية التي يمكننا اقتراحها كحزب، سواء من داخل الحكومة أو من خارجها.
على نفس المنوال، إيماننا بمغرب متعدد، يفرض علينا العمل أكثر على واجهة قضايا المجتمع المرتبطة بالهوية والحرية والمرأة والثقافة… وغيرها. لأن هذا المغرب لن يتقدم ولن يرسخ استقراره إلا بالحفاظ على مصالح وحقوق الجميع، لذلك اعتبرنا أن مطالب الحركة الأمازيغية لإشراكها في مشاورات صياغة القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية مطالب مشروعة ويجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عمليا.
وهذا الموقف ليس جديدا بالنسبة لنا، ولا وليد النقاش الدائر هذه الأيام، عبرنا عنه في عملنا الحزبي دائما، جسدناه في الفترة القصيرة التي عشناها في المعارضة البرلمانية، وسنجسده دائما لكوننا نؤمن بأن المغرب هو مغرب بالتعدد وسيبقى كذلك.
في السياق ذاته نعتبر أن إنجاح المناصفة التي نص عليها الدستور الذي ساهمت في صياغته جميع الأطراف وأقره المجتمع كله من خلال استفتاء عام، يمر عبر آلية متوازنة تترجم طموحات كافة الفئات والفعاليات المجتمعية والمدني.

العمق التاريخي ومؤسسو الحزب

إخواني المناضلين أخواتي المناضلات
هذه مجرد إشارات ضرورية للتأكيد على أن عملنا الحزبي يخضع لمستويات عدة، عمل حكومي، عمل مع الفعاليات السياسية، عمل مع الفعاليات المدنية، عمل ميداني مع المواطنين خاصة عبر الانتدابات الانتخابية، عمل تأطيري، ثم العمل الداخلي على مستوى هياكل الحزب… وكل مستوى له آلياته، له إكراهاته، ولكن كل المستويات تلتقي عند المنطلق الأساسي وهو الهوية الحزبية والمرجعية ومبادئ الحزب، وهنا لا بد من أن نعي دور حزبنا بشكل دقيق، فعلى عكس ما يروجه البعض لأسباب تعود للنظرة السياسية الضيقة والتي وراءها ما وراءها، يبقى وجود التجمع في الساحة السياسية حيويا وأساسيا:
إخواني المناضلين أخواتي المناضلات
التجمع ولد كحزب في أجواء المسيرة الخضراء، أي في بدايات مرحلة جديدة في التجربة الديمقراطية المغربية كان طابعها الأساس هو الإجماع الوطني حول القضية الوطنية والذي تكرس ببداية تجربة مؤسساتية جديدة، تقطع مع مرحلة طويلة من الصراعات التي بلغت درجة الإصطدامات العنيفة، لتبدأ مرحلة التوافقات والبناء الجماعي للتجربة، بما لها وما عليها، بنجاحاتها وعثراتها.
التجمع باعتباره حزبا لم يكن طرفا في تلك الصراعات وباعتباره نشأ وتربى في تربة الإجماع الوطني وبناء تجربة جديدة لم يكن أمامه سوى لعب دور التقريب بين النقط المتباعدة في الساحة، بناء الجسور، تلطيف الأجواء وتيسير التوافقات، وهذا دور محوري كان مفتقدا في الساحة السياسية التي كانت تطغى عليها ثقافة الصراع. لذلك كانت الصورة الغالبة لدى الجميع هي التموقع الوسطي في الساحة، بتعبير أوضح كان الحزب أداة من أدوات الاستقرار المؤسساتي، أي البرلماني والحكومي، خاصة في اللحظات المفصلية.
ويتذكر قدماؤنا كيف كانت رئاسة البرلمان آنذاك في شخص الرئيس أحمد عصمان عاملا ساهم بمثابرة في التأسيس لتجربة برلمانية تصهر الخلافات. كانت لحظة مفصلية لتطبيع الحياة البرلمانية بعد سنوات طويلة غاب فيها البرلمان الذي لا متنفس ولا ديمقراطية بدونه.
إخواني المناضلين أخواتي المناضلات

لحظة مفصلية ثانية لعب فيها التجمع دورا وطنيا رائدا، تمثل في تيسير نجاح حكومة التناوب، وكلنا يعلم حجم المواجهة التي تعرضت لها تلك التجربة التي فتحت باب التناوب لأول مرة في تاريخ البلاد… والبقية معروفة..
اللحظة المفصلية الثالثة هي أثناء الأزمة الخطيرة التي عانت منها أول حكومة بعد أحداث ما سمي بالربيع وبعد الدستور المتقدم ل 2011. لنتصور ما كان سيحدث لو استمر البلوكاج داخل الحكومة. لنتصور لو استمر النزيف، لنتصور لو استمرت الملفات مغلقة لأن أطراف الحكومة عجزت عن إيجاد التوافق الضروري.
لماذا تمت المناداة على التجمع وليس غيره؟ ياك كيتقال أن المغرب فيه أكثر من 30 حزبا، أي أن الحكومة كان بإمكانها تدبر الأغلبية بدون التجمع، ومع ذلك كان الإصرار على أن التجمع هو المفتاح للأزمة، لم يكن ذلك لسواد عيونكم بل كانت قناعة من الجميع، حتى وإن لم يقولوا ذلك، بكون التجمع كان دائما صاحب دور الاستقرار المؤسساتي وراكم تجربة في تقريب المسافات بين الفاعلين السياسيين.
لكن كذلك لأن هناك قناعة بتوفر التجمع على رصيد كبير من التجارب في التسيير ومن الكفاءات التي أكدت نجاعتها.
إذاً هذه هي قيمة التجمع وهذا الدور الأساس للتجمع في تقدم التجربة الديمقراطية المغربية وفي البناء على مستوى السياسات العمومية، التجمع أساسي وسيبقى كذلك ولن يزيغ عن هذا الدور، وسيبقى وجوده ضروريا وحاسما. هذا يعكس كذلك الشخصية المتميزة للحزب وهي شخصية عليكم الافتخار بها وصيانتها والدفاع عنها.
إن التجمع لن يكون ملحقة لأي كان ولأي حزب كان. موقع التجمع لا يعطيه إياه أحد، بل المواطنون هم من يصنعونه عبر الثقة التي يضعونها في مناضليه.

موقع التجمع الوطني للأحرار

إخواني المناضلين أخواتي المناضلات،
إن هذا الدور الذي لعبه التجمع الوطني للأحرار يعكس في العمق هوية الحزب على مستوى اختياراته المذهبية التي كانت ولا تزال في انسجام مع روح المشروع المجتمعي الذي كان وراء الاختيار التاريخي لبناء الدولة المغربية على قاعدة التعدد والديمقراطية والتقدم والحداثة.
هذا المشروع الذي يحمله ويرعاه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، مشروع ينبع من عمق الهوية المغربية الضاربة في القدم التي تتميز بثوابت راسخة في مقدمتها المؤسسة الملكية كجامع وضامن للوحدة الوطنية، والإسلام الوسطي المعتدل، والانفتاح على التقدم البشري والمساهمة في بناء الحضارة الإنسانية.
فعندما يتساءل الكثيرون لماذا لم تنل الأحداث الرهيبة والمدمرة التي عرفها المحيط العربي من المغرب؟ فإنهم بكل تأكيد لا يستحضرون مسألة جوهرية، وهي أن المغرب دولة، دولة بكل المعاني العميقة التي تحملها هذه الكلمة، دولة بجذور تاريخية، بمؤسسات عريقة، بانصهار كافة مكوناتها الأثنية واللغوية والثقافية، دولة لا تتأثر برياح الخارج، بل تبني نموذجها الخاص. فقط الدول العريقة قادرة على بناء نماذجها الخاصة.
نحن لسنا في حاجة إلى استيراد نماذج ورؤى الآخرين، لسنا في حاجة لمن يعلمنا ديننا، لمن يقول لنا كيف نلبس وكيف نصلي، وكيف نعمل وكيف نغني.
وليس صدفة أن تسارع دول كثيرة لطلب الاستفادة من التجربة المغربية، ومن قيمه الدينية المنفتحة، ومن ثقافة التعايش بين مكونات شعبه، في وقت نرى فيه كيف يتم تحت سماءات أخرى إذكاء سموم الطائفية والمذهبية.
لذلك فالتفاعل الملكي السامي مع الأحداث والتطورات ، بالحنكة والحكمة المعهودين في جلالته، ليسا سوى تعبير عن هذا الرصيد الحضاري الذي يجب أن نفتخر به، وتعبير عن المركزية التي تكتسيها المؤسسة الملكية كحامل لمشروع البناء الرزين والرصين.
والتجمع حين نشأ في خضم بناء المؤسسات الديمقراطية للدولة المغربية الحديثة، كان في الواقع يتفاعل كليا مع هذا المشروع التاريخي ويساهم، قدر استطاعته في تنزيله على الأرض. يتماشى مع نموذج مغربي كان ولا زال يبنيه المغاربة بقيادة ملكية، ويتفاعل معه المغاربة بروح التلاحم والغيرة الوطنية، لأن:

– المغاربة يتوقون إلى التطور الهادئ في إطار الاستقرار ويعارضون أي شكل من أشكال التحولات العنيفة.
– المغاربة يفضلون الحوار والتوافق ولا يرضخون للابتزاز أو التهديد
– المغاربة متعلقون بقيم الحرية والديمقراطية والعدالة ويعارضون كل أشكال الفوضى والفتنة
– المغاربة يتطلعون إلى تكافؤ الفرص ومعارضة كل أشكال الظلم
– المغاربة يريدون الحفاظ على التماسك الاجتماعي ويريدون العدالة الاجتماعية الشاملة
– المغاربة يريدون الدولة أن تقوم بدور الحكم في رعاية مصالح كل الفئات ضدا على كل نزوعات الاحتكار والاستغلال والاستحواذ
– المغاربة مع المبادرة الحرة والاغتناء ولكن مع ضمان المنافسة السليمة والشفافية
– المغاربة متعلقون بالتنوع والتعدد ومتشبثون بالوحدة، لكنهم يرفضون النمط الواحد والنظرة الواحدة.
– المغاربة يريدون دولة القانون وأن تكون سيادة القانون المرجع الرئيسي للبت في شؤون المواطنين والمجتمع
– المغاربة متشبثون بالهوية الوطنية المغربية بأصالتها وحداثتها.

الاستحقاقات المقبلة

إخواني المناضلين أخواتي المناضلات،
إذاً هذه نقاط على الحروف ضرورية، لأن التجمع الذي يقارب عمره 40 سنة ليس ظاهرة عابرة مرتبطة بظروف عابرة ، بل هو ذات سياسية تستمد شرعيتها من تبنيها هذه القيم وحملها هذه الطموحات المغربية الكبرى إلى جانب المواطنين.
التجمع لديه جذور في تربة الديمقراطية المغربية التي شكلت أهم مظاهر الدولة المغربية الحديثة، وعلى كل تجمعية وكل تجمعي أن يعوا هذه الحقيقة وأن يكونوا دائما في الموعد لأداء هذا الدور، بالصدق الذي ميز علاقتهم بالدولة على الدوام، وبالوفاء للمبادئ والثوابت الوطنية، لا مجال لدينا للازدواجية أو الارتزاق.

إخواني المناضلين أخواتي المناضلات
لأداء هذا الدور يجب أن نكون، فرادى وجماعة، في مستوى طموحات الشعب المغربي الأبي، سواء في حجم حضورنا، أو في حماسنا واستعدادنا، أو في حيوية أدواتنا التنظيمية والعملية…لذلك، علينا بالتقييم المستمر لعملنا حتى نضمن فعالية أكبر:
– فإذا كانت نتائجنا الانتخابية الأخيرة مريحة، هل معناه أنها تعكس طموحنا؟
– هل نحن راضون على حجم التغطية بلوائحنا الانتخابية؟
– هل كان انفتاحنا على الكفاءات الجديدة بالحجم الكافي؟
– هل كان انفتاحنا على الشباب بالشكل الكافي؟
– ثم يمكن لكل واحد منا أن يطرح أسئلة مماثلة على نفسه أولا: هل قام بكل ما بمستطاعه في هذه المعركة؟
– هل كان التزامه بحجم الوفاء لهوية الحزب ودوره التاريخي؟
– هل كان التزامه بحجم ما تتطلبه المساهمة في صيانة النموذج المغربي الدي يقوده صاحب الجلالة؟

الإجابة على هذه الأسئلة ضرورية لسبب رئيس، وهو أنني موقن تمام اليقين أن التجمع لديه كل المؤهلات ليحصل على نتائج أفضل، نتائج تعكس حجم دوره، نتائج تعكس رسوخ الحزب في التربة السياسية الوطنية ، نتائج تؤهله للاستمرار في لعب دوره الوطني بشكل أقوى وأكثر فاعلية.
طبعا هناك آليات تنظيمية، “لجان” ستحدثونها في هذا الاجتماع، وستحدثونها وفق الحاجة وحسب المواقع لتأطير أفضل لطموحكم، لدعم المنتخبين منكم في مواقعهم، وللسير بإيمان وبثبات نحو المحطة الانتخابية المقبلة التي يجب أن تعطي التجمعيين الموقع الذي يستحقون، وبينهم وبين ذلك الموقع نقطة واحدة: الإيمان بأن كل شيء في المتناول، وأن ترجمة هذا الإيمان يكون في عملكم الميداني، يوميا وبدون كلل.
هذه الطريق هي التي نتواعد عليها وعلى كل واحد منا أن يكون عنوانا للتجمع الوطني للأحرار، وللصورة المتجددة، المشرفة التي يعكسها.

تعبئة أجهزة التواصل بالإستراتجية محكمة

إخواني المناضلين أخواتي المناضلات،
إن استعدادنا الذاتي كأفراد، واستعدادنا التنظيمي والعملي، سيكون أقوى وأكثر مردودية بتبني سياسة تواصلية ديناميكية، شجاعة، وذلك تماشيا مع المتطلبات الضرورية للتقرب من المواطنين. يجب أن يكون حزبنا مفتوحا على محيطه بشكل إرادي وبإصرار. وسوف تعرف المرحلة المقبلة تغييرات كبيرة جدا ومتسارعة في أدواتنا التواصلية لتحقيق الإشعاع الذي نطمح إليه لحزبنا.
لقد آن للتجمع الوطني للأحرار أن يمر للسرعة القصوى في إثراء صفوفه بالطاقات الفاعلة، فقد دافع الحزب دوما على النساء وعلى حقوقهن إيمانا منه بالمساواة، لكنه لم ينفتح بالحجم الكافي على هذه الفئة لتغني تجربته وتساهم من خلاله في البناء.
كما أن الحزب الذي رفع رهان التشبيب في تجربته الحكومية، وقدم مبادرات مشهودة لصالح المقاولين الشباب، عليه اليوم أن يعطي حيزا هاما من تنظيمه كأولويته للشباب، لأنه لا مستقبل لحزب لا يضع الشباب في طليعة مناضليه.
وبنفس القدر على التجمع أن يفتح أبوابه، إن لم يكن تنظيميا، فسياسيا لمختلف الفات، التقنية والسوسيو مهنية المختلفة، لأن تمثيلية المجتمع لا تتأتى بالإقتصار على فات دون أخرى. فإما أن نكون حزبا يعكس صورة المجتمع بفئاته العمرية والثقافية والمهنية وغيرها، وإما سنحكم على أنفسنا بالأنكفاء.
فابتداء من اليوم ، وقبل أن نغادر الصخيرات، سوف نعمل على توثيق آلية التواصل التي ستوجه عملنا مع المواطنين. فضمان المواقع الأمامية لحزبنا على الساحة السياسية الوطنية، سيتطلب منا الترجمة العملية لما نرفعه كشعارات ونعبر عنه كاختيارات، لذلك، سيتم وضع برنامج عمل، سيتضمن سلسلة من الاجتماعات لتدارس المشاريع التي سوف تضبط عملنا الجماعي في كل المواقع. و تستجيب لمتطلبات وأوضاع كل موقع

الإخوة والأخوات،
إننا، وبفضل التزامكم بثوابتنا الوطنية ومثابرتكم على العمل الجاد من أجل الإرتقاء ببلدنا العزيز، وبفضل تاريخنا السياسي الناصع ورصيد إنجازاتنا على الساحتين الوطنية والجهوية، وبفضل وفائنا المطلق للمشروع الحداثي والإصلاحي الذي يقوده صاحب الجلالة، قادرون بكل ثبات و ثقة في النفس علي المساهمة في خلق دينامية سياسية جديدة تتجاوب مع طموحات المغاربة في الداخل والخارج من أجل ترسيخ مسيرتنا الديمقراطية وتعزيز مناعة بلادنا وتحقيق العدالة والرخاء والأمن والإستقرار لشعبنا. وفقنا الله جميعا إلي ما فيه خير بلدنا والمغاربة أجمعين والسلام عليكم ورحمة الله.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. الساحة السياسية ليس فيها أعداء. الساحة السياسية فيها متنافسون،فيها توافقات ،اختلافات، مصالح ،مصالح مصالح مصالح مصالح مصالح مصالح مصالح ،مصالح مصالح مصالح مصالح مصالح مصالحمصالح ،مصالح مصالح مصالح مصالح مصالح مصالح شكرا لكم على هذا لتصريح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق