احتفال النساء بالمولد النبوي الشريف بزاوية تمكلجت

” أكراوْ” بدار الثقافة تيزنيت
لعل من نافلة القول أن الزاوية التمكلجتية هي أم الزوايا بسوس لذا لا أحتاج إلَى بسط أخبارها، وبيان منزلتها العلمية ودورها التعليمي والتربوي، لأن فضلها على سوس مشهور، وفِي بطون كتب التراجم والتاريخ بالتفصيل مسطور .
ولو ترك البحث أخبار تمكلجت وسيرة علمائها وحاول أن يحصر الكلام على احتفال النساء بها فإننا ومعنا القراء الأفاضل لَم نعثر على معلومات كافية نستقي منها كيف كان نساء الزاوية يحتفلن، نعم ثبت بالتواتر اللفظي ما يفيد أن النساء يحضرن فِي الزاوية ثلاثة أيام قبل الختم الذي يكون يوم السابع من ربيع الأول، وتلك عادتهن قديماً درجن عليها، فيجتمعن ويتذاكرن ويصلين على النبي ويحيين تلكم الليالِي بالذكر وترديد الابتهالات.
وقد أفادنِي الدكتور الْحْسن العبادي أن النساء بتمكلجت يحضرن فِي مكان مخصوص بالزاوية، وهن فِي أقصى حالات الخشوع، ويتلون أمداحاً وتوسلات، وكان مدار أدعيتهن على أوراد الطريقة الناصرية دون غيرها، ومن مجالسهن تلك تأثرت الفقيرات الناصريات فِي كل مجالس المولد المصاحبة لفروع الزاوية التمكلجتية كالتِي توجد بأحواز مراكش، وسوس، وأكلو، وماسة، وأقا، وغيرها من مختلف تلكم الفروع المنتشرة بشتى المدن والمداشر والقرى بسوس.
وعملاً بالمثل العربِي القائل: كفى قوماً بصاحبهم خبيراً سألت الشريفة الحاجة فاطمة الهاشمي عن أحوال احتفال النساء بالمولد بالزاوية فقالت: بأنهن يجتمعن ويرددن أذكاراً مختلفة لكن هذه السنة 1436هـ اجتمعت نساء تمكلجت فقط ولَم تحضر نساء أقا، وفم الحصن، وأيت بعمران، وأكادير، واشتوكة، لكثرة السيول والفيضانات التِي جرفت الطرق، أما قبل ذلك فيحضرن كل سنة فتكون الزاوية غاصة بهن فِي محفل ربانِي بهيج، وعادة ما يقصدن الزاوية ابتداء من يوم الخامس وطيلة السادس والسابع من شهر ربيع الأول، بل بعضهن يأتِي فِي غرة ربيع الأول ويتبركن بالمكان، ويتفقدن المزارات، ويغدقن الدعاء على شيوخ الزاوية، إلَى حين وصول يوم السابع الذي هو مسك الختام.
ثُم أخبرنِي فقيه مدرسة تمكلجت وعميدها سيدي محمد بن عبد الله السعيدي الحاجي أن النساء كانوا يأتون من مختلف أنحاء سوس فِي العقود الأخيرة كحاحا، والشياظمة، وقبائل أحواز مراكش، وهشتوكة، وإداوبعقيل، وتافروات، وتارودانت، وطاطا، وماسة، ويجتمعن فِي الزاوية ويهلِّـلْن، ويكثرن الصلاة على النبي ويسمين ذلك [لْحْضْرَة] فقلت له: وهل هناك من الناصريات من اشتهرن بالتصدي للمجالس المولدية والإشراف عليها ؟ قال: نعم الشريفة للآخليجة بنت أحمد الميمونِي المتوفاة سنة [1328هـ] أما فِي هذه العصور الأخيرة فاشتهرت الفقيرة للآخليجة أُبراهيم فقد ماتت قبل عامين وحلت محلها ابنتها الحاجة فاطمة الهاشمي المذكورة آنفاً، لكن جهود هذه الأخيرة منصرفة إلَى التحضير القبلي للموسم، والإشراف العام والتوجيه، والقيام بالترتيبات الرسمية للحفل.
فقلت له: ومن يشرف الآن فِي سنة 1436هـ على مجالس المولد بتمكلجت ؟ فقال: لا أدري، كل واحدة تأتِي من بلدها، ويلتقين هناك دون أن تكون مشرفة قارة ورسمية عليهن، وعادة ما تبتدئ إحداهن الصلاة على الحبيب  أو الهيللة، ثُم تتلى تلك الأذكار بصيغة جماعية بطرق عفوية فِي رياض كبير بداخل الزاوية تجتمع فيه جميع النساء بقبائل سوس، أما الفقهاء والطلبة فيقرؤون البردة والهمزية داخل الضريح.
ولا شك أن المكانين معاً -أعني الزاوية والضريح- أماكن مباركة وشريفة، يشعان بالنور ينهل منهما الحاضرون والحاضرات من المدد الإلهي، فتراهم رافعين أيديهم إلَى الله وقت الختم متخشعين ﴿       ﴾ ﴿    ﴾ فازدوجت هذه المحاسن والفضائل لتتلاقى عظمة المكان وشرف الزمان، فأضافت للمجلس زينة، وبهاء، ونوراً، وتقديساً.

الدكتور لحسين أكروم

الحسين كروم
ومرشد دينِي بجماعة مجاط / شيشاوة
والنائب الأول لرئيس المركز المغربي للبحث العلمي والأكاديمي

(الصورة من الارشيف )

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق