الحقوق الثقافية واللغوية بمغرب ما بعد دستور 2011* بقلم لحسن أمقران

أمقران

في العاشر من دجنبر من كل سنة، يحتفل العالم باليوم العالمي لحقوق الانسان، ويرمز هذا اليوم لليوم الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة  في عام 1948 الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، قبل أن تعتمد ذات الجمعية القرار 423 (د – 5) سنة 1950 و الذي دعت فيه جميع الدول والمنظمات المعنية للاحتفال بـالعاشر دجنبر سنويا بوصفه يوم حقوق الإنسان.

تحلّ هذه المناسبة هذه السنة في ظل استمرار توجه رأسمالي متوحش ومتعدد الأبعاد، لايؤمن إلا بمنطق السوق وقانون الربح، ولو كان ذلك على حساب الثقافة بمختلف تجلياتها وكرامة الإنسان. لقد أصبح العالم وخصوصا الدول النامية ضحية  تنميط الثقافة التي تتغيى القضاء على كل المظاهر الثقافية المتنوعة لفائدة نموذج ثقافي سائد، وهو ما  تولّد عنه التطرف والتطرف المضاد وتنامي مظاهره.

يأتي هذا العرض ونحن نعلم أن  الدولة المغربية سبق وأعلنت تشبثها بمرجعية حقوق الإنسان وآليات ٱشتغالها، وتذكـّر بٱستعدادها للتعاون مع المنظومة العالمية لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني. وينص الدستور المغربي هنا في ديباجته على أنّ ” المملكة المغربية، العضو العامل النشيط في المنظمات الدولية، تتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيقها من مبادئ وحقوق وواجبات، وتؤكد تشبثها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا. كما تؤكد عزمها على مواصلة العمل للمحافظة على السلام والأمن في العالم.”

إن التمييز ضد الأمازيغية من حيث كونها حقوقا ثقافية ولغوية ثابت في السياسات العمومية المغربية، ولعل ما يؤكد ذلك  تغييبها – وتهميشها في أحسن الأحوال- سواء بشكل كلّي أو جزئي في البرامج العمومية، علاوة على استمرار التفاوتات والفروق في حصص وطبيعة التعاطي مع اللغتين الوطنيتين في شتى التظاهرات والمناسبات والمشهدين الإعلامي والتعليمي، حيث تظل العدالة اللغوية والثقافية حلما مؤجلا تحققه.

وهنا، لابد أن نشير إلى أن كل مظاهر هذا التمييز لم تعد تجد لنفسها مسوغا قانونيا، فالدستور المغربي ومنذ 2011 يعترف بالتعدد وينص على رسمية اللغة الأمازيغية، هذا مع الإشارة الى توقيع الدولة المغربية ومصادقتها على عدد كبير من العهود والاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحقوق الانسان، ولعل أكبر تحدّ للتوجه الجديد للدولة يظل إصرار جيوب المقاومة بالمغرب على التأجيل المتكرر وغير المبرر للإفراج عن القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، هذا دون أن ننسى الإشارة إلى الزوبعة التي أثارها الكشف عن أعضاء اللجنة الملكية المكلّفة بإعداد القانون التنظيمي لإحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، والتي طغت عليها الوجوه التي طالما عبّرت عن عدائها البيّن للتعدد التي تمثّله الأمازيغية، وتنصر الأيديولوجية العروبعثية بشكل إقصائي، مما يمكن وصفه بتواطؤ مكشوف بين الدولة وهؤلاء لتهميش وتقزيم الأمازيغية .

الدولة المغربية ارتكبت أخطاء جسيمة في حق الأمازيغية وهي تصدر العديد من القوانين التنظيمية المتنوعة وتتدارس المخططات المتوسطة المدى دون الأخذ بعين الإعتبار الوضع الاعتباري الجديد للغة الأمازيغية مما يكرس التمييز ضد الأمازيغية لغة وثقافة وحضارة، فقد حافظت الدولة على ترسانة قانونية لا تناسب مغرب التعدد والاختلاف، وهنا نتساءل إن كانت الدولة تنوي إقصاء الأمازيغية في القوانين التنظيمية السابق إصدراها ولو أصدر القانون التنظيمي لتفعيل رسميتها، أم أنها ستعاود تعديلها وتحيينها، وفي كلتي الحالتين، تكون الدولة المغربية بعيدة كل البعد عن الاختيار الصحيح والمسؤول.

لو أردنا الوقوف على أهم مظاهر المس بالحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية لذكرنا على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:

  • تدريس اللغة الأمازيغية: تظل اللغة الأمازيغية في المؤسسات التعليمية المغربية تعاني من كل أشكال التحقير والتهميش، فتدريسها شكلي وأعرج ولا تلوح في الأفق بوادر أي انفراج مطمئن، فمسلسل الإدماج سمته الفشل بل الإفشال بشكل أدق في ظل غياب إرادة سياسية مسؤولة ومواطنة. وهنا، طالبت الخبيرة المستقلة في الحقوق الثقافية الدولة المغربية إلى إصلاح قطاع التعليم من أجل ضمان استخدام اللغة الأمازيغية في جميع المجالات التعليمية، وإدراج الكتب المدرسية الأمازيغية في اللائحة الرسمية للكتب التي تعدّها وزارة التربية الوطنية لتوزيعها في المدارس.
  • برامج محو الأمية: في قطاع التربية دائما، لقد غيبت الدولة المغربية الأمازيغية في برامج محو الأمية منذ أكثر من عقد، وهو التغييب الذي لا يزال مستمرا مما يفسر النتائج الهزيلة للعملية، هذا وقد نبهت لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية منذ تقريرها لسنة 2006 إلى غياب برامج حكومية لمحو الأمية بالأمازيغية، والاقتصار التام للبرامج الرسمية لمحو الأمية على اللغة العربية.
  • الحظر على الأسماء الأمازيغية: رغم إقرار الدستور بالتعدد ورغم ما راكمته الحركة الأمازيغية في مجال المرافعة والمناصرة من أجل تمكين الآباء من تسجيل أبنائهم لدى مصالح الحالة المدنية والقنصليات بشكل يحترم اختياراتهم وخصوصياتهم الثقافية، لا تزال الدولة المغربية عمليا وفية لنهجها في رفض بعص الأسماء الأمازيغية، وقد لاحظت كل من لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ولجنة القضاء على التمييز العنصري ولجنة حقوق الطفل، التضيق القانوني والعملي الواقع على إطلاق الأسماء الأمازيغية على المواليد الجدد وطالبت برفعه وتمتيعهم بحقهم في أسماء يختارونها.
  • واقع اللغة الأمازيغية في الحياة العامة: في هذا الإطار، يسجل التعاطي الفلكلوري التبخيسي لكل ما هو أمازيغي، وتظل اللغة الأمازيغية ضحية كل أشكال التشويه والتحقير في مؤسسات الدولة سواء القضائية أو الاستشفائية أو الإعلامية، ومن ذلك تغييبها في تكوين رجالات الدولة والموظفين السامين، وكذا جعل الكتابة بالحرف الأمازيغي تقليدا سيئا يرتكز على الحضور الشكلي في أحسن الأحوال في غياب ترجمة وإملائية سليمة، لكل هذا أوصت الخبيرة المستقلة في الحقوق الثقافية بتقديم التمويل والمساعدة الكافيين لتدبير بناء القدرات من أجل تعزيز استخدام اللغة الأمازيغية في التعليم والحياة العامة، وتعزيز المهارات اللغوية في صفوف الموظفين الحكوميين والإداريين والقضاة والمحامين الذين يقدّمون الخدمات للناطقين بالأمازيغية.
  • الاستيلاب الثقافي للطفل: لاشك أن الطفل المغربي يعيش نوعا من الفصام والسكيزوفرينية  وهو يجد نفسه أمام ثقافة ولغة وقيم لا تحترم خصوصياته التي اكتسبها من المؤسسة الاجتماعية الأولى ولا علاقة لها بوجدانه وعاطفته، وهنا أيضا، توصي لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الدولة المغربية بسن برامج تحافظ على الهوية الثقافية للطفل وتسمح له بالتمتع بحقوقه الثقافية.
  • الخطاب الديني التحريضي:  حدث ولمرات عديدة توظيف عدد من الأئمة لمنابر المساجد والقداسة المتاحة اجتماعيا ورسميا للشأن الديني وفضاءات العبادة، لتمرير خطاب تحريضي ضد الحركة الأمازيغية والمنتسبين إليها من خلال تكفيرهم وشيطنتهم واتهامهم ببث الفتنة، دون أن تكلف السلطات الدينية عناء متابعتهم وزجرهم لجبر الضرر وحث الأئمة على الالتزام بشرح وتفسيرالعقائد والعبادات والحث على السلوكات والمعاملات الراقية، والابتعاد عن النقاط الخلافية خاصة ما تعلق منها بالتدافع الفكري والايديولوجي لأطياف المجتمع .
  • واقع اللغة في منظومة الإعلام:   تظل قنوات القطب العمومي تتنكر للأمازيغية لغة وثقافة بشكل مفضوح باستثناء بعض اللقطات الفلكلورية من حين إلى آخر وتعمد توظيف التعابير القدحية والمستفزة يقابلها المسؤولون بالسكوت وغض الطرف، ولانرى ضرورة سرد ما يعتري القناة الثامنة من عيوب بخصوصها ما تقدمه للمشاهد المغربي، سواء من حيث الأذى الذي تلحقه باللغة الأمازيغية وتكريس اللهجات والانتصار للصراع الجهوني، أو من خلال ساعات البث وظروف العاملين بها. وما قيل عن القنوات التلفزية ينطبق وبشكل كبير على وسائل الاعلام الرسمسة الأخرى.  إنه وللأسف الشديد يمكن الجزم أن وسائل الإعلام الرسمية ببلادنا عاجزة عن مواكبة المستجدات وتوظيف خطاب الإنصاف في تعاملها مع الأمازيغية رغم كل ما يقال من وجود “مصالحة” رسمية مع الامازيغية.
  • الموروث الثقافي الأمازيغي: لاشك أن إرادة الدولة في تثمين وحفظ الموروث الثقافي الأمازيغي غائبة أو تكاد، فهذا الموروث لاتعرفه الدولة إلا في حملاتها الإشهارية لجلب السياح، فالأعراف  والتقاليد والمعمار واللباس وغيرها من اشكال التراث الأمازيغي المادية واللامادية تعاني الأمرين، وهنا نثير قضية المغارات التاريخية التي يسمح باتخاذها مقالع للأحجار و النقوش الصخرية التي تطالها عمليات التدمير والإهمال، ويسجل عدم اهتمام السلطات بالموضوع وهو ما يبرر بعدم اتخاذ أي قرار في سبيل الحفاظ على هذا الموروث الوطني.
  • استصغار وتبخيس الفن الأمازيغي: لاشك أن الفن الأمازيغي بشتى أشكاله في المغرب يعاني من التبخيس والاستصغار، ومن ذلك إقصاء التعابير اللغوية والثقافية الأمازيغية من الحضور رسميا في التظاهرات الرسمية وطنيا ودوليا وتكريس ثنائية الثقافة العالمة والثقافة الشعبية، هذا بالإضافة إلى حجم الدعم المقدم للمشاريع الفنية والإنتاجات الفنية الأمازيغية مقارنة بغيرها، ثم حظ الفنانين ممن يبدعون بالأمازيغية من التكريمات والدعوات. في هذا الإطار، أوصت الخبيرة المستقلة في الحقوق الثقافية بتخصيص إعانات للفنانين المبدعين بالأمازيغية والمسارح والجمعيات الفنية الأمازيغية بما في ذلك الفنانون الأمازيغ ضمن الفرق التي تسافر إلى الخارج لتمثيل ثقافة المغرب.

كان هذا سيل من فيض التجاوزات التي ترتكب يوميا في حق الأمازيغية في وطنها في وقت نرددّ مواويل احترامنا لحقوق الإنسان، ونسعى إلى كسب ثقة المؤسسات الحقوقية الدولية. بالمقابل، لا يمكن أن نكون عدميين وننكر أن بعض التقدم –على تواضعه ونوعيته- سجل مطلع الألفية الثالثة مقارنة بسنوات ندرك جميعا أنها كانت بحق سنوات جمر ورصاص وانتهاكات جسيمة، ويظل الأمل معقودا ومشروعا في بناء دولة الحق والقانون الحقيقية التي تسبق فيها الممارسة الشعارات.

(*) المقالة مقتطف من المداخلة  التي ساهمنا بها في الندوة الحقوقية التي نظمتها جمعية أفريكا لحقوق الإنسان فرع أملاكو بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق