في الملتقى الدولي للثقافات الإفريقية بتيزنيت : باحثون من 14 دولة يتدارسون دور التصوف في تقوية العلاقات بين المغرب وشعوب إفريقيا

Diapositive2    للمرة الثالثة على التوالي احتضنت مدينة تيزنيت أشغال الملتقى الدولي للثقافات الإفريقية، بمشاركة باحثين وعلماء من أربعة عشر دولة إفريقية، ويتعلق الأمر بكل من “نيجيريا والبنين والكوت ديفوار وغينيا كوناكري والسنغال ويوغندا وليبيريا والسودان وتونس وموريتانيا وتشاد ووبوركينافاصو ومال، بالإضافة إلى المغرب البلد المنظم.
           وقد عرف الملتقى الذي نظمته جمعية “الشيخ ماء العينين للتنمية والثقافة” بتيزنيت في الرابع والخامس من شهر نونبر الجاري، تنظيم ندوة علمية دولية في موضوع: “التصوف ودوره في إرساء الروابط والعلاقات بين المغرب وإفريقيا جنوب الصحراء” أطرها أساتذة وباحثون ومهتمون بالشأن الإفريقي من المغرب ومن دول إفريقية عديدة.
        وحسب الجهة المنظمة، فإن الملتقى الدولي يروم بالأساس تفعيل الديبلوماسية الشعبية في الدفاع عن قضية الوحدة الترابية للمملكة، كما يسعى إلى التعريف بالروابط التاريخية والحضارية والثقافية والدينية والروحية التي جمعت منذ قرون طويلة بين المملكة المغربية وإفريقيا.
         وفي ذات الندوة، تناول الباحثون بالدرس والتحليل تاريخ التصوف في  المغرب وإفريقيا جنوب الصحراء، كما تطرقوا لأهم الطرق والزوايا والأعلام التي عرفتها المنطقة، قبل أن يعرجوا على تراث المنطقة  الصوفي المادي واللامادي، وقدموا قراءات معاصرة في الأبعاد العامة للتصوف في المغرب وإفريقيا جنوب الصحراء، كما تطرقوا إلى دور الزوايا  في المنطقة في نشرالعلم وتربية النفوس وإصلاح المجتمع، فضلا عن دورالطرق و الزوايا في علاقة السلطة بالمجتمع، ودور الطرق الصوفية في توطيد العلاقات المختلفة بين المغرب وإفريقيا  جنوب الصحراء، قديما وحديثا، ودور التصوف  في بناء القيم الإنسانية من تعايش وسلام وتسامح وحوار بين الثقافات والأديان.
وفي هذا السياق، مدت جمعية الشيخ ماء العينين للتنمية والثقافة جسور التواصل بين المغرب وبلدان إفريقيا جنوب الصحراء، بناء على العديد من المشتركات والقواسم التي تربط هذه البلدان  فيما بينها، وعلى رأسها الدين الإسلامي.
            وأشار المنظمون إلى أن إطلاق ندوة “التصوف ودوره في إرساء الروابط والعلاقات بين المغرب وإفريقيا جنوب الصحراء”، جاء بناء على الأهمية التي تكتسيها الطرق الصوفية في ضمان الاستقرار الروحي للمجتمعات، علاوة على الرسالة العلمية الكبرى التي حملتها طيلة التاريخ الإسلامي الطويل والمشرق ، وقدرتها على الاستمرار في نسج روابط متينة بين القبائل والمناطق والدول، ناهيك عن قدرتها على توطيد العلاقات الرابطة  بين المغرب  ودول إفريقيا جنوب الصحراء في كل المجالات التي ما زالت جلية ظاهرة إلى اليوم ، بسبب امتداد التصوف السني العملي المعتدل، من المغرب إلى أعماق إفريقيا كلها، منذ  أواسط القرن الخامس الهجري حسب الأدبيات المتوافرة للباحثين.
           وارتباطا بالموضوع، تشير الورقة العلمية للملتقى إلى أن التصوف المغربي يتميز بثلاثة مبادئ على رأسها الوسطية والاعتدال، في حدود التزام القرآن والسنة، كما أشاروا إلى أن الفكر الصوفي في المغرب أسهم في بناء أصول الفكر الصوفي السني العملي في الغرب الإسلامي بثلاث مدراس أصلية ملأ صداها آفاق العالم الإسلامي، ويتعلق الأمر بمدرسة الإمام أبي القاسم الجنيد، ومدرسة الإمام الغزالي، والمدرسة القادرية، وهي المدارس التي أسهمت بصفة عامة في إشاعة روح التسامح والحوار والتضامن والتآخي وترسيخ الهوية الوطنية ونشر ثقافة الاعتراف بالحقوق وأداء الواجبات وبناء قيم السلام والتعايش بين الثقافات والأديان.
          من جهته، أشار سفير دولة السودان بالمغرب إلى أن “أهل السودان يقولون بالفضل الكامل لعلماء المغرب وأولياءه الصالحين”، مضيفا أن  “ثقافة السودان ما هي إلا جزء من هذا التراث المغربي الغني”، واستطرد المسؤول الديبلوماسي قائلا إن “موضوع الندوة جميل وخطير ، لأنه يقوم على السماحة والفضل في التعاون في الدين والفقه”، مضيفا أن “التعارف الذي حققته الصوفية بين الشعوب تم عبر التعامل مع القلوب دون أي مقامات، والعلم بشتى تجلياته وألوانه بحاجة إلى الطوق الصوفية، التي ساهمت الهجرات المختلفة في تقويتها”، مستدلا على ذلك بنموذج السودان الذي يضم حاليا أزيد من 15 الف أسرة من أصول مغربية، بينها الرئيس الحالي عمر حسن البشير الذي ينتمي جده أيضا لهذا البلد.
           إلى ذلك، ذهب مدير الخزانة الملكية إلى أن ظاهرة التصوف سبقت الدين بكثير، حيث أن جميع الشعوب كانت هائمة وتبحث عن خالق هذا الكون، والدين جاء ليقنن الظاهرة، مستدلا على ذلك بقوله تعالى “قل إن كُنتُم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله”، فمصطلح”التصوف” – يضيف مدير الخزانة الملكية حديث العهد في القرن الثاني، كما أن أهل الدين لم يفلحوا في إقناع أهل الصوفية والباحثين عن هذه الحقيقة، على اعتبار أن الظاهرة لا تختلف بين كل الديانات”.
       كما أشار الباحثون الأفارقة إلى أن علماء التصوف ساهموا بدور كبير في تعزيز التربية على المواطنة وإعمال الحق في التنمية الإنسانية ونشر القيم الأخلاقية السامية التي تدعو إلى تحقيق مجتمع تسوده رعاية حقوق الإنسان، الأمر الذي يحتم تعميق الدراسات والأبحاث في الأدبيات الحقوقية العالمية من منظور صوفي ومواصلة البحث في التأصيل الإسلامي لرعاية الحقوق وأهمية المنهج الصوفي في مجال تربية الفرد والمجتمع.
  تيزنيت

محمد الشيخ بلا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق