وطنيـــة المهروليــن بقلم عبد الصمد خشيع

وطنيـــة المهروليــن

الوطنية هواء مشاع يتنفسه الجميع وإحساس موحد يملكه مواطنو كل بلد، كما هو شأن مواطني المغرب من شماله إلى جنوبه، لذلك يمكن أن نعتبر كل مؤهلاتنا، بلا استثناء، موضوعا للوطنية، لا نستغلها ولا نجمدها إلى أجل غير مسمى، بل نحن ملزمون بالبقاء في يقظة دائمة، وليس بوسع أي أحد، من موقعه كسياسي أو مثقف أو دبلوماسي أو فنان، أن ينعزل بين جدران العجز ويدفن رأسه في رمل اللامبالاة.
نقول ذلك للتأكيد على أن المقياس الصحيح لقوة الدولة وللوطنية الصادقة هو قدرتها على المبادرة الاستباقية وعلى استشراف المستقبل بكل مسؤولية وثبات.
فقد أوجعنا حال المهرولين بالمغرب الذين لا يستفيقون من سباتهم إلا بعد هزيمة سياسية أو موقف دولي حاقد أو تكالب تعصبي أو انفصال مرضي بشأن قضايانا الوطنية وثوابت الأمة التي يستهدفها الأصدقاء قبل الأعداء، مع أننا نملك من الوسائل الدبلوماسية والإعلامية واللوجستيكية ما يفترض أن يجعلنا بمنأى عن أي هزيمة محتملة، نفسيا وثقافيا وسياسيا.
إلى هذه النقطة أريد أن أصل لأؤكد أن الدبلوماسية/الوطنية، وليس الدبلوماسية الانتهازية، التي لا تعدو أن تكون مجرد وظيفة في سلك الدولة، مصابة بعلة مزمنة، وتحتاج إلى من يجس نبضها ويتعهدها بالعناية كي لا تموت.. لم أشأ أن أسميها بالدبلوماسية الكسيحة، ولا المتقاعدة، ولا المصابة بهشاشة العظام، ذلك أنه قد أوجعنا موقف الاتحاد الأوربي من صور تم استغلالها من لدن الجمهورية الوهمية، تتعلق بضحايا غزة فلسطين، كنموذج لانتهاك مـُدَّعى لحقوق الإنسان بأقاليمنا الجنوبية، وتبين أن الاتحاد لا يملك من المعلومات الكفيلة بجعله يستوعب حقيقة المشكل المفتعل في قضية الصحراء، وأن الاختراق الإعلامي لأعداء الوحدة الترابية كان هو الأسبق إلى مخيلة ممثلي الاتحاد الأوربي، فاضطررنا إلى الهرولة من جديد نحوه للتعريف بقضيتنا المشروعة وحمله على التراجع عن قراره؛ كما أوجعنا أيضا حال الوفد المغربي الذي توجه إلى دولة السويد لإقناعها وحملها على عدم الاعتراف بالجمهورية الصحراوية الوهمية.
إن دبلوماسيتنا في حاجة ماسة إلى سفراء مختلفين، يدفعهم إيمانهم وعقيدتهم ووطنيتهم إلى تكريس كل مؤهلاتهم في الدفاع عن وحدة الوطن، ومنهم المثقف والسياسي والمبدع والفنان والرياضي والشاعر والمسرحي والأديب، فلهؤلاء من الإمكانيات ما يسمح لهم بتدويل قضيتنا التي تسكن وجدان كل المغاربة، قضية الصحراء المغربية، ومعها مدينتا سبتة ومليلية السليبتين، اللتين تشكلان عقدة الخلاف بيننا وبين الإسبان، وإن كان الأمر مازال مكبوتا ومكبوحا في ضمير الجماهير ووجدانهم، فخيارات المواجهة المتعددة مع دعاة الانفصال، إذا تم استغلالها دبلوماسيا وإعلاميا واقتصاديا وسياسيا كفيلة بتركيع البوليساريو، بل كفيلة بتركيع الدول التي تتاجر في قضيتنا، ولاسيما أننا نملك موقعا استراتيجيا مهما وعندنا سوق اقتصادية واعدة ونتمتع باستقرار سياسي واضح، ولدينا عقيدة عظيمة نرجع إليها، ونحظى بتعاطف الكثيرين معنا حول العالم كله، وعندنا إمكانيات كفيلة بتركيع كل الأعداء إذا ما استغل جزء بسيط منها، فإلى متى سنظل نمارس رياضة الهرولة في سبيل تدارك مصالحنا الحيوية فقط حين نراها تنفلت من بين أيدينا ولماذا لا نتبنى «الاستباق» منهجا لتحصين أنفسنا وقضايانا العادلة، وعلى رأسها قضية وحدتنا الترابية؟

المساء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق