رحلة إلى بلاد الحرمين (13) بقلم حسن تلموت

حسن تلموت

الحج مؤتمر إسلامي عالمي (2)
واقع تونس: حوار مع شاب تونسي ثائر
على سبيل الافتتاح:
أعتذر لمن يتابع سلسلة “رحلة إلى بلاد الحرمين” على طول غياب لانشغالات فوق الطاقة، وهذه حلقة جديدة يتبعها حلقات بحول الله:
رجعنا من المسجد الحرام –يومها- بعد أن أدينا صلاة العصر، كان بي شيء من الأذى نتيجة التهاب جلدي بسبب تعرضي لحرارة الشمس المفرطة، فقررت أن أصلي صلاة المغرب في الصفوف من المسجد الحرام، التي تبلغ حدود أبواب الفندق.
كان معي أخي “رشيد” نتحدث عن بعض الأمور حين سمعنا دقا على الباب، كان دقا خفيفا بالكاد سمعناه، فتح صاحبي الباب، فإذا شاب قصير القمامة، كث اللحية، يضع على عينيه نظارة طبية. سلم علينا…
لا أدري لماذا شعرت حينها بأن هذا الشاب أقرب إلى قلبي من هؤلاء الذين تحدثت عنهم في الحلقات السالفة بمن فيهم موظفو الفندق؟!!
رددت الأمر إلى تلك الابتسامة المشرقة التي تشغل جل وجه هذا الشاب البشوش، ابتسامة من الناذر أن تجدها على وجه سعودي يشتغل في هذه المؤسسة الفندقية، لكنك تجدها على وجوه غير السعوديين…
أخرجني من تفكيري -حينها- صوت هذا الشاب وهو يتحدث لهجة سعودية خالصة بلكنتها ومفرداتها التي لقننا إياها مسلسل “طاش ما طاش”…
فزاد تعجبي -ولا أخفيكم- فرحي أيضا، هذا سعودي على غير المنوال!!
لا يعني هذا أنني أقصد أنه الاستثناء الوحيد، فقد عرفت خارج السعودية أخي “هاشم” وهو سعودي طيب وكريم ومثقف…لكني لمست منه -حين عرفته خارج السعودية وقبل الحج بسنوات- لمحة من ثورة على إرادة التنميط والاختزال في نموذج واحد، هو النموذج الذي ادركت بعد قدومي إلى “بلاد الحرمين” انتشاره انتشارا –للأسف- “سرطانيا”!! فهو النموذج الذي من خصائصه المركزية، الفكر المتعنت الذي يظن أنه محتكر للحقيقة في كل المجالات:
فهو “السلفية والسنة، وهو العرق العربي النقي، وهو المصطفى من الله بدعوة إبراهيم –عليه السلام- وبالرزق الواسع والمال الوفير….”
وهذا الفكر –للأسف- يتوسع بشكل واع عند من يحسب على الثقافة بكل تفاصيلها، كما يعيشه –دون خوض في مرجعيته الفلسفية- عموم السعوديين…
فقد حضرنا في “المدينة المنورة” خطبة جمعة يتحدث فيها “العالم!!!!” عن كون زواج حكم “آل سعود، ومذهب الشيخ محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله-” هو زواج “كاثوليكي” لا يقبل الانفصام، وهو الضامن لتطبيق الشريعة الإسلامية في “المملكة”؟؟؟
وأقر، أنني انشغلت عن باقي الخطبة -حين تلفظ الخطيب بكلمات هذا المعنى- بالسؤال عن تجليات تطبيق الشريعة هذا؟؟!!
وقلبت سؤالي على أوجهه المتعددة طلبا لجواب له، وأنا أستحضر التفاصيل السالفة التي يتربى عليها “السعودي” والتي تقنعه أنه فوق الغير، وان الغير دونه، حتى في القضايا ذات البعد الغيبي، ففهمت شيئا من “سيكولوجية” الانغلاق التي يعيشها المتمذهب بمذهب أهل السعودية” في القضايا الدينية، تلك “السيكولوجية” غير المؤهلة سوى لإنتاج مزيد من الانغلاق، ما لم يؤسس تقويمها على مراجعة الفلسفة التي أفرزتها…
وبعد أيام من واقعة “الخُطبة” المذكورة، زاد تأكدي بأن هذا المرض “سعودي” خالص، لم أجده في غيرها من البلدان والمجتمعات ممن زرتها أو قرأت عنها، فقد جاءنا مندوب من “وزارة الحج” السعودية -حين ركبنا حافلتنا قصد الذهاب إلى “مطار”المدينة المنورة للمغادرة إلى بلادنا- فوزع المندوب علينا جوازات سفرنا التي تم احتجازها لأقرب من خمس وعشرين يوما…بينما كنت أستلم جوازي وأنا فرح بلقائه بعد طول غياب، سمعت صوتا يقول:
-الآن بعد استلامكم لجواز سفركم، لم يعد لكم الحق في الخروج من الحافلة إلى الأراضي السعودية!!!!!؟
كان كلاما مستفزا –حقيقة- يضمر في طياته معاني التعالي والتميز، وكأننا نحن والعالم كله نقصد إلى الهروب والاختباء للنهل من الخيرات المتراكمة في هذه الدولة “الفريدة” دون غيرها!!
بعض بلاد العالم تستقبل من السياح أضعاف أضعاف ما تستقبله “السعودية” من “حجاج” لبيت الله الحرام، ومع ذلك لا نعلم دولة تسحب جوازات سفر “السياح”، ولا دولة تنتقص من أهليتهم، بأن تفرض عليهم “ولي أمر” مؤهل وتشترط أن يكون من مواطنيها!! تسميه تارة “الكفيل” وتارة أخرى “المطوف”…
بل إن كل دول العالم تسعى لاستقطاب “الغير” للاطلاع على ثقافتها، إما للتعرف على عناصر هويتها، وكذا للاستفادة من عائدات السياحة، وإما لمساهمات العقول والسواعد التي تريد الإقامة فيها لبناء ذواتها، بشروط السياحة أوالإقامة، فتسلم السياح أو المقيمين وثائقهم، وتذكرهم أنهم كاملو الأهلية، كل ما في الأمر أنهم -كعموم المواطنين- واقعون تحت طائلة القانون إذا صدر منهم ما يخالفه
التفتت إلى مصدر الكلام “المستفز” وأنا أقول في نبرة تهكمية تختزن الضجر، والتعبير عن المعاني السالفة البيان:
-أتحسب أن كل الناس يحسدونكم على نعيمكم هذا، ويستهدفون “الحريق”/”الهجرة غير الشرعية”، إلى بلادكم؟؟؟
والله لولا الحرمين، وعبق سيرة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لقلت لك ما قال الله تعالى: “وما يكون لنا أن نعود فيها بعد إذ نجانا الله منها”.
يتبع بحول الله……….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق