التبغ .. أسرار «تجارة» مثيرة للجدل

خلال تلك الجلسة أشارت مختلف الفرق البرلمانية إلى الأضرار الجسيمة للتبغ على الصحة وإلى العواقب الاقتصادية والاجتماعية لاستهلاك هذا المنتوج، داعية إلى عدم التعامل معه كأي منتوج استهلاكيّ عادي.
وأبرزت التدخلات أن تحرير قطاع التبغ وخوصصته سيؤديان إلى انخفاض أثمان السجائر، ومن ثم ارتفاع استهلاكه، مشددة على ضرورة أن تتحمل الحكومة مسؤوليتها في تقوية نظام المراقبة والحماية الصحية في هذا الشأن.
اليوم، وبعد مرور تسع سنوات على إقرار هذا القانون، وبعد أن أصبح العدالة والتنمية في الحكومة، عاد النقاش مجددا حول القوانين المنظمة لتجارة التبغ في المغرب، تجد حكومة بنكيران نفسَها أمام مجموعة من الالتزامات تجاه هذا النوع من التجارة، بِغضّ النظر عن الموقف الأخلاقيّ للحزب الذي يقود الحكومة من هذا النوع من «التجارة». في هذا التحقيق سنكشف مختلف الجوانب المحيطة بهذه التجارة ومختلف التعديلات التي جاء بها مشروع قانون المالية لسنة 2013 ومدى قدرته على إنهاء الاحتكار ودخول فاعلين جدد إلى السوق الوطنية.
التبغ في قانون مالية 2013
كشف مشروع قانون المالية مجموعة من الإجراءات الضريبية التي اقترحتها الحكومة من أجل إصلاح نظام تضريب التبغ، في محاولة منها رفعَ العائدات الضريبية من 11 مليار درهم إلى ما يقارب 12 ملياراً، أي بزيادة مليار درهم خلال الثلاث السنوات القادمة. وينص المشروع على أن إصلاح نظام تضريب التبغ المصنع يشكل شرطا مسبقا للتحرير، في أفق إقرار المنافسة بين الفاعلين في هذا القطاع.
هموم المهنيين
يسجل المهنيون وجود مجموعة مما اعتبروه تشوهات على مستوى المنافسة الحرة داخل القطاع، ويطالبون في هذا الإطار بضرورة تصحيح التّفاوتات في مجال الولوج إلى السوق وبإلغاء الريع غير المستحَقّ الذي تستفيد منه إحدى المقاولات الخاصة وكذا بتفعيل الإنصاف التّجاري وحرّية التنافس، بإنهاء الاحتكار الناتج عن السّعر الأدنى. وشدد المهنيون على أنه، وبمقتضى الفصل ال35 من الدّستور وتوصيات مجلس المنافسة، يُعتبر السّعر الأدنى (المتوسّط الحسابي للسّعر 27.53 درهم) ودفتر التّحمّلات اللوجيستيكي شروطا تمييزية بالنسبة إلى الوافدين الجدد، حيث يطالب المهنيون بضرورة إلغاء الاحتكار الحاصل على 80% من السوق، والذي يمنح امتيازا ماليا غيرَ مستحق لفائدة مقاولة خاصة دون أيّ مقابل مالي تستفيد منه مداخيل الدّولة، وهو ما يسمح -حسب خبراء القطاع- بإبقاء المداخيل الجبائية القطاعية في نفس المستوى برسم ميزانية 2013، وبجزء تكميلي من حوالي مليار في 2015.
كما أن تشجّيع الاستثمارات المباشرة الأجنبية في حال التّحرير الفعلي للقطاع، وإقرار تنافسية شريفة، سيساعد في تقدير ذات المصادر في خلق مناصب شغل وتحسين مداخيل بائعي التّبغ، وكذا تشجيع الاستثمار في أدوات الإنتاج و خلق قيمة مضافة للبلاد.
احتكار الخواص
يرى مجموعة من الخبراء الاقتصاديين أن قطاع التبغ يعرف وضعية شاذة بالمقارنة مع باقي دول العالم، ففي الوقت الذي تم إنهاء احتكار الدولة لهذا القطاع بموجب القانون 47.02 تم منحه لشركة خاصة تحتكر اليوم 83 في المائة من تجارة التبغ، فيما تحتكر 93 في المائة من التبغ الأسود، الأمر الذي يرى الخبراء أنه جعل المغربَ في وضعية اقتصادية صعبة بسبب تناقضه مع الاتفاقيات الدولية التي وقعتها المملكة مع الإتحاد الأوربي ومنظمة التجارة العالمية. وتعود أسباب هذه الوضعية -حسب المصادر ذاتها- إلى أن مديرية الخوصصة في وزارة المالية كانت ممثلة في المجلس الإداري للشركة الخاصة المشرفة على قطاع التبغ، فضلا على كون هذه المديرية تعتبر عضوا في مجلس المنافسة، ما أدى إلى استمرار وضعية الاحتكار.
كما أكد الخبراء أن هناك دواعيَّ جبائية وراء استمرار وضعية الاحتكار، على اعتبار أن الدولة كانت تتخوف من فتح السوق، الأمر الذي سيؤدي إلى انخفاض الأثمنة وبالتالي سهولة الوصول إلى السيجارة من طرف فئات اجتماعية واسعة، كما أن هذا الإجراء يهدد بتراجع العائدات الضريبية للدولة من هذه التجارة. ومنذ سنة 2003 لم تستطع الدولة أن ترفع من الضرائب المفروضة على قطاع التبغ، حيث كان التخوف من تراجع الجبايات بسبب معطى التضريب على ثمن البيع، إذ إن الشركة المُحتكِرة كانت تطالب الدولة بالسماح لها برفع الأثمنة كلما طالبت الدولة بالزيادة في الضريبة، بسبب تخوف الدولة من كون ارتفاع أثمنة السجائر سيشجع السجائر المُهرَّبة، وهو ما جعل الدولة عاجزة لمدة تسع سنوات، إلى أن جاء قانون المالية لسنة 2012 ليرفع نسبة الضريبة على التبغ بنسبة 1.6 في المائة، التي لم يكن لها انعكاس على الأثمنة.
ورطة قانون المالية
يرى الخبراء أن الحكومة الحالية، وفي إطار بحثها عن مداخيل جبائية جديدة، اتجهت إلى قطاع التبغ، الذي يشكل رابعَ مورد جبائيّ، حيث يزود ميزانية الدولة ب11 مليار درهم سنويا، فكان التفكير في تأهيل القطاع، لكن الدولة اصطدمت بكون القطاع مازال محتكَراً من طرف شركة واحدة، في حين ليس هناك أي «منفذ» لدخول فاعلين جدد، بسبب الإطار القانونيّ المغلَق، خاصة تحديد الثمن الأدنى للبيع في 27 درهما بالنسبة إلى اللفاعلين الآخرين. في المقابل، تخلت الشركة الخاصة التي تحتكر القطاع اليوم عما يقارب 20 في المائة من مناصب الشغل في السنوات الأخيرة وأغلقت مجموعة من الوحدات الإنتاجية، خاصة في تطوان والدار البيضاء.
وقع المغرب مجموعة من الاتفاقيات مع الاتحاد الأروبي في إطار ما بات يعرف بسياسة الاندماج ال
اقتصادي، وإثر ذلك تهاطلت مجموعة من المراسلات من الاتحاد الأوربي إلى المغرب، تحثه على ضرورة احترام تعهداته بشأن التجارة، خاصة في قطاع التبغ، بسبب عدم التّقيّد بمبادئ الاتفاقات الثنائية والدّولية وبالقواعد والتوجهات الدّولية (الاتحاد الأوربي والوضع المتقدّم، الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة (GATT) المنظمة العالمية للتجارة (OMC). ومن أجل كل ذلك قامت الحكومة، من خلال قانون المالية لسنة 2013، بإعادة هيكلة القطاع جبائيا من أجل إنهاء الاحتكار وفتح القطاع على فاعلين جدد وخلق مناصب شغل جديدة.
تطور قطاع التبغ بالمغرب
في سنة 1906: اتفاقية «الجزيرة الخضراء» والأشكال الأولى للتدخّل الاقتصادي للحماية؛ كما تم إقرار امتياز الاستغلال وكذا تسليم الحقول الأولى للشركات الأجنبية. وتغطي هذه الامتيازات أيضا قطاع التّبغ، وتمّ منحها ل«ليون نيل».
فيما بعد، نقل «ليون نيل» حقوقه إلى «الشركة الدّولية للتدبير المشترك للتبغ بالمغرب»، وهي شركة تخضع للقانون الفرنسي؛
– 1931: توقيع اتّفاقية بين الدّولة و«الشركة الدّولية للتدبير المشترك للتبغ بالمغرب»؛
– 1932: ظهير 12 نونبر المتعلق بنظام التّبغ؛
– 1967: قرار الدّولة المغربية عدم تجديد الامتياز وإنشاء شركة التّبغ مجهولة الاسم؛
– 2002: تبنّت الدولة -بصفتها مساهمة- شكل شركة مجهولة الاسم في مجلس إدارة ومجلس مراقبة ل«شركة التّبغ»؛
– 2003: إعداد القطاع للخوصصة، حيث تم تغيير النظام الجبائيّ للشركة وإصدار قانون 46-02 لتدبير القطاع وتأطير أجندة تحريره، والذي ينصّ على تحرير القطاع وعلى الإنهاء الكلّيّ لاحتكار شركة التّبغ في 2008؛
– 2003: توقيع ملحق اتفاقية امتياز استغلال احتكار التبغ وتفويت 80% من الرّأسمال لمجموعة «ألطاديس»؛
– 2006: إصدار مرسوم قانون يعدّل ويتمّم قانون 46-02، المعدّل بقانون 40-05، الذي ينصّ على إعطاء المجموعة الإسبانية مهلة إضافية من ثلاث سنوات من أجل تحرير القطاع، الذي تم تحريره في فاتح يناير 2011 بدل 2008. وحددت المادة ال21 من قانون 46-02 السّعر الأدنى التّمييزيّ، كما تم -في نفس السنة- تفويت 20% من باقي الرأسمال لمجموعة «ألطاديس»؛
– 2008: شراء «ألطاديس» من طرف «إمبريال طوباكو»؛
-يناير 2011: تحرير القطاع في مختلف جوانب الإنتاج والاستيراد والتّوزيع، مع وصول فاعلين جديدَيْن:
-التّبغ الدّولي لليابان، وهي في المرتبة الثالثة عالميا، وتسوّق علامات «ونستون» و«كاميل»؛
-التّبغ البريطاني -الأمريكي، وهو في المرتبة الثانية عالميا، ويُسوّق علامة «دانهيل».
فضح وضعية القطاع
انتقد مجلس المنافسة مجموعة من الشروط المفروضة على الفاعلين الجدد في قطاع التبغ، ففي ما يخص إلزامية تكوين شبكة للتوزيع في مجموع التراب الوطني، يرى مجلس المنافسة أن هذا الشرط يشكل عائقا للولوج إلى السوق ومقيدا للمنافسة، حيث تكشف الشروط المرتبطة به ضرورة توقيع 10 عقود على الأقل في كل عمالة وإقليم والتوفر على أسطول من 40 شاحنة وعلى مركز رئيسيّ للتوزيع، على الأقل، في عاصمة جهة ما وعلى مركز أو مستودع في كل الجهات الأخرى.. ما يُفهَم منه أنه يجب، مسبقا، على كل فاعل يرغب في ولوج السوق تكوين شبكة تتشكل، على الأقل، من 840 مكتبا لبيع التبغ و16 مستودعا جهويا و40 شاحنة..
واعتبر المجلس أن هذه الشروط تبدو تعجيزية وصعبة التحقيق دفعة واحدة ومع بداية النشاط. هكذا، تشكل إلزامية التوفر على شبكة تغطي مجموع المملكة، مع الخصوصيات التي تم سردها، عبئا ماليا ضخما لا يمكن للمستثمرين الصغار والمتوسطين تحمله مع بدء ممارسة نشاطهم.
أما في ما يتعلق باعتماد السعر الأدنى فيرى مجلس المنافسة أن السعر الأدنى يشكل عائقا حقيقيا للولوج إلى السوق، حيث إن السعر الأدنى المفروض من طرف القانون الجاري به العمل يحرم الوافدين الجدد من الولوج إلى أصناف السعر الأقل من المتوسط الحسابيّ المحدّد، وبالتالي وأمام هذا الوضع ورغم فتح القطاع أمام المنافسة، تظل الفئة الأكثر أهمية داخل السوق (83 %) من احتكار «إمبريال طوباكو» وخارج نطاق المستثمرين المحتمَلين، وهو ما يفسر أن عرض المنافسين الجدد للفاعل التاريخي يتموقع فقط داخل الفئة الفاخرة.
أما بخصوص القيود اللوجستيكية واعتماد السعر الأدنى فقد خلص تقرير مجلس المنافسة إلى أن إلزام الوافدين الجدد بتكوين شبكة واسعة لا تقل على 840 مكتبَ بيع للتبغ والتوفر على ما لا يقل على 40 شاحنة وتزويد مكاتب البيع وتأمين وتيرة تزويد نصف شهرية، في الوقت الذي لا يمكنهم تسويق سوى السجائر التي تقع ضمن فئة السعر الأعلى، يشكل عائقا ثقيلا أمام المنافسة.
كما سجل المجلس أن الفاعلين الجدد لن يحظَوا، أمام ضيق السوق المفتوح، حقيقة في وجه المنافسة (17 %) وأمام طبيعة المنتوجات الفاخرة أيضا، بتسويق شامل لمنتوجاتهم، يُمكّنهم من تعويض التكاليف الناجمة عن المتطلبات التنظيمية المفروضة على مستوى البنية التحتية اللوجستية.
كما أن الوافدين الجدد مُلزَمون، أمام عدم توفرهم على إمكانية الولوج إلى الفئات الأخرى للأسعار، بتسويق منتوجاتهم الأعلى سعرا في المناطق النائية، رغم أن الطلب يتوجه في هذه المناطق نحو السجائر من المستوى المنخفض أو المتوسط بسبب القدرة الشرائية الضعيفة للمستهلكين.. وعلى سبيل المثال، لن يكون مُجديّاً، من الناحية الاقتصادية، تسويق العلامات الفاخرة في المناطق النائية، وبالأخص القرى.
وسجل مجلس المنافسة أن هذا الوضع هو أكثر تقييدا، لأن التشريع يفرض تزويد مكاتب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق