تكوين اطر الإدارة التربوية ، الواقع والمأمول بقلم ذ.مولاي نصر الله البوعيشي

في معايير اسناد مناصب الإدارة التربوية

بالرغم من أن الإدارة التربوية تكتسي أهمية خاصة بالنظر لارتباطها بالتدبير اليومي للعملية التربوية فإن معايير إسنادها لا تعتمد على مقاييس علمية ديمقراطية واضحة ، ولا ترتكز على الكفاءة والخبرة و القدرة الذاتية للمترشحين ، بل تعتمد معايير فضفاضة غير دقيقة ، مجحفة وغير منصفة . ومن مساوئ هذه المعايير أنها تفتح باب التنافس أمام الجميع بغض النظر عن الكفاءة والخبرة و النزاهة والإخلاص ، فمثلا إذا كان معيار “الاقدمية في المنصب” يصلح في الحركة الانتقالية من مؤسسة الى أخرى لأداء نفس المهمة ، فإنه في المقابل لا يصلح كمقياس لإسناد مهمة إدارية تربوية ، اذ على الأستاذ الكفء المجد والمخلص المنتقِل لتوه إلى مؤسسة قريبة من سكناه لسبب اجتماعي او صحي ، أن ينتظر 10 سنوات أو أكثر بالرغم من أقدميته العامة التي قد تصل إلى اكثر من 20 سنة إذا هو أراد أن يترشح لشغل منصب الإدارة التربوية ،حارس عام مثلا ، وفي هذا تنكر واستهانة بالخدمة والتجربة التي اكتسبها ذوو الأقدمية العامة ؟؟ ثم ما الفائدة من منح نقط امتياز لحاملي بعض الشواهد الجامعية التي لا تمت علميتها بأية صلة للتسيير التربوي والتدبير الاداري ؟؟
وفي نظام تقويم أداء المترشح لشغل مناصب الإدارة التربوية ، نجد أن شبكة التنقيط تخصص نقاطا لأهلية المترشح (المواظبة – السلوك – الهندام ) في غياب تام لمعيار نوعي يحدد مفهوم ” الهندام الرسمي المطلوب”. لأنه في المجتمع المغربي يختلف مفهوم الهندام أو الزي الذي يلبس في كل وسط ؟ فما هو إذن الهندام الذي يستحق العلامة الكاملة ؟ و إذا استثنينا المذكرة الوزارية رقم223 الصادرة بتاريخ 13/12/1968 في شأن الهندام اللائق برجال التعليم وأبرز ما جاء في هذه المذكرة :”أطلب منكم بالحاح ان تلزموا جميع العاملين تحت اشرافكم بمراعاة اناقة المظهر المتجلية في ارتداء الملابس المناسبة ” والمذكرة الوزارية رقم 283 بتاريخ 18 دجنبر 1979 في موضوع “السلوك والهندام في مؤسساتنا التعليمية والتي نصت على ما يلي (عدم الخروج عما هو مألوف في المجتمع المغربي)فإنه لا وجود لأي نص تشريعي يحدد بدقة نوعية الهندام “التربوي والإداري” الواجب ارتداؤه داخل المدرسة ؟وبالتالي تبقى مسالة تنقيط هذا المعيار رهنا بالسلطة المزاجية للرئيس المباشر .
كما نجد نقطا أخرى تتعلق بمؤهلات المترشح للقيام بالمهام المطلوبة :(القدرة على التنظيم – الاشعاع في المحيط المدرسي ) ما المقصود بالقدرة على التنظيم ؟ هل تتوفر الإدارة على نموذج للتنظيم يمكن الاستئناس به ؟ هل المقصود بالتنظيم هنا هو التوزيع المناسب للأفراد و الواجبات وتحديد الاختصاصات و توضيح المسؤوليات وتحديد المهام داخل المؤسسة لتحقيق الانسجام وتلافي الازدواجية والاستفادة من القدرات والطاقات وتحديد العلاقات بين الافراد وبين الادارات والمساعدة على نقل المعلومات وتوحيد الجهود وترشيد الانفاق وتوزيع الصلاحيات من أجل تحقيق هدف منشود؟ هذا علما بأن هناك خلافات كبيرة بين مختلف مكونات الإدارة التربوية بسبب ضبابية كثير من المهام ؟ أم ان المقصود بالتنظيم ترتيب الملفات والأدوات والتجهيزات في الرفوف مع عناوين بارزة بخط جميل ؟ (علما بان التنظيم الإداري علم قائم الذات )
إن موضوع تقييم أداء الموظفين و تنقيطهم سواء بمناسبة الترقية أو اسناد مناصب المسؤولية تعتريه عدة صعوبات منها ما هو قانوني:
1- فالمرسوم الملكي رقم 988.68 بتاريخ 17 ماي 1968 بتحديد مسطرة تنقيط الموظفين يتميز بكونه عمل على تفصيل كيفية تطبيق المقتضيات التي جاء بها النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية في موضوع تقييم أداء الموظفين دون أن يحدد عناصر هذا التقييم .
ومنها ما هو بشري :
2- فالرؤساء المباشرون من مديرين وغيرهم لا يملكون الجرأة والشجاعة الكافية لإبداء رايهم وملاحظاتهم بكل موضوعية فعلامات التقييم اما انها تكتسي صبغة المحاباة و جبر الخواطر أو تفادي المواجهة او انها مناسبة يستغلها البعض لتصفية الحسابات وللانتقام ، مما تسبب في كثير من الصراعات (وربما يتذكر القاري ء حادثة طعن أستاذ لمديره بسكينة )
ومنها ما هو تقني :
3- إذ لا توجد شبكات مفصلة ترصد و توضح وتدقق عناصر التقييم ، فمثلا كيف يتم تنقيط مواظبة الموظفين وكيف يتم احتساب تغيباتهم وتأخراتهم عن العمل ؟ هل تتوفر المؤسسة والنيابة والأكاديمية على شبكة خاصة بهذه العملية تسجل فيها التغيبات المبررة وغير المبررة وتحتسب بناء عليها النقط الواجب خصمها ؟
ما المقصود ب:” السلوك” ؟ هل المقصود به سلوكيات الموظف أثناء أداء عمله الفعلي من قبيل : التعاون مع الزملاء والدقة في الأداء وأتباع التعليمات وتحمل المسئولية؟ أم ان المقصود به – كما يظن البعض- عيوبه ومحاسنه الشخصية أم درجة علاقته مع الإدارة ؟؟؟ هل هناك سجل خاص بكل موظف تسجل فيه الوقائع الفعلية لسلوكه من طرف الرئيس المباشر و تعتمده الإدارة أثناء حلول فترة التقييم الدورية ( الترقية أو اسناد مناصب المسؤولية …) لإصدار حكمها بكل موضوعية على أداء الموظف بدلاً من العشوائية والذاتية والمزاجية والروح الانتقامية التي تميز هذه العملية اليوم. ولكن مع الأسف ادارتنا الخجولة والجبانة تتفادى مثل هذه السجلات لأنها تثير تذمر واستياء الموظفين لشعورهم بأنهم تحت المتابعة والرقابة المستمرة من جهة ولأن هذه العملية تتطلب كثيرا من الوقت والجهد في تسجيل الوقائع والملاحظات لكل موظف.
إن الرقابة أو المتابعة وظيفة أساسية لسائر العمليات الادارية لأنها تكتشف الأخطاء من أجل تصحيحها وتطويرها فضلاً عن المحاسبة عليها حتى لا تتكرر ممن وقع فيها ولكي يرتدع غيره من ارتكابها.
نظرا للأهمية التي تكتسيها عملية التقييم من اجل الاسناد و تأثيرها ليس على الحياة الإدارية للموظف فقط و لكن ايضا و بشكل كبير لما لها من تأثير على المرفق العام و نتائجه، فقد آن الأوان ان يعاد النظر في مقاييسها بهدف تجاوز الغموض و تقليص هامش الذاتية والاختلاف في التفسير والتأويل والتداخل بين ما هو اداري وما هو تربوي، ورد الاعتبار لكل من معيار الأقدمية العامة ومعيار العطاء والمردودية /نقط المراقبة التربوية ، و أن تكون للمواظبة والسلوك والهندام مواصفات وجزاءات محددة بشبكات واضحة يطلع المعنيون على محتوياتها يوقعون عليها لكي لا يبقى الامر خاضعا لانطباعات وتقديرات بعض المديرين الذين بطرح سلوك وهندام ومواظبة بعضهم أكثر من علامة استفهام . كما يتعين على كل من النيابة والأكاديمية-التي يجب ان يكون موظفوها مثالا يحتدى في السلوك والهندام والمواظبة والأداء-عدم الاكتفاء بالمصادقة العمياء على ما يرد عليها، بل يتعين التأكد من مدى مطابقتها للوقائع المتضمنة في ملفات المترشحين. وذلك عن طريق تأهيل العنصر البشري المكلف بتتبع هذه العمليات من مديرين ورؤساء اقسام ومصالح ومكاتب مع تمكينهم من شبكات خاصة موحدة وببرامج معلوماتية لتبادل واستثمار المعلومات والمعطيات. لوضع حد لفوضى اسناد مناصب الإدارة التربوية وغيرها التي يتساوى فيها المجدون والمخلصون المواظبون مع المتملصين والغشاشين، لقد كنا شهودا على تولي اشخاص بسوابق تأديبية وبسلوك مشين مناصب مفصلية في الهيكل التنظيمي للوزارة والأكاديميات والنيابات وخير مثال على ذلك اسناد مهمة رئيس قسم معروف بسلوكه المشين وتغيباته الفجة ورغم إعفائه من هذا المنصب الذي يستحقه غيره، لعدم اهليته ولمؤهلاته المتدنية، يعين من جديد مشرفا على مركز تكوين أطر وزارة التربية الوطنية وفي مقدمتهم أطر الإدارة التربوية.

 المقابلة ، المصاحبة ، التكوين النظري

يقول بيير سميت : ” أن جمع معلومات إضافية عن المرشحين هو أمر يستحق العناء وذلك للتأكد من أن عملية الاختيار قد اكتملت وبأنها تتسم بالموضوعية إلى أبعد حد ممكن، وفي كثير من الأحيان يبقى كل هذا البحث والتنقيب غير كاف ولا بد من إجراء مقابلة”.
تهدف المقابلة الى وضع الرجل المناسب في المكان المناسب بناء على مرجعية واضحة ومعايير علمية دقيقة وموضوعية و تكمن أهمية المقابلة في كونها فرصة للأوصياء على قطاع التعليم (وزارة- اكاديمية- نيابة) للتعرف أكثر على شخصية المترشح(ة) لشغل مهمة الإدارة التربوية مدير- ناظر- رئيس اشغال – حارس عام – مدير الدروس … وتَلَمُّس مواصفات وشروط القيادة في شخصيته ، ومدى ادراكه لجسامة المسؤولية التي تنتظره، وقدرته على الابداع والابتكار باعتبارهما من أهم مهارات القيادة، وتوفره على المؤهلات والخبرات المطلوبة لمواجهة الصعوبات، واتخاذ القرارات بحكمة وترو وبعد نظر.
ولكن بالرجوع الى نماذج الأسئلة التي تطرح على المترشحين اثناء هذه المقابلة يتضح انها تحولت الى امتحان شفهي في جميع مناحي التسيير الإداري والتربوي والمالي وكأن المعني خريج مدرسة إدارية، أسئلة حول مواضيع ،أنا على يقين أن جل إن لم يكن كل أعضاء لجنة غير ملمين بها .
ان الطريقة التي تتم بها المقابلة في كثير من الأكاديميات بعيدة كل البعد عن هذه الأهداف النبيلة، ذلك – مع الأسف الشديد- أن جل اللجن المكلفة بإجراء المقابلات تحكمها اعتبارات أخرى ناتجة إما عن ضعف المستوى المعرفي وعدم الالمام بأبسط ابجديات الإدارة التربوية التي أصبحت علما قائما بذاته (باستثناء المفتشين التربويين و مفتشي المصالح المادية والمالية الذين لهم تكوين خاص في مجال تخصصهم )، او اقتصارها على رؤساء المصالح والاقسام والمكاتب يحكمها هاجس الاستفادة من غنيمة التعويضات المخصصة لهذه المهام التي تصرف للمقربين ومن يدور في فلكهم . يضاف الى ذلك غياب التنظيم المحكم للمقابلة (الاطلاع على المشاريع او البحوث المقترحة و توزيع المهام / المحاور بين أعضاء اللجنة) ، ولجوء بعضهم إلى وضع أسئلة تعجيزية حول مذكرات او مراجع ومساطير لا طائل من ورائها ولا فائدة ترجى من معرفة تواريخها وأرقامها ، وأخيرا طغيان المحسوبية والزبونية ومحاولة إرضاء بعض النقابيين وتفضيل مترشحي الإقليم او الجهة على غيرهم ،عملا بمبدأ ” اللي تتعرفو حسن من لي ما تنعرفوش” وأساسا تهميش دور اطر الإدارة التربوية الأكفاء حراس عامين ونظار … من المساهمة في هذه العملية وفي مختلف مراحل تأطير زملائهم الجدد .
ومن الدلائل الصارخة على هذا التخبط : حصول بعض المترشحين على علامات مخزية تقل عن عشرة من عشرين في مقابلة بهذه النيابة ، وعلى علامات تفوق عشرة من عشرين بكثير في مقابلات بنيابات أخرى .

1- المصاحبة :

إن فكرة مصاحبة المديرين الجدد استوردها المشرع المغربي من النظام التعليمي الفرنسي ( أنظر المرسوم الفرنسي رقم l’article 3 du décret n° 89-122 du 24 février 1989) وفي اطار اتفاقية بين الطرفين اشرف خبراء فرنسيون من اكاديمية DIJON على تكوين وتدريب بعض الأطر المغربية التي ستشكل بعد ذلك الفرق الاكاديمية للمصاحبة (كان لي شرف الاستفادة من هذا التكوين) و التي تولت بعد ذلك تكوين لجن إقليمية، وكما نص على ذلك القانون الفرنسي المشار اليه يوجد ضمن فريق المصاحبة الجهوية أو الإقليمية ، مدير مصاحب DIRECTEUR TUTEURكما ان مصطلح ” المصاحبة” المستعمل في مذكراتنا الوزيرية ترجمة حرفية ” للمصطلح الفرنسي accompagnement الذي يعني المرافقة والملازمة ، الوارد في المرسوم الفرنسي الملمع اليه أعلاه .
و لا يختص فريق المصاحبة -الذي يجب ان يكون مكونا من أطر متمرسين و مراكمين لتجربة تدبيرية مهمة بعكس ما نراه اليوم حيث هاجس التعويضات هو المتحكم – بتقديم حلول جاهزة للمشاكل التي تعترض المدير المتدرب ، ولا يقترح نموذجا معينا للتدبير والتسيير ، بل تقتصر مهمته على مساعدة المتدرب على تطوير مقدرته لكي يصبح قادرا على القيام بنفسه بإجراء تشخيصات محددة للصعوبات والمشاكل ، ويواكبه لتطوير برامج عمله لزيادة الفعالية والتأثير التنظيمي انطلاقا من نظرته هو، وتصوره هو ، وليس بناء على قالب أو نموذج جاهز.
وتتم عملية المصاحبة عبر محطات تبرمجها النيابة الاقليمية و بجدولة زمنية مضبوطة يقوم فريق المصاحبة خلالها – عند الضرورة- بتزويد المدير بالوثائق المرجعية ، وذلك بتوافق تام مع يتلقاه في التكوين النظري الذي تعتبر المصاحبة حلقة مكملة له.
أما اهتمام المدير المصاحب DIRECTEUR TUTEURفينصب – حسب برنامج معد سلفا أو عند طلب المدير المتدرب – على ايصال مهاراته وخبرته وتجربته وتقديم المشورة والتوجيه والنصح وخصوصا في الأوقات الحرجة كالدخول المدرسي ونهاية الأسدوس أوأثناء اعداد مشروع المؤسسة ، دون السقوط في فخ تحويل المؤسسة الى صورة كربونية لمؤسسة المدير المصاحب couper-coller . ويساعده على حل المشاكل ضمن خصوصية المؤسسة نفسها ،وحالما تصبح جميع مراحل هذه العملية فعالة وسارية المفعول ومألوفة في المؤسسة لا يبقى هناك عذر ان لا تصبح هذه العملية جزءا طبيعياَ من الممارسات الادارية في المؤسسة دون مساعدة المدير المصاحب ، ربما يكون هناك استثناء وحاجة لوجود تقنية إدارية محددة من أجل حل مشكلة ما تتطلب تدخل ذوي الاختصاص، هنا يلعب المدير المصاحب دور الموجه والمرشد ، ولكن مما يؤسف له فإن بعض المديرين المكلفين بمهمة المصاحبة اصبحوا يعتبرون أنفسهم SUPER MOUDIR يفقهون في كل شيء ويفتون في كل شيء.
وقد ضرب في الصميم تأويل مضامين القرار الوزاري رقم 05/1849 الصادر في 2 رجب 1426 الموافق 8 غشت 2005 وعدم استيعاب مغزى المذكرة الوزارية رقم 131/14 بتاريخ 26.9.2014 مفهوم المصاحبة وحوله الى ما يشبه تفتيشا ينتهي بنقطة تقييمية ، وهو ما يتناقض مع فلسفة ومفهوم المصاحبة ،كما تم استثناء الحراس العامين والنظار وغيرهم من أطر الإدارة التربوية من مهمة المصاحبة ، رغم وجود أطر متمرسين لهم تجربة محترمة في كثير من المؤسسات وفي مختلف الاسلاك ، وبدون مبالغة فهناك اشخاص مشهود لهم بالخبرة والحنكة ، أتساءل لماذا لا تتم الاستفادة منهم ؟
لقد كشفت عملية مصاحبة اطر الإدارة التربوية عن نقائص كثيرة ، على رأسها تكليف أشخاص غير مؤهلين لمهمة التأطير والتكوين لاعتبارات عدة معروفة لا داعي للخوض فيها ، عدم تلقي أعضاء فريق المصاحبة أي تكوين في تقنيات “المصاحبة” ، عدم التنسيق بين أعضاء الفريق واقتصار العملية على فرد او ثلاثة في اغلب الحالات إما خوفا من إثقال كاهل ميزانية النيابة أو تهاونا من طرف البعض ، تهميش دور أطر الإدارة التربوية الأخرى داخل المؤسسة وكأن الأمر لا يعنيهم بتاتا . التقليل من قيمة هذه المصاحبة-رغم محوريتها وأهميتها في عملية التكوين والتأطير-من طرف بعض أعضاء الفريق ومن طرف كل من النيابة والأكاديمية …. كل هذا وغيره ينعكس سلبا على عملية التكوين في مجال التدبير الإداري والتربوي الذي يعتبر ركيزة أساسية من ركائز اصلاح المنظومة التربوية برمتها.
2- التكوين النظري:

لم يعد التسيير والتدبير الإداري والتربوي للمؤسسات التعليمية يقتصر على الطاعة العمياء لأوامر تملى من طرف رؤساء مباشرين بما يشبه علاقة العبد بسيده ، كما لم يعد دور المدير يقتصر على لعب دور ساعي البريد وصلة الوصل بين النيابة ومجتمع المدرسة ، بل اصبح المدير قائدا تربويا مسؤولا على تنمية البرامج التعليمية وتقدمها ، ورائدا يقتدى به ومدبرا ورئيسا مباشرا لمجموعة من الموظفين ومسؤولا عن تدبير موارد مادية ومالية ، ومحاورا وشريكا .وبالتالي فان التدريب النظري لأطر الإدارة التربوية الذي تنفق عليه الملايين وبالشكل الذي يتم به ، أصبح – في اعتقادي- غير ذي جدوى، لأن تأثير محتوياته محدود لعدم ارتباطه بالمتغيرات التي عرفها التسيير الإداري والتربوي والتدبير بصفة عامة ،ولا يستجيب لحاجيات وانتظارات المتدربين انفسهم، وبالتالي فان نتائج هذه التكوينات تأتي مخيبة للآمال ،ولو رجعت الجهات المختصة المكلفة بوضع برامج التكوين هذه ، إلى تقارير مختلف المجالس والى المراسلات العديدة للمديرين القدامى منهم والجدد على السواء ، وإلى تقارير لجن التفتيش وتقصي الحقائق والبحوث التربوية التي كانت مطلوبة في النظام القديم للإقرار ، لوجدت منجما من ذهب من الكتابات التي تشخص الصعوبات بشكل دقيق ومضبوط وتقدم توصيات محددة من أجل التغيير المنشود .وإلا فما الفائدة من هذه التقارير وما الجدوى من كتابتها أصلا إذا لم تكن تستثمر؟ أضف الى ذلك أن مستوى بعض المتدربين أحسن بكثير من مستوى بعض المؤطرين الذين لا يرقى ما يقدمونه الى تطلعاتهم وأمانيهم.
واسمحوا لي ان أتساءل مرة أخرى عن سبب عدم توفر الأكاديميات النيابات على فريق مكون من أشخاص متمرسين في الإدارة وفي علم السلوك وفي التطوير الإداري ؟ ولماذا لم تفتح الوزارة حتى الان شعبة تكوين المفتشين في المجال الإداري كما هو الشأن بالنسبة لسلك تكوين مفتشي المصالح المادة والمالية أو على الأقل إضافة محاور خاصة بالتسيير الإداري ضمن منهاج تكوين المؤطرين التربويين، على ان تكون مهمة هذا الفريق الذي اقترح إحداثه :
ü انتقاء برامج التكوين ذات الأولوية القصوى بناء على دراسات وابحاث وتشخيصات ميدانية وتحليل متطلبات التدريب على القيادة والإدارة، تأخذ بعين الاعتبار حاجيات المتدربين وخصوصيات المناطق والمؤسسات من أجل أن يكون التدريب أقرب ما يمكن من واقع المؤسسة لإن ما يقدم أحيانا من محاور اثناء التدريب في واد وما ينتظر المتدرب في مؤسسته في واد اخر.
ü تنظيم دورات واجتماعات للمراجعة والتنقيح والتجديد اعتبارا لكون تحسين أداء الإدارة دورة مستمرة وعمل متواصل.
ü الاستعانة بالخبراء من خارج المنظومة التربوية مغاربة وأجانب من مديري الشركات والمقاولات والمؤسسات والمعاهد الناجحة والأساتذة المتخصصين لتأطير بعض جوانب التكوين بذل اجترار نفس الأسطوانة.
ü خلق نظام معلوماتي إداري فعال لتتبع مردودية اطر الإدارة التربوية وللتزود بالمعلومات الضرورية والفعالة والكافية لاتخاذ قرار الترقية من مهمة الى أخرى ( رأينا حارسا عاما متورطا في تزوير النتائج و في السنة الموالية أصبح – بقدرة قادر- ناظرا ،وهو اليوم يتطلع ليصبح مديرا ، ولماذا لا ؟ ما المانع ؟
ü تنظيم ورشات تطبيقية من أجل تنفيذ المفاهيم والأفكار التي تمت مناقشتها في الدورات التدريبية، حتى لا تبقى الدورات التكوينية النظرية ميتة و بلا روح .
ü تنظيم زيارات ميدانية لهذه المؤسسات والمعاهد للوقوف على كيفية تدبير مواردها المادية والبشرية وطرق اشتغالها، بذل الاقتصار على تنظيم زيارات لا طائل من ورائها الى النيابات والاكاديميات، لأن جلها غير مهيكل وموظفوها بدون تكوين أساسي أو مستمر وباختصاصات مبهمة وغير محددة. وليست نموذجا جيدا يمكن ان يحتدي به المدير المتدرب.

الإقرار في المنصب

ماذا بعد الإقرار في المنصب ؟

غالبا ما يقوم نفس الأشخاص المكلفين بالتكوين النظري والتتبع الميداني (المصاحبة) بمهمة “التفتيش” من أجل الإقرار في المنصب وتنص المادة 16 من قرار وزير التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي رقم 583.07 صادر في 9 محرم 1428 (29 يناير 2007) ،بتحديد كيفيات وضع لوائح الأهلية لشغل مهام الإدارة التربوية بمؤسسات التربية والتعليم العمومي[1]،صراحة على ان الامر يتعلق بتفتيش تربوي وإداري مهمته إقرار المترشحين المسندة إليهم مهام الإدارة التربوية بعد ممارسة ميدانية لمدة سنة دراسية واحدة .
والسؤال الذي يتبادر باستمرار الى ذهن أي متتبع هو :هل هذه الزيارة الأخيرة في مسلسل التدريب والتكوين ، هي للتأكد من ان المتدرب قد استوعب كل ما قدم له اثناء التدريب النظري والذاتي والميداني ؟ أم هل المقصود منها الوقوف على مدى قدرة المتدرب على أجرأه السياسة التعليمية على أرض الواقع و قيادة المنظومة على صعيد المؤسسة التي يديرها، وعلى مدى اطلاعه على التقنيات وأساليب الادارة والإجراءات الواجب اتخاذها لتحقيق هذه الأهداف ؟ ام هل المهمة تتعلق ببساطة بالاطلاع على سبورة مرجعية مزوقة ومنمقة وسجلات مكتوبة بخط أنيق ورسوم ومبيانات بألوان زاهية ومحاضر لاجتماعات ربما لم تنعقد أصلا؟ أم هل هي مناسبة للتلذذ بكؤوس الشاي المنعنع واللوز المقرمش والعصائر من مختلف الألوان والأشكال؟ وربما المجمر والمحمر؟
أحيانا تقتصر عملية الزيارة من أجل الإقرار على عضو أو عضوين من الفريق ، بل أحيانا من أشخاص لم يواكبوا أيا من عمليات التكوين ؟؟؟ وغالبا ما يتم التشكيك في مصداقية عمل لجنة الإقرار و الطعن في شرعية قراراتها خصوصا اذا جاء القرار سلبيا / عدم الإقرار ، و يشتكي المتضررون من شطط بعض المسؤولين ومن تصفية حسابات سياسية او نقابية ويعتبرون ان اللجنة ليست سيدة نفسها وبان قراراتها تطبيق حرفي لتعليمات بعض المسؤولين او المتنفذين في النيابة او الاكاديمية واحيانا تدعن لإملاءات و تدخلات جهات لا علاقة لها بالتعليم ( الداخلية على سبيل المثال) !!!!.
و الطامة الكبرى ان بعض المتدربين لا يتم اقرارهم في مناصبهم رغم حصولهم على نقط مشرفة جدا في جميع مراحل التكوين ، وعلى راسها المصاحبة الميدانية . لإن المقاييس التي تعتمدها هذه اللجن في الغالب مأخوذة فقط من انطباعات ترسمها النيابة عن الشخص. كما ان قرار عدم الإقرار مزاجي ولا يستند على أي مبرر وغير معزز بالإثباتات الضرورية، كما لا توجد ضمانات لدى ا لمتضرر لاستئناف هذه القرار المجحف امام المحاكم الإدارية ، وحتى اذا لجأ المتضرر الى المحكمة الإدارية بحثا عن الانصاف ،فلا يوجد نص قانوني يجبر الاكاديمية على ترك المنصب المتنازع عليه شاغرا الى حين بت المحكمة الإدارية في الطعن المقدم بشأنه. والأدهى والأمر ان المدير الذي لا يتم إقراره، لا يعود لمهمته السابقة ناظرا أو حارسا عاما ، بل يعود الى قسمه رغم طول العهد بينه وبين عملية التدريس ، و تذهب مع الرياح كل تلك السنوات التي قضاها في هاتين المهمتين ، ؟ ( ربما هذا هو السبب الرئيس لمطالبة جمعية المديرين ب ” إطار” وهو المطلب الذي يناضل من اجله الفوج الأول من خريجي سلك الإدارة ؟

ماذا بعد الانتقاء والمصاحبة والتكوين النظري والاقرار النهائي في المنصب ؟

مع الأسف لا شيء ، لا أحد يتذكر اطار الإدارة التربوية المتدرب ، فعليه أن “يعوم بحره بمفرده “، وكأن “التكوين إياه ” قد زوده بالمعارف والمهارات الإدارية التي تمكنه من الإبحار في هذا الموج المتلاطم لوحده ، والحقيقة أن نجاح بعض المديرين اليوم مرده بالدرجة الأولى إلى اعتمادهم على مهاراتهم الخاصة وقدراتهم الشخصية وإدراكهم المعنى الحقيقي للإدارة و تمكنهم من الإمساك بزمام أمور العمل وإجادة فن التحليل والمشاركة والتأثير على الآخرين، مقروناً بقدرتهم على التكيف مع المستجدات والمتغيرات والأزمات والبحث المضنى والمستمر على النصوص التنظيمية والتشريعية التي لا يأتي لها ذكر اثناء التكوينات ولا تسلم كلوحة قيادة للمتدربين في ختام الأيام التكوينية .
ان العالم اليوم يقوم على علم الإدارة، والإدارة ليست منظومة واحدة وإنما مجموعة منظومات متعلقة بالاتصالات، وإدارة الاجتماعات، والحوافز، والتأديب، والمعلومات، والعلاقات العامة، وصنع القرارات الإدارية، وغير ذلك من المنظومات التي تشكل قلب الإدارة النابض. وهي تتطلب افرادا يجمعون بين الكفاءة والفاعلية، فالكفاءة هي حسن استخدام الموارد بأنواعها البشرية والمادية والمالية. أما الفاعلية فتعني أنهم قادرون على تحقيق أهداف المنظومة التربوية على نحو أدق، وفي وقت أقصر، وبكلفة أقل.

[1] جريدة رسيمة عدد 5535-2 جمادى الآخرة 1428 (18 يونيو 2007) .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق