رحلة إلى بلاد الحرمين الشريفين (3) بقلم الأستاذ حسن تلموت

12004700_979847382077340_3163750107810759794_n
حلقة خاصة: “قصة ما شهدته في منى” الجزء الأول

أولا: أشكر وأدعو من كل قلبي لإخوان عرفتني بهم الامتحانات.
أقصد كل من راسلني على الخاص أو علق على العام يعبر عن قلقه على انقطاعي عن التواصل في الأيام الأخيرة، جزاكم الله خيرا وجمعني وإياكم في رياض جنانه، آمين.
ثانيا: وردتني أسئلة غير قليلة بخصوص ما شهدته وشهدت عليه مما قدر الله ووقع في “منى” يوم “النحر”، ورغم أني في مذكراتي هذه اعتمدت رواية مشاهداتي تباعا بحسب وقوعها، لكن لأهمية الموضوع فإني أفرد هذه الحلقة والتي بعدها بحول الله خارج السياق “لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز” كما يقول علماء الأصول، وأخبر إخوتي أنني كتبت البارحة ليلا تفاصيل ما حدث –كما وعدت- لكني للأسف لم أنتبه حتى انتهى شحن بطارية الحاسوب فانطفأ على حين غفلة مني، وضاع ما كتبته، ولذلك أعيد كتابته الآن وأنا أنتظر أذان صلاة العصر، وأنشره على حلقتين بحول الله.
ثالثا: لن أسرد هنا -بحول الله- إلا ما شهدته بنفسي أو ما روي لي بالسند العالي من ثقة إلي مباشرة دون وساطة، ولن أركن إلى الإشاعة، مُدينة كانت أو مبرئة لأي طرف، لأن مراكب الإشاعة رُكبت في ذلك اليوم العصيب حتى شهدتُ من يخبر الناس بأخبار ليس له من مؤكد أو ناف لها سوى كون رياح الكلام أوصلتها إلى مرافئه…
رابعا: خلاصة ما رأيت، وما شهدت مما وقع.
*ما رأيت:
استيقظنا صباح يوم “النحر” وحتى قبل أن نفطر مضينا على عجل لأداء المناسك لأن الوقت وقت ثلاث شعائر من الأهمية بما كان “رمي ونحر وحلق” وإن كانت الثانية نيب عنا في فعلها…
نودي فينا أن هبوا للرمي، خرجنا حوالي الساعة الثامنة أو التاسعة صباحا من توقيت “بلاد الحرمين”
كنا نتوقع أن يكون الزحام من الشدة بحيث لا يستطيع أحدنا المشي إلا بصعوبة خصوصا وأننا نستحضر أن كل الحجاج اليوم قادمون للرمي على خلاف العبادات الأخرى غير المقيدة بوقت فيتفرق الحجاج في فعلها كل حسب ما يتيسر له من زمان، فوجئنا بأن ما كنا نتصوره على خلاف الواقع، إذ أن الحجاج كثر فعلا ووفودهم –سبحان الله العظيم- تحيل على مشاهد البعث كما وصفها “القرآن الكريم” و”السنة المطهرة” إذ الكل يلبس لباسا غير مخيط أشبه بالكفن، والجميع في اتجاه واحد قبل أحواض رمي الجمرات يلهجون بالتلبية والتكبير والذكر…
لكن رغم تلك الكثرة من الحجاج كان مجال الحركة واسعا، لا عتبارين اثنين فيما احسب أولهما أننا كنا ممن بكر في الخروج إلى الرمي وإن كان هذا العامل نسبيا جدا، وثانيهما ما يلاحظ للعيان من تنظيم لسير الحجاج، ذلك أنهم يسيرون في مسالك لا تسمح بالمضي في اتجاهين متناقضين، فكل من تيسر له بلوغ أحواض الرمي كان يرمي ثم يُتم سيره في الاتجاه ذاته الذي يفضي به إلى ممر الخروج نحو الطرق المؤدية إلى مخيمات الإقامة بمنى، في الوقت الذي تفد فيه الوفود من ممرات الوفود نحو الجمرات وهكذا… مررت أنا وزوجتي –حفظها الله- ومن معي من الأصحاب الذين كنا نحرص على أداء الشعائر معا من نفس ما يمر به الحجيج جميعا، فرمينا ثم اتجهنا في مهايع تفضي بنا إلى المخيمات…
ونحن نسير في طريقنا فوجئنا بأن رجال الأمن السعوديين –وأغلبهم شباب صغار- كانوا يقفلون في وجه الحجاج مسارب كانت تفضي إلى طرق رئيسة في اتجاه المخيمات مباشرة، ولعل من المؤكد أن ذلك كان خضوعا لتعليمات قيادتهم، فمثلا مضى بعض الحجاج يريدون الخروج من باب يفضي إلى “الشارع الجديد” في “منى” وهو شارع يقع فيه “سوق العرب” حيث مخيماتنا التي حططنا فيها الرحال، لكن “رجال الأمن” رفضوا بشدة فتح الباب، طبعا مع ما لا يمكن إنكاره من لطفهم هذا اليوم على غير المعتاد في التعامل مع الحجاج –وسنفرد لهذه القضية حلقة خاصة- تكرر الأمر عند كثير من الأبواب، الأمر الذي حال دون تصريف كثير من الناس في اتجاه “الشارع الجديد” وبالتالي زاد الضغط على الشوارع الفرعية التي صارت تحمل أكثر من طاقتها، فاختلط أصحاب المخيمات المتعددة في مسلك واحد فالمصري صار مع المغربي والتونسي والسوداني والإفريقي…في نفس الطريق الضيق أصلا…هنا بدأت الأجساد تلتصق وتتدافع، والسير يُبطئ، و”الاوكسجين” يقل، والعقائر ترتفع بالاحتجاج والشكوى…
سرنا بصعوبة شديدة حتى أن زوجتي كاد يغمى عليها نتيجة ضيق التنفس الحاصل من الزحام، ولولا احتوائي لها بين ذراعي مسندا إياها من جهتي اليمين والشمال، في ما يشبه الدعامتين الموجهتين لما استطاعت السير وإكمال الطريق، وكذا تشجيعي لها بادعاء أنني أعلم أننا اقتربنا من المخيم، وتذكيري لها بأن بعد العسر يسرا…
وفعلا وصلنا إلى مسلك أفضى بنا إلى مخيمنا حيث دخلنا إليه وقد تبللت ثيابنا بعرقنا الذي حمدنا الله حينها وبعدها على انه مجرد “عرق” ولم يكن –كغيرنا- “دما قانيا”
أوصلت زوجتي إلى خيمتها النسوية وقد علت وجهها حمرة الإجهاد، ثم مضيت إلى خيمتي لأغرق في غيبوبة لم يوقظني منها سوى الإخبار بدنو وقت صلاة العصر، لأفيق على خبر الفاجعة، حينها علمت أننا كنا طلائع ما وقع، وإنما حال بيننا وبين أن نكون من ضحاياه –بعد قدر الله ونعمته- أننا كنا ممن بكر إلى الرمي، ولهذا قلت اننا كنا طلائع ومقدمات…
يتبع بحول الله

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق