عــيـــد أضـــحى أم عـــيد كــبش؟ بقلم احمد اضصالح

11880553_747023365420684_1543073147160545173_n
شاءت الأقدار أن تُطلّ الرأسمالية المتوحّشة بظلالها على واقع عيد الأضحى المبارك، الذي أضحى على امتداد أزيد من خمسة عشر قرنا من الزمان شعيرة ربّانية أُمرنا بتعظمها واستخلاص العبر منها، واتّخاذها سندا روحيّا في الأمور الدّينيّة والدّنيوية: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ( 32 ) )-الحج-.

نهاية الأسبوع الماضي، جلستُ في إحدى مقاهي أكادير أرتشف قهوتي الصّباحيّة فأثار انتباهي جل النقاش الدائر بين شخصن اثنين قربي حول سوق الماشية، والسمنة التي باتت مطلوبة في الكبش الأملح الأقرن حتى يُرضي “الدراري”، و”يحمر ليهوم الوجه”، دون الإشارة إلى كون الأمر سنة مؤكّدة أمرنا بالاقتداء بها كما نؤمر بباقي الأعمال التعبّدية تقربا للخالق تبارك وتعالى، وأسوة بالرسول (صلّى اللّه عليه وسلّم) الذي ورد عنه التّضحيّة عن من لم يُضحّ من أمّته.

وب “تيزنيت” راعني كيف انتقلت عادة التّباهي بالأضاحي إلى مدينة صغيرة وهادئة حتّى ولو كان الأمر على حساب الإمكانات المادّية للمضحّي، بل وراعني بشدّة كيف يتكلّم القرويّون عن بهيمة الانعام وقرونها وأثمانها وصوفها وجلدها عوض الأهمّ، وكيف تستحوذ التّفاصيل المملّة على جلّ النقاشات الدّائرة في المقاهي وعلى رصيف الطرقات.

تعجّبت لأولئك الذين يلتقطون صورا تذكاريّة لأكباشهم، ويحرصون على نشرها في أوسع نطاق على مواقع التّواصل الاجتماعي دون مراعاة مشاعر من نام أولاده على وقع النّحيب، كونهم سيكونون محلّ سخريّة واحتقار من طرف أبناء الجيران. ولكون غالبيّة الناس في المدن ممتدة الأطراف لا يأخذون بحديث المصطفى (صلى الله عليه وسلم): ” كلوا وأطعموا وادّخروا”-أخرجه البخاري ومسلم-، بقدر ما يأخذون عن وعي أو بلا وعي بمقولة (جون لوك): “.. وهذه الملكية حق من حقوق الطبيعة وغريزة تنشأ مع نشأة الإِنسان، فليس لأحد أن يعارض هذه الغريزة”.

طبعا، ليس العيب في المرء الذي يشتري لنفسه وأهله أضحيّة سمينة تبهج الخاطر وتتوفّر فيها شروط السّمنة والصّحّة، فهذا أمر محمود أُمرنا أن نستنّ به، لكن تبقى للنّية أهميتها في حسم الأعمال، حيث لا ينبغي أن يكون ذلك مدّعاة للمفاخرة وإثارة غيظ الجوار، ويستقبل الكبش بالزغاريد والصّياح في إشارة واضحة إلى تغيّر نظرة المجتمع نحو شعيرة تعبّدية لا تختلف عن بقيّة الشّعائر، وحوّلتها إلى مجرّد عادة وتقليد يجبر المرء على الوفاء بها تحت ضغوط العائلة، والنظرات القاسية لمجتمع لا يرحم.

وهنا فطنت المؤسسات الرأسمالية إلى فخّ التّحوّل المجتمعي فأحدثت بذلك قروضا تمكّن النّاس من شراء الأكباش ب”ربا” على أقساط، وتدفع الجيوب إلى الارتباط ببنوكها أواخر كل شهر، وتدفع الآباء نحو الاستجابة قسرا لمطالب الأبناء، في وقت يتحدّث فيه الفقه عن خطورة تحميل النفس ما لا تطيق في الواجبات “كالحجّ” فما بالك بسنّة مؤكّدة، ليبقى خطر تحوّل عيد الأضحى إلى عيد كبش واردا ما دامت الممارسات الدّالّة عليه مستمرّة في الزّمان والمكان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق