الخريطة السياسية الجديدة لبلدية تيزنيت بقلم ابراهيم أمكراز

بلدية تيزنيت

 انتهت أخيرا الانتخابات الجماعية والجهوية المغربية ل 2015، بعد مسلسل طويل من الأخذ والرد حول موعد إجرائها، وصلاحية الاشراف عليها، انتهت بما لها وما عليها، مفرزة أرقاما وحصيلة جد معقدة، ستكون موضع اهتمام كبير للباحثين والمتتبعين السياسيين والمدنيين من أجل فك ألغازها وإدراك ما وقع وكيف.

ولعل العنوان البارز لهذه الانتخابات هو اكتساح الحزب الاسلامي العدالة والتنمية لمختلف صناديق الجماعات والجهات المغربية، معلنا عن انتكاسة العديد من الاحزاب التقليدية والادارية، إلا أن هذا الاكتساح يفرض العديد من الأسئلة والتي يبقى بعضها دون إجابات حتى أجل آخر.

تلقيت باندهاش كبير النتائج التي حصدها هذا الحزب على المستوى المحلي والجهوي والوطني، ولعل هذه الدهشة يتقاسمها معي العديد من الفاعلين والمتتبعين للشأن العام، خاصة حينما تنظر للحصيلة بالأرقام كما يلي:


الأحزاب السياسية عدد المقاعد المحصل عليها في انتخابات 2009 % عدد المقاعد المحصل عليها في انتخابات 2015 %
الأصالة والمعاصرة 6015 21.7% 6655 21.12%
الاستقلال 5292 19.1% 5106 16.22%
العدالة والتنمية 1513 5.5% 5021 15.94%
التجمع الوطني للأحرار 4112 14.8% 4408 13.99%
الحركة الشعبية 2213 8% 3007 9.54%
الاتحاد الاشتراكي 3226 11.6% 2656 8.43%
التقدم والاشتراكية 1102 4% 1766 5.61%

 

لاشك بأن الرؤيا بدأت تتضح لكم من خلال مقارنة هذه الأرقام، خاصة النسب المئوية التي تعبر عن حصة كل من هذه الأحزاب، اعتبارا لكون عدد المقاعد المتبارى عليها تعرف تغيرا من محطة انتخابية لأخرى، بالنظر إلى الزيادة التي تعرفها ساكنة المغرب، لذا وجب ان ينعكس هذا النمو على حصة الحزب من المقاعد المحصل عليها، والنموذج الذي يوضح هذا الأمر هو حزب الأصالة والمعاصرة الذي حصد زيادة في عدد المقاعد المحصل عليها من انتخابات 2009 إلى انتخابات 2015، بما معدله زائد 640 مقعد، لكن على مستوى النسب المئوية سنلاحظ احتفاظه بنفس النسبة تقريبا 21%، مما يؤشر على مسايرة نوعية للزيادة العددية في المقاعد، وبكون الحزب احتفظ بمكانته الانتخابية والسياسية نسبيا.

الأمر الذي لم تحققه أحزاب عدة كالاستقلال والاتحاد الاشتراكي والتجمع الوطني للأحرار، وفي المقابل نلاحظ نمو طفيف لحزب التقدم والاشتراكية بما معدله 1.6%، بينما تبقى حصة الأسد من هذه الزيادات من نصيب حزب العدالة والتنمية الذي حقق زيادة بما معدله أزيد من 10%.

وهو ما خوله احتلال المرتبة الثالثة على مستوى عدد المقاعد المحصل عليها بالجماعات، والمرتبة الأولى على صعيد الجهات.

من بين المناطق التي خلق فيها حزب العدالة والتنمية الحدث الانتخابي، تأتي بلدية تيزنيت، التي كانت في وقت سابق القلعة المحصنة لتحالف حزبي التقدم والاشتراكية والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حيث صدمت الأرقام العديد من المتتبعين، متسائلين عن أسرار العملية التي أفرزتها صناديق دوائر المدينة.

ولفهم ما جرى فإن الأمر يتطلب استحضار العوامل المختلفة والمتداخلة التي أفرزت هذه النتيجة من وجهة نظري الشخصية، وهي كالتالي:

على المستوى الوطني:

–         عمل حزب العدالة على توظيف العمل الحكومي في حملته الانتخابية واستطاع أن يجمع بين منجزات الحكومة والحملة الانتخابية ويفصل بينهما عندما يتعلق الأمر بالتعثرات.

–         استطاع البيجيدي كذلك أن يحصد ثمار بعض البرامج الاجتماعية كما يرى بعض الفرقاء السياسيين ومن ذلك الدعم المالي للنساء الأرامل في وضعية هشة.

–         انخفاض أسعار المحروقات مرتين على التوالي في شهر غشت الذي عرف انطلاق الحملة الانتخابية.

–         الترويج لتخفيض فاتورة الكهرباء بعد المصادق على القانون المغير والمتمم للقانون المتعلق بالطاقات المتجددة، في عز الحملة الانتخابية.

–         تكثيف التواصل مع المواطنين والضرب على وثر محاربة الفساد والمفسدين قبل وأثناء الحملة، والتضرع بالنزاهة والنظافة.

–         الحضور المكثف في الاعلام المكتوب والرقمي والمرئي…

–         الانضباط على مستوى العمل الحزبي قاعدة وقيادة.

على المستوى المحلي:

يبدو أن منجزات المجلس المنتهية ولايته لم تشفع لهم أمام ساكنة تيزنيت، الامر الذي يتجسد بوضوح في حصيلة التقدم والاشتراكية بالتراجع من 17 مقعد سنة 2009 إلى 7 مقاعد في انتخابات 04 شتنبر 2015، خاصة حينما تتضافر العديد من العوامل التي تتحمل أطراف عدة مسؤوليتها، ومن ذلك:

–         مقاطعة نسبة مهمة من الساكنة للعملية الانتخابية بمبررات مختلفة خاصة مناضلي اليسار والحركة الامازيغية، إضافة إلى نسبة أخرى غير مهتمة بالعملية نهائيا غير مسجلة في اللوائح الانتخابية.

–         تراجع حضور وأداء التنظيمات المدنية التقدمية على مستوى المدينة، مقابل الاهتمام المفرط بالمهرجانات وجمعيات “الفرجة” من جهة، والحضور الدائم والفعلي للتنظيمات الدينية والدعوية العاملة على مجال الطفل والمرأة والتظامن…

–         الهوة بين قيادات بعض الأحزاب وشبيبتها الحزبية إن وجدت، وضعف حضورها السياسي على مستوى المدينة.

–         غياب التفاعل والمساندة القوية للمجلس البلدي مع ساكنة المناطق المتضررة من الفيضانات، خاصة أحياء المدينة القديمة.

–         إقرار المجلس المنتهية ولايته للضريبة على الأراضي غير المبنية، ومشروع إعادة هيكلة المدينة القديمة، والذي لم ينل رضى ساكنة المناطق المعنية.

–         عدم وضوح معايير توزيع منح الدعم المالي السنوي للجمعيات، واستفادت جمعيات خارج النفوذ الترابي لمدينة وإقليم تيزنيت من الدعم والمؤسسات والتجهيزات البلدية والاقليمية.

–         عدم الاهتمام بالشكل المطلوب بالأحياء الملحقة حديثا ببلدية تيزنيت مما جعل ساكنتها تحس بالإقصاء والتهميش من مشاريع تنمية المدينة.

–         رداءة وسوء الخدمات المقدمة للمرتفقين في العديد من المرافق العمومية التي تسيرها البلدية.

–         استفحال المضاربات العقارية وهيمنة اللوبي العقاري ومافيا العقار على نمو المدينة وتوسعها، والتحكم في أسعار العقار.

–         الاختيار غير السوي للمرشحين في اللوائح الانتخابية بحضور وجوه مستهلكة أكل عليها الدهر، مع غياب الوجوه الشابة مما يؤشر على عدم قدرة هذه الأحزاب على تجديد نخبها ولو جزئيا.

–         ضعف/انعدام التسويق لحصيلة المجلس، والمكتسبات التي تحققت لمدينة تيزنيت خلال الحملة الانتخابية لحزب الكتاب والوردة.

–         عودة حزب التجمع الوطني للأحرار إلى الساحة السياسية بالمدينة، حيث استفاد والجمعيات المنضوية في فلكه من مختلف الامكانيات المطلوبة للاستقطاب وتوسيع قاعدته الحزبية، حتى باتت أنشطته أكثر إشعاعا من أنشطة حزبي التقدم والاشتراكية والاتحاد الاشتراكي والجمعيات المقربة منهما.

–         الانزال الحزبي للمصباح بالمدينة والذي صاحب تنظيم الحزب للمهرجان الخطابي الذي أطره الامين العام للحزب/رئيس الحكومة.

–         المغازلة والتلميح بإمكانية التحالف مع حزب العدالة والتنمية خلال الحملة الانتخابية من طرف مناضلي حزبي التجمع الوطني للأحرار والتقدم والاشتراكية، شكل دعما مجانيا لحزب المصباح.

من كل ما سبق يبدو أن نسبة مهمة من الناخبين لم يصوتوا لرمز الكتاب واختاروا المصباح كبديل، قد لا تكون هذه إحاطة كاملة بالعوامل والأسباب التي أسقطت مدينة تيزنيت في يد حزب المصباح، ولكنها على الأقل وجهة نظر من زاوية شخصية لمجريات الأحداث، أما عن السيناريوهات المحتملة فالراجح بشكل كبير أن يحكم الائتلاف الحكومي مدينة تيزنيت، في شخص أحزاب العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية والتجمع الوطني للأحرار، وهو التحالف الذي سنراه يتكرر في العديد من جماعات الاقليم وعلى مستوى الجهة، مع ما يتماشى مع تبادل المصالح والمناصب بين هذه الأحزاب، في حين سيلتزم حزبي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والأصالة والمعاصرة بكراسي المعارضة، ويبقى السؤال هل سيكرر الأستاذ عبد اللطيف أعمو بتحالفه مع المصباح، تجربة طارق القباج في عمودية أكادير بعد ست سنوات من التحالف مع البيجيدي.

ذ: ابراهيم أمكراز باحث وفاعل جمعوي

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً على الاسم (مطلوب) إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق