حكايات مثيرة عن "مول البيكالة" … صانع الرعب ومستهدف أرداف الفتيات بتيزنيت

لم تكن فتيات في عمر الزهور يدرين يوما أنهن سيكُن حديث الخاص والعام بتيزنيت ومختلف أنحاء المغرب، ولم يدر بخَلَدهن يوما أنهن سيتصدرن الأحداث بهذه المنطقة، ويَكُنَّ في مقدمة الاهتمام، بل الموضوع الرئيسي لكل المجالس المفتوحة والمغلقة، لولا استهدافهن من قبل مجهول أُطلق عليه “مول البيكالة” وباللغة المحلية “بوباشكليط”.
فقد أثارت طريقة اعتداءاته غير المسبوقة على الفتيات بالمدينة، جملة من التساؤلات حول هويته والدوافع التي تقف وراء إقدامه على ارتكاب جريمة فريدة من هذا النوع، فالبعض يقول بمرضه النفسي، والبعض يتحدث عن فرضية انتماءه (الجهادي)، فيما يُحَدِّث البعض الآخر أقرانه بانتماء المتهم لفصيلة من البشر تتميز بعدوانيتها وتلذذها بتعذيب الآخر، والتنكيل به خاصة إذا كان الماثل أمامه عنصرا من عناصر الجنس اللطيف، وقد تحولت مقاهي وأزقة وحدائق المدينة إلى مؤسسات للتحليل النفسي، وأصبحت الأماكن العمومية مجالا خصبا لمطارحة ومناقشة الفرضيات المحتملة، كما كانت على مدى الأيام الماضية محضنا للإشاعات ومشتلا لصناعة التصورات وفبركة مشاهد خيالية عن مجرم لا يزال مكان تواجده مجهولا لحد الآن.

صناعة الرعب
لقد بصم “مول البيكالة” عملياته بطريقة خاصة، تمكن بواسطتها من صناعة الرعب في أحياء المدينة وأزقتها، فقد أثار استهدافه لأرداف النساء بواسطة آلة حادة، موجة من الهلع في صفوف النساء والفتيات، وذلك بعدما تكررت اعتداءاته بعدد من الأحياء، فقد بلغ عدد ضحاياه إلى حدود كتابة هذه الأسطر 8 فتيات نقلت ستة منهن إلى المستشفى الإقليمي لتيزنيت، وقدمن شكايات للدوائر الأمنية المختصة، فيما فضلت اثنتان الانزواء بمنزلهما دون تقديم أية شكاية في الموضوع.
وارتبطا بالموضوع، استهدف “مول البيكالة” مؤخرات الفتيات بواسطة آلة حادة جدا، (تعددت الروايات بشأنها  فبعض الفتيات يتحدثن عن سكين حادة، فيما تحدث البعض الآخر عن شفرة حلاقة من الحجم المتوسط)، إلى درجة أن البعض منهن لم يعلمن بالاعتداء إلا بعد ابتعاد الجاني عنهن بأمتار عديدة، وفي هذا السياق، أصيبت كل من (“سناء ع / 18 سنة” و”مريم خ / 16 سنة” و”بسمة ب/ 20 سنة” ومريم خ 17 سنة) بجروح على مستوى الأرداف بجروح خفيفة، فيما أصيبت “نادية ب / 14 سنة” بجروح على مستوى الأرداف واليد، وعلى عكسهن جميعا أصيبت “خديجة ب / 25 سنة” بضربة موجعة على مستوى الردف الأيسر أفقدتها الكثير من الدماء وكلفتها عدة أيام بغرفة العناية المركزة بالمستشفى الإقليمي لتيزنيت.
كما تعددت مظاهر الرعب والخوف المستشري في صفوف النساء والفتيات، ففي الوقت الذي فضل فيه بعضهن المكوث بالمنزل، وعدم الخروج منه إلا بعد إعلان القبض عليه، أوضحت فتيات أخريات أنهن خروجهن مرتبط فقط  بالأغراض الاستثنائية والضرورية، فيما أوضحت نساء أخريات أن جميع تحركاتهن أصبحت جماعية سواء مع الصديقات أو مع محرم من العائلة.
وحسب مصادر “المساء” فإن الجاني الذي لا يزال حرا طليقا، يختار بعناية مطلقة أماكن وتوقيت تنفيذ عملياته الغادرة، كما يختار ضحاياه في زوايا تتسم عادة بنوع من الظلام الجزئي، ولا يميز في اعتداءاته بين الفتيات المتحررات أو المحافظات، بقدر ما يحرص على أن تكون ضحيته في سن صغيره لا تتجاوز الثلاثينيات من العمر، وكان لافتا أن إحدى عملياته الغادرة تمت في شارع معروف بحركيته الدائمة وعلى مقربة من إحدى المقاهي المكتظة.


استنفار أمني

لم تمض إلا أيام قليلة على تعيين المراقب العام نجيب بنهيمة، على رأس المفوضية الإقليمية للأمن بتيزنيت، بعد إقالة خلفه على خلفية قضايا مرتبطة بتهريب الكازوال المهرب، حتى وجد نفسه أمام إشكالية معقدة ومثيرة، فقد اضطر إلى استنفار جميع إمكاناته البشرية واللوجستيكية للبحث عن مجرم يصنف ضمن خانة “الخطر”، فاجتمعت أجهزة الأمن والسلطة على أعلى مستوى بالمدينة، وشكلت فرقا أمنية عديدة بمختلف الأحياء، وتمت الاستعانة بعيون السلطة وخدمات أعوانها، كما تمت الاستعانة بعدد من المخبرين وبعض فعاليات المجتمع المدني والنساء والفتيات، بغية تحديد مكانه بناء على الأوصاف الرائجة وتوقيفه في أسرع وقت ممكن، خاصة بعد أن راج بالمدينة أن الأجهزة المختصة حددت بعض الأوصاف الرئيسية للجاني، رغم الصعوبة التي وجدها المحققون في هذا الصدد بسبب تضارب الأوصاف المقدمة من قبل الضحايا.

شهادات صادمة
خلال جولتها بعدد من أحياء المدينة، التقت “المساء” بعدد من الفتيات المستهدفات، واكتشفت مستوى الرعب الذي يسكنهن جميعا، كما وقفت على الأوصاف المتضاربة المقدمة من قبلهن للجاني، وعاينت مستوى الحراك الأمني بالمدينة، كما عاينت مستوى التأهب المجتمعي لعدد من الفعاليات التي تناقلت الأوصاف فيما بينها، وأطلقت العنان لبصرها وآذانها عَلَّهَا تظفر بهذا “الكنز الثمين”، وتكشف سرا خطيرا ومؤرقا للمدينة وأهلها.  
وفي ذات السياق، تحكي “خ.ح” ذات الخامسة والعشرين ربيعا، أنها كانت رفقة صديقتها لحظة تعرضها لهجوم غادر من قبل الجاني، حيث كانت متوجهة إلى أحد الأسواق الممتازة خارج باب “أكلو” بمدينة تيزنيت لاقتناء قنينة ماء باردة تقي بها حر العطش الذي أصابها نتيجة الحرارة المفرطة، فلاحظت وجود شخص يراقبها على بعد أمتار، دون أن تعيره أي اهتمام، لكنها فوجئت في الوقت الذي رفع فيه آذان صلاة العشاء بضربة قوية على مستوى ردفها الأيسر من قبل شخص يرتدي – حسب وصفها- قميصا أبيض، لاذ بالفرار بعدها على متن دراجته الهوائية دون أن ينبس ببنت شفة.
ومباشرة بعدها، اكتشفت الضحية “خ.ح”  آثار الدماء الغزيرة على جلبابها البنفسجي المخطط، فامتطت سيارة أجرة صغيرة بمساعدة صديقتها وشقيقها الذي يعمل بالقرب من مكان الحادث، فطلبت منهما عدم إخبار أهلها بالحادث، قبل أن تضطر إلى ذلك بعد إطْلاعها من قبل الفريق الطبي بضرورة بقائها تحت العناية المركزة. وخلال المدة التي قضتها “خ,ح” تحت العناية المركزة، حكت “للمساء” مستوى الخوف الذي عشَّشَ في دواخلها طيلة الأيام والساعات التي أعقبت الاعتداء، مشيرة إلى أنها لم تعرف طعما للراحة والنوم طيلة الأيام التي قضتها تحت العناية المركزة، فقد “كنت خائفة – تقول الضحية- إلى درجة أنني أطلب من الأطباء تفتيش المكان بدقة، بما في ذلك جنبات القاعة وأسفل السرير الذي كنت نام عليه، وذلك بُغية التأكد من خلو قاعة الإنعاش من أي عنصر غريب”، مضيفة في لقاء مع “المساء” بمنزلها رفقة والديها وشقيقتها الصغيرة أن إحدى شقيقاتها توقفت عن العمل لأيام بناء على رخصة استثنائية إلى أن يتضح مصير الجاني، فيما أوضح والدها أنه يرفض أداء مستحقات المستشفى إلا بعد أن تمكن السلطات من القبض عن الجاني.
من جهتها، أفادت ضحية أخرى تقطن بحي الوداديات أنها قادرة على كشف الجاني إذا ما رأته مجددا أمامها، وذلك على اعتبار أن هذا الأخير تبعها رفقة صديقاتها لمسافة لا تقل عن 500 متر قبل أن يعتدي عليها بالقرب من إحدى المقاهي ويتسبب لها في تقطيب الجرح بحوالي 27 غرزة بمستعجلات المستشفى الإقليمي لتيزنيت، مضيفة أنها لم تحس بالضربة إلا بعد ابتعاده عنها بأمتار عديدة حيث اكتشفت بدورها آثار الدماء على مؤخرتها.
أما والد الضحية “س.ع” فأوضح في لقاء مع الجريدة أنه كان لحظة وقوع الحادث بإحدى المقاهي المجاورة لمقر سكنه، قبل أن تناديه ابنته على الهاتف وهي تجهش بالبكاء، وتطلب منه القدوم لمساعدتها ونقلها إلى المستشفى الإقليمي، وهناك اكتشف أن ابنته ليست الوحيدة في هذا الاعتداء، فثلاث فتيات أخريات قدمن من أماكن متفرقة بالمدينة يعانين من نفس الإشكال، مضيفا أن ابنته تعرضت للاعتداء أثناء تواجدها على الرصيف، على بعد أمتار قليلة جدا من صديقاتها، وهو ما يوحي بأن العملية كانت مدبرة ومدروسة بعنياة فائقة.

السير في الاتجاه المعاكس
وأثناء تجوالنا على منازل بعض الضحايا، أثار انتباهنا طريقة ابتدعتها فتاتين من عائلة واحدة تعرضتا لاعتداء “مول البيكالة”، فعند رغبتهما في الخروج لقضاء بعض الأغراض الطارئة، تشدُّ إحداهما بيد الأخرى، وتسيران معا إلى نفس الهدف باتجاهين مختلفين، فتنظر الأولى إلى الأمام، فيما تنظر الثانية إلى الخلف، وهي طريقة مُضحكة مُبكية – يعلق أحد الظرفاء – تعكس درجة الخوف والتأهب لدى الفتيات.
وتحكي “س.إ” إحدى الفتاتين أنها تعرضت للاعتداء قرب شارع المسيرة، حيث حاول الجاني الذي كان يمتطي – حسب قولها- دراجة رياضية ضَرْبَهَا على مستوى الردف الأيسر لكن رشاقتها ساعدتها على تجنب الضربة التي خلفت أثرا واضحا على سروالها البني دون أن تنفذ الضربة إلى جلدها، ليلوذ بالفرار بعدها، مهددا إياها بواسطة السبابة والوسطى دون أن يلتفت إليها ولا أن يوجه إليها كلمة معينة، وأضافت الضحية أن الاعتداء اعتبرته عاديا جدا، قبل أن يكرر الجاني فعلته في اليوم الموالي مع ابنة خالتها “ح,ح” القادمة من إقليم طاطا، لقضاء جزء من عطلتها الصيفية بتيزنيت، فقد كانت لحظتها برفقة والدتها تقرأ رسالة إلكترونية بالقرب من مقر دار الشباب، قبل أن تحس باستهدافها بواسطة درَّاجي يحمل في يده آلة حادة من الخلف، ولحسن الحظ أن الضربة لم تخلف لها أية جروح، كما أن من القواسم المشتركة بين الفتاتين رفضهما تقديم أية شكاية ضد الجاني، بسبب تحفظ عائلتيهما عن القيام بذلك، خوفا من تعقد المساطر المتبعة في مثل هذه الحالات.


الفايسبوك وحقوق الإنسان

لم يفوت شباب الفايسبوك فرصة اتساع دائرة الخوف في صفوف النساء بمدينة تيزنيت، دون أن يطلقوا صفحة على الفايسبوك بعنوان “لا لتشويه إقليم تيزنيت”، وذلك ردا على الاعتداءات التي تورط فيها مجهول لقب لدى عموم الساكنة المحلية بـ”مول البيكالة”، وقال أصحاب الصفحة “إنهم يريدون تيزنيت إقليما هادئا ينعم سكانه بالأمن والطمأنينة كما كان من ذي قبل، كما أرادوا تبليغ رسالة قوية لحاملي بعض الأفكار الانتقامية تجاه البشر بمختلف تلاوينهم وحساسياتهم.
من جهتها، أصدرت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بتيزنيت، بلاغا للرأي العام المحلي، تؤكد فيه وقوع حوادث الاعتداء على فتيات تتراوح أعمارهن بين 15 و23 سنة، قائلة في بيانها الذي بحوزة “المساء” أن الجاني يعمد إلى “تمزيق جسدهن  على مستوى الكلية  بسكين  يدهنه بالثوم حتى لا تحس الضحية  بالألم، و حتى يترك  علامة غائرة ربما يريد أن تبقى تذكارا ثم  يلوذ بالفرار، ولم تعط إفادات حول ملامحه ولا شكله مما يجعلنا أمام شبح  أو أشباح – تقول الجمعية الحقوقية-  يختار  توقيت تنفيذ جرائمه الساعة العاشرة”.
وانتقدت الجمعية عدم صدور أي بلاغ عن مديرية الأمن الوطني لتطمين المواطنين والمواطنات، كما سجلت اهتمامها بالقضية على اعتبار أنها تشكل تهديدا للسلامة البدنية والحق في الحياة، كما شككت في أن تكون وراء العملية أفكار أصولية متزمتة – يقول البلاغ – تحاول خنق الحريات الفردية  وخصوصا  أن جل الفتيات غير محجبات، داعية السلطات المعنية إلى توفير الحماية للمواطنات والمواطنين بما يضمن السلامة البدنية والحق في الحياة”.

روبورتاج محمد الشيخ بلا – جريدة المساء عدد الثلاثاء 24 يوليوز 2012

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق