كان ياما كان .. ثورة الأمازيغ ضد الخلافة 

1220149

وقف ميسرة المطغري على وفد أمازيغي أمام باب الخليفة هشام بن عبد الملك في دمشق. طلبوا لقاء الخليفة لعرض تظلماتهم من ولاتهم العرب، فلم يؤذن لهم. فعادوا إلى المغرب وأشعلوها ثورة، دامت ثلاث سنوات، فصلت المغرب عن الخلافة الاسلامية إلى الأبد. 
أصبح المغرب، رسميا، بعد سنة 711م، جزءاً لا يتجزأ من الخلافة الأموية، وولاية تابعة لها. كان والي الخليفة الأموي يستقر في القيروان، العاصمة الإقليمية، ويعين عماله في باقي مناطق الغرب الإسلامي:تلمسان، طنجة، الأندلس، السوس (تعني كلمة سوس خلال تلك الفترة كل ما يقع جنوب واد سبو). بعد موسى بن نصير، “»الفاتح«” الفعلي للمغرب الأقصى، تناوب على حكم المغرب ثمانية ولاة، تباينت سيرهم وعلاقتهم بسكان البلاد، الأمازيغ.
دخل الأمازيغ الإسلام في أغلبهم وصاروا يشتركون في المعارك التي يخوضها جيش المسلمين، إلا أن علاقتهم بدمشق ظلت متوترة في أكثر الأوقات، بسبب سياسة الولاة الأمويين، رغم ذلك، ظلوا كما ينقل الطبري في تاريخه، “»من أسمع أهل البلدان وأطوعهم«”، قبل أن تنفجر ثائرتهم سنة 740 م/ 122 ه، في ثورة شاملة دامت ثلاث سنوات، فصلت المغرب، وإلى غير رجعة، عن الخلافة الإسلامية في المشرق، ودقت مسماراً جديداً في نعش الخلافة الأموية التي لم تستطع الاستمرار سوى سنوات قليلة، حتى داهمتها الرايات السود من خراسان (رايات العباسيين). ثورة أشعلها أمازيغي باسم عربي، ميسرة المطغري لم يكتب له أن يبقى حياً ليشهد نجاح الثورة، بعد أن قتله رفاقه في منتصف الطريق.
أمازيغ، أمويون وخوارج
اندلعت الثورة سنة 740 م، والمغرب تحت ولاية عبد الله بن الحبحاب، والي دمشق المستقر بالقيروان، لم يكن السبب سوى قصر نظر الوالي وعماله على المغرب الأقصى، الذين غالوا في التجاوزات. في الواقع، كانت بوادر الثورة حاضرة قبل هذا التاريخ بوقت طويل. فمنذ سنة 721 م، قتل الأمازيغ واليهم يزيد بن أبي مسلم. كان هذا الحادث، كما يقول المؤرخ عبد الله العروي، مؤشراً على الأزمة القادمة. لقد عمد الوالي يزيد، وكان كما تصفه المصادر التاريخية ظلوما غشوماً، إلى نهج سياسة تسلطية صارمة، لم يسقه إليها أحد من ولاة إفريقية والمغرب قبله. فعمل على استرقاق عدد من الأمازيغ، رغم أنهم مسلمون، بدعوى كونهم في الأصل غنيمة حرب، وبالضبط الخمس الذي يرجع للخليفة في نصيبه من الغنائم، وهي الغنيمة التي لم يأخذها أمير المؤمنين من أيام “»الفتح«” التصرف ذاته، في الأموال هذه المرة، قام به عمر بن عبد الله المرادي، عامل ابن الحبحاب على طنجة، عندما أراد »تخميس البربر« رغم إسلامهم، أي فرض الخمس على الأموال والممتلكات. وكان هذا الحادث هو الذي تسبب مباشرة في اندلاع الثورة. وهو ما يشير إليه ابن عذارى المراكشي، صاحب »البيان المُغرب«، عندما قال: »وأساء السيرة، وتعدى في الصدقات والعشر، وأراد تخميس البربر، وزعم أنهم فيء المسلمين. وذلك ما لم يرتكبه عامل قبله. وإنما كان الولاة يخمسون من لم يجب للإسلام. فكان فعله الذميم هذا سبباً لنقض البلاد ووقوع الفتن العظيمة المؤدية إلى كثير القتل في العباد. نعوذ بالله من الظلم الذي هو وبال على أهله«.
لا تتوقف لائحة التجاوزات عند هذا الحد، فقد عمد عمال عبد الله بن الحبحاب إلى ممتلكات الأمازيغ فجعلوا يستخلصون منها ما يريدون. وبلغ الأمر حد بقر بطون المواشي بحثاً عن فراء الحملان الأبيض لبعثه إلى أمير المؤمنين بدمشق. كما فرضت على الأمازيغ الجزية وكأنهم ذميون، في خرق سافر لأحكام الشريعة الإسلامية. وفي سلك الجندية، كان التمييز بينهم وبين العرب واضحاً، فقد كان يدفع بهم إلى الصفوف الأمامية في الحروب، ثم يمنعون من حقهم من الغنائم، وفوق هذا، كان العمال الأمويون يعمدون إلى جميلات نساء الأمازيغ، يأخذونهن غصباً.
بلغ السيل زباه لدى الأمازيغ، وصادف محنتهم انتشار المذهب الخارجي بين ظهرانيهم. فقد شرع الخوارج في الانتشار في المغرب، ابتداء من أواخر القرن الأول، بعد القمع الشرس الذي تعرضوا له في المشرق. وحملوا معهم إلى شمال إفريقيا أفكاراً جديدة، عن العدالة والمساواة بين المسلمين، اشرأبت لها أعناق الأمازيغ القابعين تحت تسلط الأمويين العرب. تحول أمازيغ المغرب، بأعداد كبيرة إلى المذهب الخارجي، الصفري خاصة، إلى درجة أن هناك من يعتبر ثورتهم سنة 740 م، في حقيقة الأمر، ثورة مذهبية خارجية ضد الأمويين السنة، خاصة أن ميسرة قائد الثورة كان نفسه خارجياً صفرياً. لقد وجد المذهب الخارجي ضالته لدى الأمازيغ، وحظي بتأييد واحتضان لم ينلهما في أي مكان آخر من العالم الإسلامي. وضع فريد عبر عنه المستشرق الهولندي رينهارد دوزي، بالقول: »وأخيراً وجد الخوارج في شمال افريقيا ما وجده أتباع كالفن في اسكتلندا من ظروف مواتية«.
أعذر من أنذر
لم يعلن الأمازيغ الثورة مباشرة على ولاة بني أمية، رغم الضغوط الكبيرة التي مارسها زعماء الخوارج. يقول الطبري: »فلما دب إليهم دعاة أهل العراق (في إشارة إلى الخوارج، لأن البصرة كانت قاعدة انطلاقهم إلى شمال إفريقيا). واستثاروهم«، كان رد الأمازيغ هو: »إنالا نخالف الأئمة بما تجني العمال، ولا نحمل ذلك عليهم«. فاحتج الخوارج: »إنما يعمل هؤلاء بأمر أولئك«. عندئذ رد الأمازيغ: »لا نقبل ذلك حتى نبورهم« (بمعنى نختبرهم ونقف على حقيقة أمرهم).
في هذه اللحظة بالذات، ظهر اسم ميسرة المطغري، زعيم الثورة المستقبلي. لا يعرف شيء عن بدايات حياته وشبابه، إلا أن المصادر التاريخية تصفه بميسرة »”الحقير”« و “»الجفير”« و(كذا!) و “الحفيد«”، وميسرة “السقاء” في إشارة ربما إلى أنه كان يسقي الماء في الجيش الأموي في شمال إفريقيا، إلا أن ابن خلدون، وهو يورد الصفات السابقة في تاريخه، يصفه بأنه كان شيخ قبيلته مطغرة و المقدم فيها، وبأنه كان على رأي الصفرية، في إشارة إلى مذهبه الخارجي.
مهما يكن، خرج ميسرة، حسب بعض المصادر التاريخية، على رأس وفد أمازيغي، من بضعة عشر رجلا، إلى دمشق، عاصمة الخلافة، لتقديم شكواه إلى الخليفة هشام بن بعد الملك. ولم يجد أعضاؤه بداً من اللجوء إلى الأبرش الكلبي، أقرب الناس إلى الخليفة، فبثوا له شكواهم في مقالة بليغة: »أبلغ أمير المؤمنين أن أميرنا يغزو بنا وبجنده. فإذا أصاب نفلهم (أعطاهم الغنائم) دوننا، وقال: هم أحق به، فقلنا: هو أخلص لجهادنا لأننا لا نأخذ منه شيئاً، إن كان لنا فهم منه في حل وإن لم يكن لنا لم نرده. وقالوا: إذا حاصرنا مدينة، قال: تقدموا، وأخر جنده، فقلنا: تقدموا فإنه ازدياد في الجهاد، ومثلكم كفى إخوانه، فوقيناهم بأنفسنا وكفيناهم. ثم إنهم عمدوا إلى ماشيتنا فجعلوا يبقرونها على السخال (الحملان لحظة ولادتها) يطلبون الفراء البيض لأمير المؤمنين فيقتلون ألف شاة في جلد، فقلنا: ما أيسر هذا لأمير المؤمنين، فاحتملنا ذلك وخليناهم وذلك. ثم إنهم سامونا أن يأخذوا كل جميلة من بناتنا. فقلنا: لم نجد هذا في كتاب ولا سنة، ونحن مسلمون، فأحببنا أن نعلم: أعن رأي أمير المؤمنين ذلك أم لا؟«. لم يزد الأبرش الكلبي أن طمأنهم بتبليغ رسالتهم إلى الخليفة، قال: »نفعل«.
ثم طال المقام بالوفد الأمازيغي، دون أن يظهر أمل في لقاء هشام بن عبد الله. فلما أعياهم المقام ونفدت نفقاتهم، كتبوا أسماءهم في رقاع ورفعوها إلى وزراء الخليفة، قائلين: »هذه أسماؤنا وأنسابنا، فإن سألكم
أمير المؤمنين عنا فأخبروه«. وعادوا إلى المغرب، وأشعلوا نار الثورة. لما بلغ الخبر هشاما. سأل عنهم وعن أسمائهم، فإذا هم الذين وقفوا ببابه شاكين، ولم يصلوا إليه.
ميسرة زعيم الثورة
عاد الوفد الأمازيغي إلى المغرب، وهو يبيت للثورة. جرى التخطيط للأمر بدقة وسرية تامة. لم يفطن الوالي ابن الحبحاب إلى ما يدبر في الخفاء. فأرسل جيشه بقيادة حبيب بن أبي عبيدة الفهري إلى صقلية.
كانت هذه الخطوة هي الفرصة الذهبية التي ينتظرها الثوار للتحرك. اندلعت الثورة، كما كان متفقا عليه في مناطق متفرقة، وفي وقت واحد: 15 غشت 740 م. كان القائد هو ميسرة المطغري، وتحت رايته انتصبت قبائل غمارة ومكناسة وبورغواطة.
كانت البداية بطنجة قاعدة السلطة الأموية بالمغرب. زحف عليها ميسرة بجيشه وأطاح بها. كانت ثورة ميسرة أقوى بسهولة ثم قتل عاملها عمر بن عبد الله المرادي. لم يستقر الثائر الخارجي الامازيغي في طنجة، بل ولى عليها عبد الأعلى بن جريح من موالي موسى بن نصير، ورحل إلى السوس، فاحتلها هي الأخرى وقتل عاملها اسماعيل، الذي لم يكن غير أحد أبناء الوالي عبد الله بن الحبحاب نفسه. وبسقوط السوس وطنجة أصبح المغرب كله في يد ميسرة. وانطلاقا من هذه اللحظة، لم يعد قط إلى حظيرة الخلافة الاسلامية في المشرق. أعلن الثوار ميسرة خليفة وخاطبوه بأمير المؤمنين. كانت سابقة في التاريخ الاسلامي: أمازيغي، لا من قريش (شرط السنة في الخلافة) ولا من سلاسة علي وفاطمة (شرط الشيعة في الخلافة) يتسمى بالخليفة. ويعلن نفسه أميرا للمؤمنين. يبدو الأمير غريبا، لكن الغرابة تنجلي إذا علمنا أن الخوارج، وهو المذهب الذي ينتمي إليه ميسرة، لا يعترفون بهذين الشرطين، ويرون أن كل مسلم جدير بتحمل الامامة العظمى، يمكن للجماعة أن تبايعه.
بلغ خبر سقوط المغرب في يد ميسرة إلى الوالي عبد الله بن الحبحاب، فسعى إلى استدراك الموقف. وبعث جيشا صغيرا بقيادة خالد بن حبيب الفهوي لملاقاة ميسرة، خوفا من زحفه شرقا نحو المغرب الأوسط ثم افريقية، في انتظار عودة الجيش الاموي من صقلية، التقت قوات حبيب بجيش ميسرة على مقربة من طنجة. جرى قتال شديد ثم افترق الفريقان دون أن تكون الغلبة لأحدهما. انسحب ميسرة إلى طنجة، فيما ظل بن حبيب معسكرا بجيشه، ولم يقم بالمطاردة، فقد حقق في الواقع الهدف الذي جاء من أجله، وقف زحف ميسرة نحو القيروان.
كان التراجع إلى طنجة هو الخطأ القاتل الذي ارتكبه أمير المؤمنين الامازيغي، فثار عليه رفاقه وقتلوه وولوا مكانه قائدا أمازيغيا، باسم عربي هو الآخر، خالد بن حميد الزناتي. من الصعب تحديد، بالتدقيق أسباب الانقلاب على ميسرة ويبقى كل ما تم تقديمه مجرد تخمينات: قد يكون السبب هو الخلاف حول قرار الانسحاب إلى طنجةفي حد ذاته. وقد يكون، كما ذكر ابن خلدون، هو سوء سيرة ميسرة. كما يمكن أن يكون خلافا بينه وبين زعماء الخوارج، أو حتى خلافا قبليا، خاصة أن الإمارة انتقلت بمقتل ميسرة من مطغرة إلى زناتة.
ميسرة مات، الثورة لم تمت
اجتمع الأمازيغ على أميرهم الجديد، خالد الزناتي، وقرروا مواصلة ما تراجع عنه ميسرة. فخرجوا للقاء الجيش الأموي، فأبادوه عن كامله، وقتلوا قائده خالدا بن حبيب وغيره من أبطال العرب في معركة طاحنة. سميت هذه الموقعة »”غزوة الأشراف”«، لما هلك فيها من اشراف افريقية من قريش وغيرها.كان ذلك في نهاية سنة 740،. ومباشرة بعدها، انتفض شمال افريقيا كله على ابن الحبحاب الذي أصبح كرسيه في القيروان مهددا. حتى الأندلس انتفض أهلها وخلعوا عامل الأمويين، وولوا مكانه واحدا منهم. أما الجيش الأموي المبعوث إلى صقلية، فلم يرجع إلى الضفة الأخرى، حتى كانت الثورة تعم المنطقة بكاملها، فاكتفى قائده حبيب بن أبي عبيدة الفهري بالمرابطة في تخوم تلمسان بعد أن وجد أن خوارجها، من الصفريين، انتفضوا بدورهم على العامل الأموي على المدينة وخرجوه منها. وصلت الأخبار إلى دمشق، وانجلى بوضوح أمام الخليفة هشام بن عبد الملك هول المصيبة، فقال كلمته الشهيرة: »والله لأغضبن لهم غضبة عربية، ولأبعثن لهم جيشا أوله عندهم وآخره عندي«.
عزم الخليفة هشام على الوفاء بتوعده، فأرسل إلى ابن الحبحاب بالعودة إلى دمشق معزولا، وعين مكانه كلثوم بن عياض، ووجهه إلى إفريقية مع خيرة فرسان الشام. غير أن مصيره لم يكن بأحسن من سابقيه، فانهزم هزيمة شديدة في واقعة »”بقدورة«” الشهيرة، على ضفاف نهر سبو، في بداية سنة 742م. فارق فيها القائد كلثوم حياته، وتفرق فيها الجيش الأموي، ففر بعضه إلى الأندلس وبعضه الآخر إلى القيروان.
صارت القيروان بعد معركة “بقدورة”، مكشوفة أمام الجيوش الأمازيغية، إلا أن الثوار أضاعوا، على غير المتوقع، الفرصة الثمينة. يقول شارل أندري جوليان: »كان متوقعا أن ينهار نهائيا سلطان دمشق، لو لم ينهض في نفس السنة (742م) حنظلة بن صفوان والي مصر الجديد، ليوقف في الوقت المناسب، زحف جيشين من الخوارج كانا قد تغلغلا في إفريقية وهددا القيروان، وينتصر عليهما في واقعتي القرن والأصناف في أبريل وماي 742 م«.
حافظ الأمويون على القيروان، واسترجعوا الأندلس، لكنهم فقدوا المغرب نهائيا، فكانت ثورة الأمازيغ، التي تحسبها المصادر التاريخية ضمن ثورات الخوارج في العهد الأموي، أول انفصال ناجح ضمن إقليم الخلافة الإسلامية. فقد تأسس على أنقاض الحكم الأموي، في المغربين الأوسط والأقصى، واقع سياسي جديد تمثل في ظهور عدد من الإمارات المستقلة، بعضها يقوده الخوارج: مملكة تاهرت الإباضية، مملكة سجلماسة الصفرية، إمارة النكور المالكية السنية في طنجة، مملكة بورغواطة بدينها الجديد، قبل أن يحل المولى إديس بالمغرب ويؤسس الدولة الإدريسية، أماعن تداعياتها في الشرق، فكانت هذه الثورة أقوى حدث سياسي في فترة حكم الخليفة هشام بن عبد الله، وجاءت تتويجا لسلسلة التراجعات التي طبعت نهاية الدولة الأموية، فتوقفت الفتوحات، وغرقت الدولة في الفوضى الداخلية. ولم تمض سوى فترة قصيرة حتى فاجأتها جيوش أبي مسلم الخرساني، حامل لواء العباسيين.
ثورة دينية أم سياسية؟
. كانت البصمة الخارجية واضحة، لا غبار عليها، في ثورة أمازيغ المغرب، فقد تشبع الأمازيغ بأفكار الخوارج بدرجة كبيرة. ولعب هؤلاء دورا كبيرا في استنهاضهم إلى الثورة التي كان قادتها خوارج وأمازيغيين في آن واحد. ميسرة قائد الثورة أبرز مثال على ذلك،فقد كان أمازيغيا خارجيا صفريا. لكن هل كانت هذه الثورة فعلا ثورة عقدية مذهبية على غرار ثورات الخوارج في المشرق، كما حدث في معركة النهروان ضد علي بن أبي طالب، ثم ثورة الأزارقة في عهد بني أمية؟ أم كانت ثورة سياسية عمقها الحقيقي مطالب اجتماعية وإن غلفت بغلاف ديني؟
كثيرة هي المؤشرات التي تسير في اتجاه الإجابة عن هذا السؤال باعتماد الطرح الاول، فالأمازيغ كانوا يحاربون، حسب بعض المصادر، بشعارات خارجية (التحكيم) وعلى الطريقة الخارجية، حليقي الرؤوس رافعين المصاحف على أسنة رماحهم، تماما كما كان يفعل الخوارج الأولون (في الحقيقة أول من رفع المصاحف على أسنة الرماح جيش معاوية في معركة صفين). أكثر من هذا، انتهت الثورة بتأسيس ثلاث إمارات خارجية: تاهرت، سجلماسة، بورغواطة (قبل أن تنقلب إلى دين جديد).
في المقابل، هناك من يرى أن الثورة كانت سياسية اجتماعية في المقام الأول. يتبنى هذا الطرح المؤرخ الفرنسي، شارل أندريه جوليان، صاحب »تاريخ افريقيا الشمالية«، قائلا: »وكذلك كان الأمر بالنسب للبربر الذي أسلموا على يد العرب، فقد صبغوا معارضتهم بالصبغة الإسلامية فتمكنوا من ذلك من عرض مطالبهم الاجتماعية في صورة مثل أعلى ديني«. بالنسبة لجوليان، فإن الثورة وإن ظهرت على شكل تمرد خارجي على مذهب السنة، فلأن هذا المذهب تمثل عمليا يومها في استبداد العرب وبيروقراطيتهم. ويتبنى حسين مؤنس في “»فجر الأندلس”« رأيا شبيها، عندما يقول: »إن أسبابها سياسية قبل أن تكون دينية. ولسنا نجد، على أي الأحوال، في أخبار هذه الثورة الكبيرة دليلا واضحا على صفرية القائمين بالحركة أو إباضيتهم. والأسلم أن نسميهم خوارج سياسيين لا دينيين« ما يعضد هذا القول أيضا، هو المعارضة التي لاقى بها الأمازيغ في البداية دعوة الخوارج للثورة، فقد كانوا مترددين في الخروج على الخلافة الأموية قبل التأكد من حقيقة موقفها، كما أن المطالب التي حملها الوفد الأمازيغي الى دمشق لم تكن أي منها ذات صلة بموقف عقدي أو مذهبي، بل كانت مطالب اجتماعية صرفة تطلب العدل والمساواة.
 

 

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق