سبع الليل يحكي عن محاولة الاعتداء عليه إبان أحداث السبت الأسود

سبع الليل

في سياق “التقطاع” السائد بين أبناء سيدي إفني وآيت باعمران منذ سنوات والذي احتدم هذه الأيام مع قرب الاستحقاقات الانتخابية في إطار “كلشي كاري حنكو لشي جهة” إما رسمية أو حزبية أوشخصية، أود مشاركتكم هذه القصة الواقعية التي حدثت لي أيام نضالات السكرتارية المحلية والتي لم يسبق أن توقفت عندها لاعتبارات كثيرة قد تفهمونها، تبين لكم إلى أي حد قد يصل الأمر بأبناء المدينة الواحدة والقبيلة الواحدة بصرف النظر عن مستواهم الثقافي. 
في إحدى أيام الله وبينما كنت خارجا من مسجد حي بولعلام بعد أداء صلاة العصر انطلقت كالعادة عائدا إلى بيت الوالد –حفظه الله- وبينما أنا ماض أفكر في أشياء كثيرة، أثار انتباهي ظل يسير خلفي بشكل جعلني أستفيق فجأة من هيامي لأجد خلفي شاب أعرف أنه من أبناء المدينة (من حي آخر) ومن أصحاب السوابق العدلية. نظرت لعينه فجأة فارتبك، وبتلقائية قلت: “السلام عليكم” وابتسمت ثم أردفت “كاين شي ما نقضيو؟”. 
بطبيعة الحال، كان رد فعلي هذا طبيعي، فعندما تكون شخصية عمومية تزعم أنك تناضل من أجل قضية، فإنك تصبح ملاذ الكثير من المظلومين، في هذه الحالة كان سيناريو واحد يدور في مخيلتي وهو أن الشاب يريد 20 درهما، كما يحدث عادة مع أمثاله وهو الطلب الذي اعتدت الرد عليه إيجابيا إلى درجة أنه أحيانا كان بعض هؤلاء الشباب – الله يعفو عليهم وعلينا جميعا- كان يطلب مني أن أترك له النقود عند بعض تجار الحي بشكل يوحي أن لهم دين علي. 
هذه المرة لم يطلب الشاب شيئا سوى أنه ارتبك وأصبح يقول كلاما غير مفهوم مما جعلني أشك في أمره، قلت له بشدة: ” ما الأمر، ماذا تريد؟”. أجاب:” في الحقيقة أود التحدث إليك إن سمحت في أمر مهم” . اصطحبت الشاب إلى بيت الوالد حيث شرع يحكي أمره على براد شاي من يد الوالدة أطال الله عمرها. 
قال الشاب: ” في الحقيقة السي سبع الليل، لا أعرف كيف أبدأ الأمر وارجو منك أن تتفهمني وتتفهم ظروفي، فأنا في حاجة إلى النقود…”. قلت لا عليك: ” هات ما عندك”. قال: ” لقد كلفني أحدهم بالاعتداء عليك (نكريسيك كما قال)، مقابل مبلغ مهم…والحقيقة أني محتاج للنقود”. سكت الشاب وشرع يقلب عينيه في السماء. قلت: ” لما لم تفعل؟ مالذي صرفك؟”. قال: “لست أدري”. 
قلت: “طيب، ما المطلوب مني الآن؟”، قال:” سأتفق معك على أمر، أرجو أن تقوم به إلى غاية حصولي على النقود ثم بعد ذلك، ماشفتيني، ما شفتك”. قلت: ” ما هو؟”. قال: ” أرجو أن تغادر سيدي إفني في الصباح الباكر، ولا تعود قبل متم أسبوع، وعندما تعود، ضع على رأسك عمامة لمدة أسبوع آخر حتى يتأكد الرجل أني قمت بالمهمة ويعطيني النقود”. 
سكتت قليلا وقلت: “طيب، سأفعل ما تريد شرط أن تخبرني باسم الشخص الذي كلفك بهذه المهمة القذرة”. قال: ” قبل حصولي على النقود، لا أستطيع أن أبوح لك باسمه ولكني سأقوله لصديقك فلان، فأنا أعرفه جيدا ويعرفني”. قلت: “طيب”، شكرته وأعطيته 50 درهما وانصرف. 
في الغد باكرا حزمت أمتعتي وغادرت رفقة أبنائي إلى مدينة نائية هادئة في بيت صديق عزيز أعارني بيته بينما كان هو في عطلة في مدينة أخرى، حيث قضينا حوالي عشرة أيام عدت بعدها لمدينة سيدي إفني معمما كما طلب مني الشاب و بدأت أتساءل عن صحة ما قاله. 
لم تمض ساعة على أول جلسة لي في إحدى مقاهي المدينة مع بعض الأصدقاء حتى جاءني خبر اليقين حول صحة ما زعمه الشاب، إذ جاءني شخص من أصدقاء الشخص الذي كلف الشاب بالمهمة وأقبل علي بكلام ظاهره المحبة وباطنه النفاق:” مرحبا أستاذنا، كيف أحوالك وأين اختفيت طيلة أيام معدودة؟” ثم أضاف: ” وما سر هذه العمامة التي على رأسك هل أصبت خلال حادثة، أم ماذا بالذات؟” ثم مد يده محاولا إزاحة العمامة من على رأسي، طبعا للتأكد من أن الشاب قد قام بالمهمة”. ضربت يد الرجل بقوة ومثلت عليه أنني منزعج من محاولته إزاحة العمامة حتى يفهم أن تمة خطب ما” . بدأ الرجل يعتذر ويشرح أنه إنما كان يريد الاطمئنان علي وما لبث أن سلم وانصرف.
بعد يومين، يتصل بي صديقي الذي قال لي الشاب أنه سيعطيه اسم الشخص الذي كلفه بالمهمة، وقال: ” هل تعرف صاحبنا الذي وراء الأمر؟” قلت: “لا”، قال: ” هيء نفسك للمفاجأة…إنه الأستاذ فلان”. طبعا توقف الدم في عروقي وغمرت الدموع عيوني وبح صوتي لوقع المفاجأة ولم يكن رد فعلي سوى أن صرت أقول:” ولكن ما لسبب؟ مالذي فعلته له؟ ولم نصل إلي هذا الحد؟”. هدأ صاحبي من روعي وقال لي كلمة لن أنساها: “هون عليك السي إبراهيم وتذكر أن يوسف قد حاول إخوته قتله من غير جريرة ارتكبها”. 
صاحبنا هذا إطار كبير، من أبناء المدينة والجوار، كان يناديني بالأستاذ وكنت أرد بالمثل، لم يسبق أن اختلفنا على أمر أو تنازعنا في قضية وكانت علاقتي به المحدودة تقوم على الاحترام والسلام والسؤال عن العائلة والأهل بحكم الجوار. صاحبي اليوم يشق طريقه بنجاح داخل المؤسسة l’establishment ولعله إلي غاية كتابة هذه القصة لا يعلم أني أعلم ما يعلم وأني بفضل إيماني بالله وأخلاقي أعرضت عن رد الإساءة بأختها وأني سامحته رغم أنه لم يعتذر، ” فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين”.

إبراهيم سبع الليل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق