اليهود الأمازيغ بتهالة :التاريخ والخصوصية وتعايش الديانات

اليهود

تعتبر تاهلة بإقليم تافراوت من ابرز المناطق الامازيغية ،التي عرفت حضورا يهوديا متميزا ،دام تاريخا عريقا وترك بصمات لاتمحى ،لكنها تحتاج إلى دراسات وأبحاث معمقة واهتمام مؤسساتي كبير ،لإزالة بعض اللبس والغموض الذي لايزال يحوم على اليهود الأمازيغ عبر التاريخ المغربي ،في الوقت الذي يسعى فيه البعض إلى تهميشه تارة وتشويهه تارة أخرى ،ونهج عملية فكيف عاش اليهود الأمازيغ في منطقة تهالة بتافراوت ؟ ماذا عن التعايش بين الديانتين ؟ ماهي تجليات المساهمة اليهودية في النهوض بالاقتصاد بالمنطقة ؟كيف كانت حياتهم الاجتماعية ؟ماهي أسباب هجراتهم الأخيرة ،أسئلة كثيرة حملتها إلى أناس بتهالة عاصروا اللحظات الأخيرة لهدا الحضور اليهودي الامازيغي والى السيد مسؤول مكتب الحالة المدنية بقيادة تهالة ،خلال زيارتي للمنطقة ،كما قمت باستنطاق بعض الوثائق التاريخية التي قدمت لي ،مع الاعتماد على مراجع تناولت تاريخ اليهود بالمغرب بصفة عامة ،كل هدا بغية الإسهام ولو بجزء ضئيل في تغطية النقص الحاصل في المادة التاريخية المتعلقة باليهود الأمازيغ بالمنطقة .
تاريخ اليهود الامازيغ
إن أقدم وثيقة معروفة عن استقرار اليهود بالمغرب ،عثر عليها في افران بإقليم سوس على جبال الأطلس الصغير ،وهي عبارة عن شاهد قبر اليهودي “يوسف بن ميمون ” وتعتبر شواهد القبور الموجودة في مختلف مدافن اليهود بسوس مصدرا من المصادر التاريخية الأصيلة ،وحسب الأستاذ حاييم الزعفراني فاليهود الأمازيغ توزعوا بين الأطلس وسوس والحدود الصحراوية ولغتهم الرئيسية هي الامازيغية ،ومعروف عن هده الفئة غنى موروثها الشفوي والأدبي والى جانب اليهود الأمازيغ هناك الطائفة المنحدرة من أصل “الميغوراشيم “وهي ناطقة بالاسبانية ،ونجد هؤلاء في تطوان وأصيلا والقصر الكبير وشفشاون ومليلية ،أما الطائفة العربية فهي من أحفاد المهاجرين من الأندلس والبرتغال ،وعن دخول اليهود إلى منطقة تهالة بتافراوت فيرجع إلى عهد قديم جدا ،ورغم آن هدا التاريخ يسوده بعض الغموض ويختلف كثيرا عما أشار إليه الباحثون القلائل المهتمون بتاريخ المنطقة ،إلا أنهم اجمعوا على أن اليهود قدموا إلى منطقة تهالة من جميع بقاع العالم قبل ميلاد المسيح عليه السلام بقرون عديدة وجمعهم الأمازيغ السكان الأصليون بالمنطقة داخل مجمع سكني أطلق عليه الملاح ،لازال قائما لحد الآن ،وبدخول المستعمر الفرنسي حسب رواية بعض السكان المسنين ،انسحب الكثير ،نظرا للمضايقات التي كانوا يعاينونها من الفرنسيين وكذا تعرض حرفهم التقليدية وتجارتهم للإفلاس أمام المنافسة القوية للمنتوجات الخارجية التي وفدت على الأسواق المغربية آنذاك وكذلك للإغراءات التي كانت تقدم لهم للهجرة إلى فلسطين لتعميرها تحت ضغط الممارس عليهم من جهات أخرى عنصرية .
فبدأت هجراتهم بالتدريج حاملين معهم تراث وتقاليد ولغة امازيغية ،منهم من انتقل إلى المدن الكبرى كالدار البيضاء والبعض الآخر إلى “كندا “أما البقية التي هاجرت إلى فلسطين تم استغلالها في الشرطة والمخابرات لتوفرهم على اللغة السوسية الامازيغية للتحاور بها باعتبارها لغة لايعرفها أي واحد من ساكنة فلسطين ،والى حدود 1964 “حسب رواية السيد لحسن عباج مسؤول مكتب الحالة المدنية بقيادة تهالة “لم يبق أي اثر ليهودي امازيغي بمنطقة تهالة التي سكنوها ،كما تركوا بعد رحيلهم إرثا ثقافيا لازالت معالمه بادية على المشهد المجتمعي هناك ،ولازالت مقابرهم متواجدة ،كما بقيت أسماؤهم محفوظة بسجلات الحالة المدنية بقيادة تهالة إلى يومنا هدا كما عاينت .
علاقة سكان تهالة باليهود الأمازيغ
اتسمت علاقة اليهود بسكان تهالة بالوفاق سواء على مستوى الإفراد آو الحكام ،فقد وجدوا في السكان التسامح والمساواة والعدالة ،فتمتعوا بحقوقهم الدينية والمدنية وعاشوا على قدم المساواة مع المغاربة المسلمين في نطاق مايحدده الشرع في الكتب الفقهية لأهل الذمة ،حيث اوجب عليهم السكان المتعاقبين بمقتضى الشريعة الإسلامية دفع الجزية ضمانا وحفاظا على أموالهم وحرية تنقلهم وحمايتهم ،كما ابرموا مع السكان المجاورين اتفاقية احترام ديانتهم والتي لايمكنهم أن يتخلوا عنها ،ومع ذلك وحسب شهادة هؤلاء المسنين الدين صادفتهم هناك لم يحدث أن عرفت المنطقة أي صراع ديني أو عرقي بل كل الدلائل تشير إلى انسجامهم داخل التركيبة البشرية لتهالة متشبتين بقيم الإسلام السمحاء ،فعاشوا معهم في ود وحب وسلام حضاري رفيع .
تداخل الثقافة الامازيغية واليهودية بتهالة
وإذا نحن أثرنا الحديث عن الثقافة اليهودية بتهالة فإننا نميط اللثام عن مكوناتها التي تشكلت على مدار ألاف السنين ولاتزال بعض المقابر محتفظة بمكانتها وطابعها الديني المقدس وكذلك العديد من المآثر اليهودية التي يعود تشييدها إلى قرون خلت إذ لم يبق من الثقافة اليهودية سوى بعض العادات التي احتفظ بها السكان وينسبونها إلى اليهود واتخذها المسلمون عادة محدثة يحتفلون بها ويحيونها كل سنة كعيد عاشور “امعشار “وهو اسم مقتبس من اللغة العبرية .
النشاط الاقتصادي بالمنطقة
ساهم اليهود الأمازيغ بتهالة في النشاط الاقتصادي للمنطقة بفضل مالهم من دراسة فنية فطرية في ممارسة التجارة والصناعة التقليدية خاصة المجوهرات الفضية والذهبية ،خصوصا مايتعلق بمعالجة المعادن الثمينة وإعادة صياغة المسكوكات النقدية المنتهية التداول وبالاعتماد على تقنيات متعددة كالنحث والنقش تمكنوا من تنويع أشكال الخواثم والخلاخل والأحزمة ،كما كانوا يهيمنون بشكل كبير على التجارة في الأسواق الأسبوعية والمواسم وكانت لهم علاقات تجارية واسعة بالمدن الأخرى المجاورة ،إلى جانب ذلك هناك منهم من مارس التجارة كباعة متجولين ينتقلون عبر البغال والحمير ويمكن لخرجاتهم أن تدوم عدة أيام .
كما أن البيع لايكون بالضرورة بالنقود بل يمكن أن يكون قمحا وشعيرا أو فواكه يابسة مع قليل من النقود .
وهدا النوع من التجارة يدعى “تعطارت “أما لغة التواصل والتعامل فهي الامازيغية ،ومما تحتفظ به الذاكرة المحلية للساكنة كما أكدوا تلك النداءات التي يطلقها اليهودي للإعلان عن قدومه :
Ad tsghim a lalla
فتجيبه المرأة :
Mad ddark a yuday
ويرد عليها التاجر :
Kulchi illa dari
ومعنى الحوار
هل تريدين شراء سلعة ياسيدتي ؟
وتجيب السيدة ومادا عندك ايها اليهودي
فيرد التاجر كل شيء موجود ياسيدتي
لكن التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي شاهدتها المنطقة أدت إلى اختفاء العديد من الحرف والمهن التقليدية فلم يعد للباعة المتجولين أي وجود بالمنطقة
وربما يعود هذا الاختفاء إلى توفر المواصلات وانتشار الدكاكين واختفاء تلك الفئة من التجار الصغار الذين مارسوا البيع بالتجوال .
كما آن الشرائح الاجتماعية اليهودية .كانت تتعاون وتتضامن فيما بينهما ،فالتجار الكبار كانوا يساعدون الصغار وفي هدا الصدد يشير ارموند ليفي في كتابه “حدث ذات مرة :اليهود المغاربة “إلى أن التضامن بين الأغنياء والفقراء يتجلى في وجود العديد من المؤسسات ذات الطبيعة الاجتماعية والخيرية التي تتكلف بمساعدة الفقراء والمحتاجين ،وحسب الروايا ت التي استقيتها بعين المكان هناك كذلك مايعرف ب “امراطن “وهو نوع من التجارة وتعني آن اليهودي يقرض النقود للمسلم مقابل الحصول على غلة العام من شعير أو قمح أو غيرها من المواد الفلاحية إذا حصل عدم توفر المسلم على النقود لتسديد الدين .
الحياة الاجتماعية لليهود الأمازيغ بالمنطقة
اتسمت الحياة الاجتماعية لليهود الأمازيغ بالمنطقة بالعديد من الشعائر والممارسات والمعتقدات ،وحسب ماجاء في الرواية الشفوية نظرا لعدم التوفر على مصادر كثيرة مكتوبة ،انه بعد مرور أسبوع على الولادة يقام احتفال يحضره الجيران من يهود ومسلمون ،إذ يعطي اليهود النقود للمرأة النفساء في حين أن المسلمين يقدمون لها الثياب ويجتمع الحاضرون رجالا ونساء في غرفة واحدة،وهو مايدل على التعايش والانسجام ،كما أن الزواج أساس الحياة اليهود ،فمراسيم الزواج عندهم تستمر عدة أيام ويحضرها كل سكان المنطقة يهود ومسلمون .
الملاح أو الحي اليهودي وماهو أصل التسمية ؟
الملاح هو التسمية عندنا بالمغرب ،وهو تجمع سكني لليهود ،أما في تونس وليبيا فقد كان يطلق على الحي اليهودي اسم “الحارة “واصل تسميته بالملاح يعود إلى عهد المرينيين في الثلاثينات من القرن الخامس عشر الميلادي ،حيث كان موقع عند مدخل مدينة فاس تجمع فيه مادة الملح قبل توزيعها ،فكان الموقع أول تجمع خاص باليهود ومنذ دلك الحين تم تعميم مصطلح الملاح ليتم تداوله بين الأوساط المسلمة واليهودية كحي محاط بأسوار عالية له بابان في غالب الأحيان يقطنه اليهود وقد عمد سلاطين المغرب على تجميع اليهود بهده الأحياء وكان الملاح قريب من قصر السلطان من اجل توفير الأمن والحماية لهذا العنصر نظرا لدوره الفعال في تنشيط الحياة العامة وتحريك مرافقها ولكونه مصدر من مصادر تزويد خزينة الدولة بالمال .وقد ساهم الملاح في الحفاظ بشكل كبير على الخصوصية اليهودية لمئات السنين وقد عرفت مدن مغربية أخرى الملاح بعد فاس فكان لمراكش ملا حها الذي بني في أواسط القرن السادس عشر الميلادي وكان لمكناس ملاح مشهور وللصويرة في زمن السلطان محمد عبد الله ملاح اكتسب شهرة وصيتا نظرا للدور الاقتصادي الذي كان يلعبه ،وكان لكل ملاح مقدم ونواب يمثلون الطائفة وينوبون عنها أمام السلطان ويرعون مصالحها ويعملون على حل مشاكل اليهود فيما بينهم .وإذا عدنا إلى تهالة سنجد أن الملاح عبارة عن تجمع سكني لليهود يضم أمكنة خاصة للتجارة ودار الحاخام لازالت يحيط بها سور ينفتح ببابين واسعين ،ولازالت أثاره ظاهرة لحد الآن رغم تعرض اغلب دوره ومرافقه للتخريب .
المراجع والمصادر :
الف سنة من حياة اليهود بالمغرب ل “حاييم الزعفراني “
حدث ذات مرة اليهود المغاربة”ارموند ليفي “
اليهود في منطقة سوس دورهم الاقتصادي وعلاقتهم بالصويرة “عمر افا “
شهادة مسنين عايشوا الحضور اليهودي الامازيغي بالمنطقة
شهادة موظف الحالة المدنية بقيادة تهالة بالمنطقة
أدرار بريس – بازغ لحسن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق