عْلاش الشياطين مْربوطة والتلفزيون مطْلوق؟ 

الشيطان ورمضان

يحس المغاربة في هذه الأيام المباركة بأنه حتى لو كان الاستعمار لا يزال ممسكا بتلابيب البلاد، فإن التلفزيون لم يكن أبدا ليصبح على ما هو عليه الآن، في عهد ما يسمى بالحرية والاستقلال. 
من عادة الاستعمار أن يقيم التوازنات الدقيقة ويضع في الاعتبار كل حسابات المجتمعات المستعمرَة. صحيح أن الاستعمار أبشع ما خلقته البشرية، لكن هناك شيئا أسوأ من الاستعمار، وهو النفاق.
نحن نتأمل اليوم التلفزيون المغربي وسحلياته الصغيرة التي نسميها أيضا قنوات إضافية، فنحك رؤوسنا حيرة ولا ندري إن كنا نعيش أصلا في عهد الانعتاق أم أننا دخلنا توا عهد الاسترقاق.
يفطر الناس، في الغالب، على الآذان الذي يسمعونه في التلفزيون، ومباشرة بعد ذلك تقفز إلى الشاشة مغنية تسمى «الداودية» وهي ترطن بنفس لحن تلك الأغنية البذيئة «عْطيني صاكي»، التي اعتُبرت تحريضا واضحا على الدعارة وخلفت نقمة حقيقية بين الناس. الداودية حولت أغنيتها تلك إلى إشهار لشركة للعقار، وقبضت مقابلها 300 مليون سنتيم، وقبض المغاربة الريح.
لو أننا أخرجنا الجنرال الاستعماري ليوطي من قبره ووضعناه مكان المدير الحالي للتلفزيون، فيصل العرايشي، وسألناه رأيه في هذه النازلة سيقول إنه من المخزي أن يتم استفزاز المغاربة بهذا الشكل، وأنه من العار أن يغضب الناس على أغنية بذيئة في الأيام العادية فيضعها لهم التلفزيون مباشرة على موائد الإفطار في رمضان، وفوق هذا يؤدون من جيوبهم 300 مليون سنتيم، معفية من الضرائب، لصاحبة «عْطيني صاكي».
المشكلة أننا شعب نساعد المستعمرين الجدد على إهانتنا، فلو أننا قاطعنا منتجات تلك الشركات والمؤسسات الاقتصادية التي تستفزنا بتلك الإشهارات، لما استمر ذلك الإعلان ليوم إضافي واحد، لكننا ظاهرة صوتية بامتياز، نلعن التلفزيون ونتسمر أمامه، نشتم أمريكا ونشرب الكوكا كولا، نكره اللصوص ونصوّت عليهم في الانتخابات.. إلخ.
قبل أسابيع غضب المغاربة على المومس السينمائي، نبيل عيوش، الذي قدم لأول مرة في تاريخ المغرب فيلما بورنوغرافيا صفق له كثيرا أنصار «الحداثة الجهادية»، وأصاب المغاربة بعسر هضم مزمن، إلى درجة أن هذا ال»العيوش» تحول إلى العدو رقم 1 للشعب، لكن منذ الأيام الأولى لرمضان صار الناس يتابعون المسلسلات والسيتكومات التي أنتجها عيوش، والتي تقدم في عدد من القنوات المغربية مباشرة بعد الإفطار. مثل هذه الحالة «الرومانسية» لا يمكن أن تحدث في أي بلد آخر من هذا العالم، ولو أننا ركبنا آلة الزمن وعدنا إلى زمن الاستعمار، لما تجرأ المستعمرون على إهانتنا بهذه الطريقة الفجة والوقحة.
من الإفطار إلى السحور، ومن السحور إلى مغيب الشمس، يستمر تلفزيون المغاربة في تقيؤ برامج ومسلسلات وأفلام لا علاقة لها بالمغاربة ولا بواقع المغاربة ولا بتاريخ المغاربة. هناك مسلسلات لا فرق بينها وبين إشهار «جافيل» أو إعلانات الشاي والزيت. وهناك مسلسلات قيل إنها تاريخية تصيب بالغثيان. الأحداث فيها تجرى قبل قرون، بينما اللغة المستعملة هي نفسها التي تدور حاليا بين زبناء مقاهي «الماكدونالدز» في الرباط أو «توين سانتر» في الدار البيضاء. الذين يكتبون مسلسلات التاريخ للتلفزيون يبدو أنهم هم أنفسهم الذين يكتبون مسلسلات إعلانات الشامبوان والغاسول.
في زمن مضى كان المستعمرون يحاربون اللغة العربية بلطف، وأحيانا بدهاء ثقيل، يحتاج إلى وقت طويل لكي يؤتي نتائجه. أما اليوم فإن محاربة لغة الدستور تتم بطريقة تشبه أفراد فرقة «دقايْقية» مستعجلين لإيصال «العروسة» إلى منزل الزوجية ليعودوا إلى بيوتهم للنوم. هناك مسلسل تافه أنتجته القناة الثانية «دوزيم» ويحمل اسم «الخواسر». ومرة أخرى نعود إلى نبش قبر ليوطي ونقول إنه لو كان حيا وكان يرأس القناة الثانية لما سمح أبدا بإنتاج ذلك المسلسل، لأن المغاربة سينتفضون ضد الاستعمار وسيتهمونه بمحاولة القتل الفوري للغة العربية عبر التلفزيون، لكن بما أن المستعمرين المباشرين رحلوا وبقي فقط الاستعمار غير المباشر فإن سلسلة تلفزيونية مثل «الخواسر» تمر بسهولة ويهضمها الناس مباشرة مع الحريرة.
في تلفزيون المغاربة لا شيء يهم المغاربة، وفي كل موسم يتكرر نفس الكابوس، والمغاربة هم الذين يموّلون كابوسهم من جيوبهم.
في الماضي، عندما كان المغاربة يحسون بالعجز عن مواجهة طغيان عارم وتجبر بلا حدود، كانوا يطلقون عبارة «عْلاش طلقْتو الكْلاب وربطْتو لحْجر؟». اليوم يردد المغاربة نفس الحكمة بصيغة أخرى، وهي «عْلاش الشياطين مربوطة فرمضان والتلفزيون مطْلوق»؟
 

 نشر في المساء يوم 28 – 06 – 2015

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق