إنتاجات الحشود: عن تلفزيون رمضان ! 

تلفاز

شرعت يوم الخميس الماضي القنوات التلفزيونية المغربية الثلاث الأكثر استقطابا للمُشاهدين، الأولى والثانية وميدي 1 تي في، في عرض إنتاجاتها التي من المفروض أن تتماشى مع الطبيعة المميزة لهذا الشهر، والتي يتم إعدادها وفق مخطط قبلي، تكون بموجبه شركات تنفيذ الإنتاج مُطالبة بأن تدخل في منافسة فيما بينها، وفق شروط تُلزمها بها دفاتر تحملات، قبل أن تنال هذه الشركات ثقة المؤسسات التلفزيونية، وتفوز بصفقات تنفيذ مُكونات هذا المخطط.
وكما العادة، فإن الرهان يكون دائما على فترة الذروة التي تلتئم فيها العائلات حول مائدة الإفطار، والتي يجد المُشاهد نفسه مُجبرا خلالها على اقتطاع جزء من وقته لتتبع ما يقترحه عليه تلفزيون بلده، والتعرف على المستوى الذي وصل إليه الإبداع الوطني في هذا المجال.
والحقيقة، أن هذا الشهر يكون مقياسا هاما لدراسة المسار الذي يريد التلفزيون المغربي أن يدفع المجتمع في اتجاهه. فالتلفزيون يزداد تأثير برامجه في شهر رمضان، وتتحول إنتاجاته إلى موضوع نقاش واسع بين الناس في لقاءاتهم ومجالسهم، بل هناك من يضبط وقته لمتابعة كبسولة أو سلسلة أو مسلسل أو سيتكوم، ويقوم بالترويج لما يُشاهده بين أقربائه وأصدقائه، وكلما كثر عدد المُتتبعين لإنتاج تلفزيوني ما، كلما اتسعت دائرة الخاضعين لتأثيره، وهنا يكمن المشكل.
فالتلفزيون في بلدنا، يحصل على أكبر قدر من مبالغ تمويله عن طريق المُعلنين الذين يستغلون فترة الذروة لإشهار منتوجاتهم الاستهلاكية. ومن ثمة، يكون هذا الجهاز دائما في بحث لاهث عن الحشود التي يُمكن أن تستقبل الرسائل الإشهارية التي يبعثها المعلنون بأشكال فنية. وهنا يتم الارتكان إلى مقياس التأثير استنادا إلى لغة الأرقام. ويكون من الطبيعي أن لا يتم الأخذ بعين الاعتبار في الوصلات الإشهارية التي تصاحب برامج الذروة بعض التحفظات التي تُواجه بها بعض أشكال التعبير الفني، إذا كانت هذه الأشكال قد تمكنت من فرض نفسها على الناس، وانتشرت بينهم بسرعة قصوى، كما هو الحال بالنسبة لأغنيتي “حك ليلي نيفي” و”اعطيني صاكي” اللتين تم استثمار انتشارهما الجماهيري المحسوم فيه استنادا على الأرقام العالية التي حققتاها في “يوتيوب”، فتم تحويلهما في هذا الشهر إلى مادتين إشهاريتين لمنتوجات شركتين عقاريتين خلال وقت الذروة، دون أدنى اعتبار لما أثارته هاتان الأغنيتان من نقاش حول قيمتهما الفنية.
القول بأن التلفزيون هو أقوى وسيلة للتأثير على الجمهور، لا يمكن التشكيك فيه حتى داخل المجتمعات التي تربت على العقلانية، والتي قطعت الصلة مع الأمية منذ عقود عديدة. فالكثير من الدراسات في علم الاجتماع وعلم النفس، أثبتت أن التلفزيون يمارس ضغطا على المجتمع، ويساهم في تغيير سلوك الناس، وفي توجيه أفكارهم، وفي تصعيد رغباتهم الاستهلاكية، وفي تحويل عيشهم من نمط إلى نمط آخر مغاير. ومن هذا المنطلق، يمكن تفهّم المحاولات التي تقوم بها بعض الأحزاب السياسية، وبعض الجماعات المرتبطة بإيديولوجيات ما، للاستفادة من التلفزيون، من خلال دس الأتباع داخل هذه المؤسسة، التي يقتضي العقل والمنطق أن لا تكون خاضعة سوى لسلطة الدولة، لكن، شريطة أن يكون مسؤولو الدولة المشرفون على هذه المؤسسة مُدركين لطبيعة المنتوج الذي يرقى إلى مستوى التطلعات.
أحمد الدافري ..الأحداث المغربية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق