كل حزب …

الأحزاب

تستبيح الحياة المغربية جل التناقضات المتداخلة والمتباعدة حيث تتحول السياسة الى غطاء للتخفي، تنصهر الأحاسيس الأيديولوجية في دوامة الفعل السياسي، وتختفي معه القبعات التعريفية للأحزاب في الواقع المغربي… يصبح اليساري الشيوعي خطيبا دينيا ويُنظر الإسلامي لقيم الحداثة و الانفتاح درجة الإنسلاخ، تنفلق الخطب السياسية لتكون مزيجين متوازيين متباعدين، تُطبخ المواقف السياسية الراديكالية تحت نار هادئة بلغة خشبية يابسة، يستحيل التقاطها من طرف المواطن البسيط لتمرر في برامج حوارية او هكذا تسمى…قد يقول البعض انها لغة السياسية التي لها قواعدها وجماليتها لا توجه إلا لفئة ملقحة ومعدة لفهم هذا النوع من الخطابات… وهو خطاب يستعمل  الموجات فوق الصوتية التي لا يراها المتتبع غير المركب…تستحضر هذه الأخيرة المواقف التاريخية المؤخرة بأزمنة غابرة قد يغيب تأثيرها الكلي في الحياة العامة الحالية، لكنه حنين نوستالجي ألف شيوخ الأحزاب على  الإستنجاد به كلما ضاقت الأرزاق الفعلية لتحركاتهم. تجاوز مفهوم التوافق السياسي حد اليوتوبيا السياسية ، كيف لا وقد اصبحت نقط الخلاف نقطا تجمع بين الخصوم وتؤلف بين اقطاب التيارات المتضادة، واصبحت التشكيلات المختلفة تتبنى اي شيء للحصول على كل شيء.
تحاكي السياسية المغربية نظيرتها الغربية في كل شيء ولا تشبهها في اي شيء، تُتتخد الإتجاهات السياسية “يمين يسار وسط ” فقط لملء الفراغات البينية بين التشكيلات الأخرى،عن طريق التزاحم الرحيم في الإستحقاقات الإنتخابية بغية  التربع على الكراسي الفارغة.

المغرب سائر في طريقه…الى الأمام او نحو اتجاه اخر، لا يهم مادام الفعل الحزبي لا يؤثر في خطوات المغرب، مع استثناء بعض التعثرات او القفزات التي ساهمت فيها الأحزاب ، لكن سرعان ما تعود عجلة الدولة الى روتينها المعهود تحت غطاء ما يسمى باستمرارية المرفق العمومي… استمرارية تطرح عديد التساؤلات عن جدوى تعاقب الحكومات، مادامت القطيعة بين البرامج السابقة والحالية غائبة رغم اختلاف التوجهات الإقتصادية والأيديولوجية للحكام… فلماذا الإنتخابات ؟ بل لماذا التغيير من اساسه، هل الإقتداء بكواكب ديمقراطية في الشكل كفيل بتغيير المضمون تدريجيا؟ أليس الأجدى منع انشاء احزاب بخلفيات ايديولوجية او عقدية؟ باعتبار ان هذه الألوان الحزبية لا دور لها في تدبير الشأن العام… فسياسة التوافقات التي يتبعها المغرب تفقد كل شيء مضمونه وقوته… المهم هو التوافق، حتى ولو تم إفراغ المتوافق عليه من محتواه… من اجل تقاسم التبعات بعد ذلك، وهذا كثيرا ما يتم تردديه “بأن المسؤولية مشتركة” فتتفرق الدماء بين “القبائل” وبالتالي تكبيل  الجمهور عن “الأخذ بالثأر” من الجناة…

يعجز السياسي المغربي عن التفكير بصوت مرتفع، خوفا من انفضاض الملأ المغيب من حوله، فعبارة كلنا مسلمين، او كلنا امازيغ، او كلنا حداثيين او تقدميين… تحيل على التسابق نحو تبني كل ما تجتمع عليه “الأمة” رغم تعارضه المبدئي مع ترانيم الحزب الفكرية، نتيجة الخوف من الإنعزال واستقبال اهداف  الخصوم السياسيين… فما معنى ان تكتب المرجعية بأسطر كبيرة امام المقرات الحزبية، في نفس الوقت الذي يتم اخفاءها عن المواطن البسيط… حتى لو فرضنا جدلا ان الحزب يتمتع بالجرأة السياسية للسباحة ضد تيار الدولة، فهل سيكون لذلك نتيجة؟ فصب الماء في اناء مربع لا يمكن إلا ان يعطينا شكلا تربيعيا للماء، اللهم ان فاض الماء خارج الإناء…

هشام ابعقيلن

كل حزب

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق